قبل أسبوعين، تلقيت دعوة كريمة من الدكتور أشرف منصور رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية بالقاهرة لزيارة مدينة «أولم» جنوبألمانيا إحدى قلاع التعليم المتطور حيث انطلقت فكرة الجامعة الألمانية التى تحتفل هذه الأيام بمرور عشر سنوات على إنشائها. ظروف العمل منعتنى من تلبية الدعوة. الوفد الصحفى الذى ذهب وعاد التقى مساء الأربعاء الماضى مع السفير الألمانى بالقاهرة ميشائيل بوك، ودار حوار متشعب فى مقر إقامته بالزمالك، شمل موضوعات متنوعة.
السفير مطلع ويعرف العربية «المكسرة» وعندما سئل ما الذى تغير فى عمله بسبب الثورة؟ قال إنه يعمل الآن أكثر، لأن المجتمع صار حيويا، وقبل 25 يناير كان معظم عمله هو إقامة المآدب لأن المجتمع كان متجمدا.
قال السفير بوك أيضا إنه ليس لدى أوروبا خوف من الإسلام السياسى، لأن «الخوف أكثر الناصحين سوءا»، ورأيه أن الإسلام السياسى حركة أخلاقية وهذا ليس سيئا، لكن المهم هو الأهداف السياسية المختلفة، ومادامت الأغلبية فى مصر قررت إعطاء الثقة لهذا التيار فعلينا أن نتعامل معهم.
السفير بوك يرى أن علاقات بلاده مع مصر مرشحة لمزيد من التعاون، وان نموذجا مثل المدارس ثم الجامعة الألمانية قدم نتائج مفيدة جدا أكثر من أى تطورات سياسية وهو الأمر الذى نجح فيه أشرف منصور كثيرا، فبعد أن حصل على شهادات علمية كثيرة ورفيعة فى ألمانيا عاد لبلاده وأنشأ الجامعة مازجا بين الثقافتين ومقدما لبلاده تجربة ناجحة، وان مثل هذا النموذج يمكن أن يخدم علاقات البلدين بأفضل مما تفعل السفارة.
سألت السفير بوضوح: هل انتهت أزمة مؤسسة «كونراد ادينادور» المتهمة مع منظمات التمويل الدولية، فقال إن المشكلة لم تحل حتى الآن وعلينا أن نتحلى بالصبر، لأننا ندرك ان لدى مصر مشاكل أكثر إلحاحا، مضيفا انها كانت تنظم «سيمنارات» والشريك المصرى هو الذى يحدد أوجه الإنفاق.
ويبدو أن البلدين تجاوزا الأزمة الى حد ما والدليل أن السفير كشف ان عدد السائحين الألمان عاد لمستويات ما قبل الثورة، لكن الوضع الأمنى غير المستقر والهش يظل يمثل عامل تهديد.
أحد الزملاء سأل السفير: لماذا لا يأتى المستثمرون الألمان؟ فرد متسائلا: كيف أقنع مستثمرا ألمانيا للمجئ إلى مصر ،فى حين أن بعض أبنائها المستثمرين يغادرونها، لأن المناخ غير مستقر،، ورغم ذلك قال السفير إنه يعتقد ان فرص الاستثمار جيدة فى مصر، وان هناك مشروعات جاهزة فعلا للتنفيذ بمجرد استقرار الأوضاع.
زميل آخر سأل عن فرص العمل المتاحة للمصريين فى المانيا، فأجاب أن أى شخص مؤهل لديه فرصة، كاشفا عن ان نحو خمس الأطباء ومساعديهم المقيمين فى المستشفيات الالمانية من المصريين.
فى بداية اللقاء كان النقاش ساخنا حول «معايير بولونيا» أى تلك المعايير الموحدة لنظم التعليم فى الاتحاد الأوروبى. السفير بدا متحفظا على تلك المعايير، لأن بلاده لديها نظام تعليمى متقدم جدا، فى حين ان أى نظام موحد يميل من وجهة نظره إلى التسطيح والشمولية ويؤثر على الإبداع والتميز.
ابتسمت فى سرى بعد هذا النقاش، لأن أحد الموضوعات التى تشغل أوروبا الآن هى معايير بولونيا وايهما أفضل تعليميا النظام الألمانى أو البريطانى أو حتى الأمريكى، فى حين ان لدينا بعض النخبة الحاكمة تريد إلغاء تدريس اللغة الإنجليزية والانعزال فى صومعة أو رواق.
وإلى ان تتغير هذه الذهنية فإن المسافة بيننا وبين العالم المتقدم تحتاج سنوات ضوئية لنبلغها.. المهم ان نحاول وألا نيأس أبدا.