لأن قطاع البترول فى مصر صندوق أسود مغلق، فإن القلائل فى بلدنا يعلمون فقط أن وزير البترول الأسبق سامح فهمى وبموافقة من الهيئة المصرية العامة للبترول. قد وقعوا اتفاقيات مع شركات بترولية ومع بيوت مالية دولية، تم بمقتضاها بيع ورهن الاحتياطى المصرى من الزيت الخام والذى يخص الأجيال القادمة. هذه الاتفاقيات لم تعرض على مجلس الشعب، وتشكل جريمة فى حق الوطن والشعب، ومن الواجب اليوم على الحكومة أن توقف أى تفكير فى عقد مثيلاتها فى القريب العاجل. ولنبدأ القصة من أولها.. إن عملية رهن أو بيع الاحتياطى النفطى لم تأت اعتباطا أو مصادفة إنما لها خلفية تاريخية ترتبط بالعولمة والليبرالية المتوحشة ونتيجة لاتفاق دول العالم الصناعى والاحتكارات البترولية الدولية على «إجبار» الدول المنتجة للبترول على «بيع» احتياطها المخزون فى باطن الأرض، والذى يعتبر ملكا للأجيال المقبلة.. مقدما. ولنستمع لمقولة السنيور «كاجليارى» رئيس شركة «إينى» الإيطالية للنفط فى هذا الصدد: «إن استقرار صناعة النفط فى العالم، يتطلب التحكم الشامل والكامل فى أبعاد السوق النفطية وطرح التصورات الخلاقة لذلك. وهذا الاستقرار يأتى من اتساع حركة التجارة الدولية فى الاحتياطى البترولى المدفون فى باطن الأرض»! لقد بدأت تلك اللعبة شراء الاحتياطى النفطى المخزون فى باطن الأرض منذ عدة سنوات قريبة، وبهدوء وعلى نطاق ضيق ومن خلال تعتيم إعلامى كامل، وبانتقاء مجموعة محددة من الدول المنتجة للنفط، مثل دولة «نيجيريا» حيث باعت جزءا من احتياطها النفطى بما يساوى 2.5 مليار دولار إلى ثلاث شركات بترولية غربية وهى: أجيب الإيطالية Agip شل الهولندية Shell إلف أكيتان الفرنسية Elf Aquitaine. وأيضا قامت دولة أنجولا ببيع ما يوازى 15% من احتياطى حقولها النفطية إلى شركتين هما: شركة شيفرون الأمريكية Shevron وألف أكيتان الفرنسية. كما باعت المكسيك من احتياطها النفطى ما يوازى بليون دولار لتسوية جزء من مديونياتها، وحذت حذوها كل من الإكوادور وكولومبيا. لقد أطلق على هذه النوعية من الصفقات اسم «ميجا Mega Deals» وبرعت فيها بعض البيوت المالية أشهرها البيت المالى لعائلة «ريخمان Riechman» الكندية. وكان لافتا للنظر، أنه بعد حرب الخليج الأولى فقد تقدمت الاحتكارات البترولية الدولية بخطى ثابتة نحو منطقة الشرق الأوسط، ووجهت رأس الحربة إلى الجزائر، حيث تقدمت شركة توتال، وشركة أجيب بعروض لشراء ما بين 20 و 25 بالمائة من الاحتياطى النفطى الجزائرى، فى مقابل سبعة بلايين دولار، وذلك لتتمكن الحكومة الجزائرية من تسديد جزء من مديونياتها (25 مليار دولار). إن هناك الكثير من الأسرار التى تحوط مثل هذه الصفقات. ويتداخل السياسى مع الاقتصادى مع استراتيجيات الدول الكبرى، مع الفساد الداخلى وتضخم المديونية العامة للدولة المعنية. وبدأ اتجاه جديد بعد أن رسخت هذه النوعية من الصفقات فى التعاملات البترولية الدولية. فكان التحول إلى شراء النفط الاحتياطى الموجود فى باطن الأرض من الدول التى تنتج كميات نطلق عليها عادية، تكفى الاحتياجات المحلية لمعامل التكرير ويتبقى فائض محدود للتصدير وللحصول على قدر من العملات الأجنبية. وكانت (مصر) نموذجا لإحدى الدول التى تنتج كمية محدودة من النفط، فباعت جزءا من احتياطها المخزون فى باطن الأرض. دارت مفاوضات سرية على مدى أشهر عام 2004 بين مسئولين كبار فى وزارة البترول المصرية والهيئة المصرية العامة للبترول، فى القاهرة وفى لندن مع مؤسستين ماليتين من كبريات المؤسسات العالمية فى مجال المال والتمويل والائتمان وهما: مؤسسة مورجان ستانلى Morgan Stanley مؤسسة ميريل لينش Mirrell Linch واعتمدت وزارة البترول المصرية على دعم مصرفى من بنكى مصر والأهلى فى المفاوضات المالية. وفى نهاية المفاوضات وعند الشهر الأخير من عام 2004، زار المهندس/ إبراهيم صالح رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول آنذاك، العاصمة لندن، ووقع مبدئيا على اتفاق بيع جزء من الاحتياطى النفطى على النحو التالى: تدفع مؤسستا مورجان ستانلى وميريل لينش مبلغ مليار ونصف المليار دولار إلى الخزانة العامة المصرية فى مقابل شراء جزء من الاحتياطى النفطى المصرى. تقوم الهيئة المصرية العامة للبترول بتسليم وضمان تسليم 2.5 % من فائض الزيت الخام المصرى المنتج وبعض مشتقاته من المنتجات البترولية. مدة الصفقة 5 سنوات. (تم تجديدها مرة أخرى فيما بعد). وعندما كشف مصدر بترولى نظن أنه يمتلك سلطة قرار عن هذه الصفقة ذاكرا التفاصيل التى ذكرناها آنفا، فإنه اعتبر الصفقة نتاجا للفكر الاقتصادى لقطاع البترول فى البحث عن موارد مالية جديدة وغير تقليدية للحكومة المصرية! وقال المصدر: «سنحصل على قيمة الصفقة مقدما، ونحن نبيع من المنبع، وليس لنا علاقة بطريقة إعادة جمع قيمة الصفقة بمعرفة المؤسستين الماليتين، سواء عبر سندات أو طرح أوراق مالية أخرى فهذا شأنها (؟) ولا علاقة لنا به نهائيا». وهكذا، فانتشار صفقات «الميجا» لبيع الاحتياطى النفطى المخزون فى باطن الأرض، يتحول مع الوقت إلى أمر واقع، حتى إن الدول تقتنع بما هو ليس حقيقيا سواء عن عمد أو عن جهل فتصبح الصفقة (نتاجا لفكر اقتصادى غير تقليدى عن الجانب الذى يبيع الاحتياطى) بل ويعترف البائع بكل حسم بأنه لا يتدخل فى الطريقة التى سيعاد بها بيع النفط مرة أخرى بواسطة المؤسسات المالية التى وقعت على اتفاقية الصفقة... فماذا يعنى ذلك؟ أولا: لا يوجد سعر متفق عليه إنما هناك كمية محددة من براميل النفط مقابل مبلغ مالى. وبذلك سيختلف سعر البرميل عند تسليمه عن وقت بيعه مرة أخرى. وسيحصل حامل الورقة المالية أو السند المالى على الفارق بين السعرين. ثانيا: عدم وضوح الكيفية التى تم بها تقدير الاحتياطى النفطى المصرى وعلى أى أسس، حتى يمكن بعد ذلك تحديد كمية ال2.5% من الاحتياطى النفطى التى سيتم تسليمها إلى المؤسستين الماليتين. وتقضى الاتفاقية بإقراض الحكومة المصرية مبلغ المليار ونصف المليار دولار المتفق عليها ويتم تسليمها إلى وزارة المالية المصرية المشرفة على الخزانة العامة. أما الجديد الذى كشفت عنه الأنباء، دفع الجانب المصرى فائدة قدرها 9%، وعلى أن يتم السداد بحصول مؤسسة مورجان استانلى على كامل إنتاج الشركة العامة للبترول من خام خليط رأس غارب يقدر بنحو 2 مليون طن زيت خام بالإضافة إلى إنتاج شركة جيسوم. وكل هذه العناصر تسمح بعملية «رهن» و«بيع» الاحتياطى الموجود فى باطن الأرض ولعدة سنوات مقبلة، أضيف إليها رهن منتج «النافتا» المصرى المتميز الذى بيع أيضا مقدما. وننتظر إيقاف هذه الجريمة التى تمت فى سنوات الضياع البترولى لمصر.