البحوث الإسلامية: دورات تدريبية للمقبلين على الزواج للحد من ظاهرة الطلاق (فيديو)    محافظ الدقهلية يتفقد المنطقة الصناعية بجمصة ويشدد على الالتزام بالاشتراطات البيئية (صور)    بنصف مليار دولار، إسرائيل تعتزم شراء طائرات للتزود بالوقود من الولايات المتحدة    غزة تتشبث ب «الأمل الأخير».. غدا فى اليوم السابع    الكرملين: بوتين يطلع أردوغان بنتائج قمة ألاسكا    وزير الشباب ينعى فؤاد سعودي لاعب الإسماعيلي السابق    يايسله بعد اكتساح القادسية: هدفنا التتويج بلقب السوبر السعودي    الداخلية تضبط سيدة تلقى نفسها أمام السيارات بالشرقية    ضبط راقصة لنشر مقاطع فيديو خادشة للحياء على مواقع التواصل الاجتماعي    الآثار تكشف حقيقة زيادة أسعار تذاكر دخول المصريين ل المتحف الكبير عقب الافتتاح الرسمي    "فستان قصير مكشوف الظهر".. أحدث جلسة تصوير "جريئة" ل هنا الزاهد    وزير الصحة يتفقد صحة أسرة "الريحان" بالشروق ويوجه بصرف مكافأة لجميع العاملين    1793 مواطنا يستفيدون من القافلة الطبية المجانية برأس الخليج في الدقهلية (صور)    عانى من كسرين في القدم.. تفاصيل جراحة مروان حمدي وموعد عودته للمباريات    مرسيدس: "حظر سيارات الوقود سيدخل الصناعة الأوروبية في الحائط"    بالأرقام.. الخارجية تكشف جهود مصر في دعم غزة    غدر الذكاء الاصطناعى    تفاصيل اكتشاف نفق بطول 50 مترًا قرب منطقة القصير في جنوب لبنان    نقيب الأشراف يلتقي رئيس مجلس القضاء الأعلى لتقديم التهنئة بتوليه منصبه    لإحياء مواهب الشباب..انطلاق الأسبوع الثقافي بالإسماعيلية    تعرف على آخر مستجدات الحالة الصحية للفنانة أنغام    وفاة ابن شقيقة المطرب السعودي رابح صقر    ما ثواب صلاة الجنازة على أكثر من متوفى مرة واحدة؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى يوضح الفرق بين الاكتئاب والفتور في العبادة (فيديو)    محافظ الجيزة: حريصون على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ودعم الابتكار في قطاع النقل والخدمات    وسام أبو علي: مقتنع بخطوة اللعب في كولومبوس.. والأمر كان صعبًا بسبب الأهلي    النائبة آمال عبدالحميد بعد جدل تعديل مواعيد العمل: الناس فهمت غلط    في يومه العالمي- متى تسبب لدغات البعوض الوفاة؟    خالد الجندى يوضح الفرق بين التبديل والتزوير فى القرآن الكريم.. فيديو    بيع مؤسسي يضغط سوق المال.. والصفقات تنقذ السيولة    وكيل تعليم الغربية: خطة لنشر الوعي بنظام البكالوريا المصرية ومقارنته بالثانوية العامة    صلاح: التتويج بالبطولات الأهم.. وسنقاتل لتكراره هذا الموسم    الأوقاف تعقد 681 ندوة بعنوان "حفظ الجوارح عن المعاصى والمخالفات"    طب قصر العيني يطلق برنامجًا صيفيًا لتدريب 1200 طالب بالسنوات الإكلينيكية    البرديسي: السياسة الإسرائيلية تتعمد المماطلة في الرد على مقترح هدنة غزة    كنوز| 101 شمعة لفيلسوف الأدب الأشهر فى شارع صاحبة الجلالة    مدبولي لقادة الدول: حان الوقت لاتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لردع العدوان الإسرائيلي والاعتراف بالدولة الفلسطينية    النائب علاء عابد: المقترح «المصري–القطري» يتضمن بنود إنسانية    حملة موسعة على منشآت الرعاية الأولية في المنوفية    تحرير 7 محاضر لمحلات جزارة ودواجن بمدينة مرسى مطروح    إزالة 19 حالة تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في المنيا    بيع 11 محلًا تجاريًا ومخبز بلدي في مزاد علني بمدينة بدر    كيف يكون بر الوالدين بعد وفاتهما؟.. الإفتاء تجيب    الليلة.. إيهاب توفيق يلتقي جمهوره في حفل غنائي بمهرجان القلعة    عمر طاهر على شاشة التليفزيون المصري قريبا    حالة الطقس في الإمارات.. تقلبات جوية وسحب ركامية وأمطار رعدية    ضبط المتهمين بالتنقيب عن الآثار داخل عقار بالخليفة    خلال تفقده لأعمال صيانة وتطوير المدينة الجامعية.. رئيس جامعة القاهرة يؤكد الالتزام بأعلى معايير الجودة    محافظ القاهرة يقرر النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بالثانوي العام    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الأربعاء 20 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    توقيع مذكرة تفاهم للتعاون بين اقتصادية قناة السويس وحكومة طوكيو في مجال الهيدروجين الأخضر    وزير الدفاع يلتقي مقاتلي المنطقة الشمالية.. ويطالب بالاستعداد القتالي الدائم والتدريب الجاد    الزمالك: منفحتون على التفاوض وحل أزمة أرض النادي في 6 أكتوبر    صباحك أوروبي.. صلاح يتوج بجائزة لاعب العام.. استبعاد فينيسيوس.. ورغبة إيزاك    رئيس الوزراء: أدعو الطلاب اليابانيين للدراسة في مصر    انطلاق القطار السادس للعودة الطوعية للسودانيين من محطة مصر (صور)    ترامب: رئيس البنك المركزي يضر بقطاع الإسكان وعليه خفض أسعار الفائدة    إيزاك: النادي يعرف موقفي منذ فترة.. وعندما تكسر الوعود لا يمكن للعلاقة أن تستمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرأسمالية المؤمنة و«الدولة المدنية»
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 07 - 2012

قضت المصادفة بأن تجرى ثلاثة أحزاب منضوية فى التنظيم الدولى لحركة الإخوان المسلمين مؤتمراتها فى الأيام الماضية فى تونس والمغرب فى الوقت الذى عقد الفرع السورى مؤتمره الأول فى المنفى منذ ثلاثين عاما. ويصدف ايضا ان يثير انتخاب الرئيس محمد مرسى الفضول حول إعلان «حزب الحرية والعدالة» مشروعه السياسى الاقتصادى الاجتماعى تحت عنوان «مشروع النهضة». تخدم المناسبات ووثائقها فى الإضاءة على فكر وسياسات «الإسلام الوسطى» فى السلطة.

الجامع المشترك بين تيارات هذا المنوّع من الإسلام السياسى هو الوعد ببناء «الدولة المدنية». لا يختصر الحزب المصرى رؤى زملائه، ولكنه يمكن ان يخدم كحقل اختبار. فأين «الدولة المدنية» فى برامج وسياسات «الإسلام الوسطى»؟

●●●

إذا كان الأمر يتعلّق بتعريف «المدنى» فى مقابل «العسكرى»، لا بد من تسجيل ثلاث خطوات مهمة للرئيس محمد مرسى فى هذا المجال. فقد حال انتخابه رئيسا دون اكتمال الانقلاب الذى أعد له المجلس العسكرى لإيصال مرشحه أحمد شفيق إلى الرئاسة. وسجّل مرسى إلى ذلك بادرة بالغة الأهمية فى انصياعه بما هو رئيس الدولة للدستور فى موضوع إلغاء مجلس الشعب. والأهم انه مستمر فى خوض المعركة الدستورية لإلغاء «التعديل الدستورى المكمّل».

عن «الدولة المدنية» فى معانيها الأخرى، نود ان نقترح مدخلا إلى فهم فكر وسياسات حزب «الحرية والعدالة» بتحديد صفتها الأبرز على انها نزعة شعبوية محافظة مختلطة بليبرالية اقتصادية. ونعنى بالشعبوية هنا بث رسائل متعددة ومتناقضة إلى فئات الشعب المختلفة والحديث إلى كل فئة اجتماعية بلغتها، من سكان العشوائيات إلى المستثمرين الأجانب، مرورا بالاقباط والنساء، والفلاحين الصغار، وإذ نسى الرئيس المنتخب المثقفين والفنانين فى احدى خطبه، سارع إلى ذكرهم والتودد إليهم فى أخرى.

ولكن هذه الشعبوية، على ادعائها «الوسطية»، يبدو انها فى نهاية المطاف أكثر تعبيرا عن مصالح «برجوازية مؤمنة»، ترتكز إلى قاعدة واسعة من الطبقة الوسطى المهنية، وقد نمت وترعرت وحققت تراكمها الأولى فى جُزُر القطاع الخاص التى أفلتت من هيمنة القطاع العام على الاقتصاديات المصرية منذ الخمسينيات. وها هى هذه الكتلة الواسعة من المصالح تنتقل إلى الاستثمار فى الدولة والسلطة واكتساب مواقع القوة والتقرير فى هذه وتلك.

●●●

تكفّلت وفرة الآيات القرآنية فى خطبة الانتصار بتأكيد الهوية الاسلامية الثقافوية للرئيس وعهده. على ان أولى المناسبات للتعبير عن «المدنية» فى مجال العلاقة بين السلطة والدين، جاءت سلبية. استنكر الرئيس المنتخب فى خطاب القسم أن «يوصيه» أحد بالأقباط. ولعل مفردة «الوصاية» جاءت بمثابة زلّة لسان. لكنها زلّة لسان معبّرة. فالوصاية شيء والاعتراف بالمساواة السياسية والقانونية بين المصريين بمن هم مواطنون ومن ثم البحث فى تمييز جماعات منهم تصحيحا لحيف وظلم وقع عليها وتراكم شىء آخر تماما. أوحت أوساط الرئيس بنيته تعيين قبطى وامرأة فى منصب نائبَى رئيس الجمهورية. سرعان ما وقع الاقتراح ضحية ابتزاز السلفيين الذين أثاروا عدم جواز خلافة مسيحى للرئيس المسلم فى حال الوفاة، ما سوف يستدعى إما اختزال تمثيل الاقباط والنساء بامرأة قبطية وإما زيادة نائب رئيس مسلم لأغراض الوراثة، بعد عمر طويل.

فى خطبة الانتصار، توجه الرئيس مرسى إلى «مصر العميقة» بلغة الانتماء للأهل والعشيرة تثبيتا لنزعة محافظة اجتماعية متمحورة حول الأسرة. كيف يستوى هذا التوجه مع «المجتمع المدنى» الذى تكرر التنظيمات الإسلامية ذكره مثل التعويذة؟ يستوى باختراع «مجتمع مدنى» متأسلم، تربوى وأخلاقى، توكل اليه مهمة «دعم رسالة الأسرة وتوعية أفراد الاسرة بتحديات الواقع ومتطلبات المستقبل». وهذا «مجتمع مدنى» لن يتردد فى ضبط حرية الإعلام بحدود «القيم المصرية الأصيلة». على ما يقترح «المشروع». ومعروف من يفسّر تلك القيم عندما تدعو الحاجة. أى اننا أمام صيغة ل«المجتمع المدنى» مطهّرة من كل ما يتعلّق بالمواطنة القائمة على الانضواء الطوعى للأفراد على حساب الانتماءات أو الولاءات الأسروية والجهوية والمذهبية والاثنية.

●●●

تستدعى الشعبوية الإكثار من الوعود. فى المجال الاقتصادى: رفع نسبة نمو الدخل الأهلى، تقليص البطالة، وخفض التضخم بنسبة النصف، مضاعفة حصة الفرد من الناتج المحلى، الخ. ولكن عند البحث فى المصادر التى تسمح بتحقيق قفزات كهذه، لن نجد اختلافا كبيرا عما كان سائدا فى عهد مبارك، بما فيه الاستثمارات الخارجية، باستثناء موارد جديدة يقترحها «المشروع» من خلال الزكاة وإحياء الوقف وصناديق الاستثمار الإسلامية. وفى المجال الاجتماعى، تكثر الوعود ب«حماية كرامة الفقراء والمهمشين» وإشراكهم فى عملية التنمية ومضاعفة عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعى والصحى والغاء ديون صغار الفلاحين، وتخصيص حصة من الضرائب ل«تنمية» العشوائيات مع إقران هذه «التنمية» بتسهيل مغادرة السكان الطوعى للعشوائيات.

مهما يكن، ينطوى المشروع التنموى المقترح على معادلة غامضة ومتناقضة تقضى بتحقيق «التحول من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد قيمة مضافة فى اطار مجتمع المعرفة والانتاج». فى البدء، لسنا متأكدين من انه يجوز وصف الاقتصاد المصرى بأنه «ريعى». إلى هذا، فالمشروع الاقتصادى الإسلامى يوجه التحية باتجاهين. تحية إلى «منظمة التجارة العالمية» من خلال التعهد باعتماد الضرائب غير المباشرة بديلا من الرسوم الجمركية والضرائب المباشرة على الدخل. واما التحية الثانية، فموجهة ل«تقارير التنمية البشرية العربية» ذائعة الصيت ومشروعها «بناء مجتمع المعرفة» الذى لم نعد نسمع عنه كثيرا منذ ان اعلن حاكم دبى، الامير محمد بن راشد آل مكتوم، تخصيص ميزانية بعشرة مليارات دولار قبل ان يعلن وفاة المشروع.

أما الحديث عن ضمان الاستقلال المالى ل«المجتمع المدنى» فى وجه الدولة، فيجعله معادلا ل«القطاع الخاص» مثلما هو فعلا فى الفكر الليبرالى. وهذا يعنى ضبط دور الدولة فى حدود توجهات البنك الدولى وصندوق النقد خارج أى تخطيط أو حماية أو دور فى التوزيع الاجتماعى أو حتى فى بناء «شبكات الأمان الاجتماعى». بل يصل انضباط «مشروع النهضة» لحزب «الحرية والعدالة» بإملاءات المؤسسات المالية الدولية حد تبنى ترسيمة «تنمية الناتج المحلى الاجمالى» مقياسا للجدوى الاقتصادية. علما ان مدير البنك الدولى ومدير صندوق النقد الدولى السابق، اكتشفا ان ارتفاع معدلات نمو الناتج المحلى فى البلدين العربيين النموذجين، تونس ومصر، لم يعفِهما من اندلاع ثورة ذات حوامل اجتماعية بيّنة، ولا نمو الناتج المحلى أسهم فى خلق فرص عمل تفى بالحد الادنى من مكافحة البطالة.

●●●

قد تفاجئ الحدّةُ التى وصف بها الكاتب محمد حسنين هيكل «مشروع النهضة» بأنه «كلام لا معنى له» جاء ل«استبدال شعار الإسلام هو الحل» الذى فقد بريقه. ولكن قد لا يفاجئ ترحيب البنك الدولى بفوز مرسى بالرئاسة وتجديد إعلان استعداد البنك لإقراض الدولة المصرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.