لا يحتاج الأمر لتكون عرافا كى تخمن حالة السعادة والانشراح و«الانشكاح» التى يشعر بها قادة الكيان الصهيونى بعد حادث رفح الإجرامى. يمكننا أن نتخيل قادة الموساد وهم يتبادلون الانخاب بعد انتهاء «الجريمة شبه الكاملة» حينما تمكنت مروحية إسرائيلية من تدمير العربة المدرعة المصرية المسروقة وبداخلها القتلة.
تدمير العربة دفن جزءا كبيرا من أسرار العملية الارهابية، لكن ولأن الجريمة الكاملة غير موجودة تقريبا فسوف تثبت الأيام أن الإسرائيليين لم يكونوا بعيدين عن هذه العملية.
هل معنى ذلك أن جهاز الموساد هو الذى نفذ هذه العملية؟!. قبل أن نتهم إسرائيل علينا التأكد أولا من أن بيتنا الداخلى آمن ومستقر وبه حد أدنى من التوافق الوطنى.
عدونا ليس بهذا «العبط» كى يرسل جنوده لتنفيذ العملية مباشرة.
المنفذون قد يكونون مصريين من سيناء أو الصعيد أو مطروح أو الدلتا، وقد يكونون عربا أو حتى أفغان.
هؤلاء هم الذين ضغطوا على الزناد، وأغلب الظن أن أطرافا أكبر مولت وخططت وقبل ذلك تولت عملية غسيل عقولهم لتوصلهم إلى هذه الحالة التى تجعلهم يرتكبون جريمة بمثل هذه البشاعة، كما كان يفعل «الحشاشون «أنصار الحسن الصباح» الإسماعيلى الباطنى» الذى استطاع بدءا من عام 1144 تأسيس الجماعة جنوب غرب بحر قزوين بإيران ودفع الأعضاء لتناول مادة الحشيش ثم أغرقهم فى مباهج الحياة وأقنعهم أن تلك هى الجنة وبعدها يجندهم لقتل معارضيه السياسيين خصوصا ضد السلاجقة والأيوبيين.
قد يكون أعضاء السلفية الجهادية أو أى منظمة أخرى يعتقدون أنهم يطبقون شرع الله عندما يقتلون إخوتهم فى الوطن بهذه الطريقة الخسيسة. والمؤكد أن معظم أعضاء هذه الجماعات لا يدركون أنهم يعملون فعليا لصالح الموساد.
فى السبعينيات انشق صبرى النبا «أبونضال» عن منظمة «فتح» التى كان يرأسها ياسر عرفات وأسس منظمة صغيرة سماها «فتح المجلس الثورى». وبدأ ينفذ عمليات اغتيال كثيرة ضد قادة منظمة التحرير الفلسطينية بحجة أنهم انهزاميون وغير ثوريين، الذين كانوا ينفذون هذه العمليات فلسطينيون أبرياء، كانوا يعتقدون أنهم يعملون لصالح القضية، ولم يكونوا يدركون أن هناك اختراقا إسرائيليا لحركتهم يوجههم إلى اغتيال افضل القادة الفلسطينيين نضالا عن قضيتهم العادلة.
ما فعلته إسرائيل فى السبعينيات تكرره هذه الأيام، الذى تغير فقط أن المنظمات الصغيرة لم تعد قومية أو يسارية، بل صارت إسلامية، يكفيها أن تجند شخصا واحدا فى كل منظمة، يقنع بقية الأعضاء لإطلاق صاروخ من هنا أو من هناك، ويصفق له بعض الأبرياء باعتباره مقاوما، من دون دراسة أو تقدير ما هى الخطورة التالية.
تخيلوا أن مثل هذه المنظمات الصغيرة فى غزة تزايد على «حماس» وصارت تتهمها بأنها انبطاحية وتتعاون مع إسرائيل!!.
البعض يقدر ان إسرائيل جندت خمسين ألف فلسطينى، لكن حتى لو كان العدد ألفا فقط فهو يكفى لإحداث كوارث بلا حصر.
وفى ظل سياسة الأنفاق المفتوحة والغياب الأمنى والرسمى المصرى عن سيناء صارت المنطقة مرتعا لكثيرين وصار هناك تحالف بين أطراف كثيرة من قادة منظمات متطرفة وتجار سلاح مواد مهربة خصوصا المخدرات، وبعض رجال قبائل يربحون الملايين ومثلهم فى الجانب الفلسطينى، وفوق هذا وذاك أجهزة أمن إسرائيلية تشجع هذا الانفلات، الذى يؤدى إلى هدف واحد شعاره: سيناء منطقة من دون سيطرة مصرية.
مرة أخرى وليست أخيرة.. الردع المصرى مطلوب وحاسم، لكن شرط أن يكون فى إطار سياسة قومية شاملة لاستعادة سيناء.. والسؤال: هل لدينا مثل هذه الإستراتيجية.. وإذا كانت موجودة فهل نحن قادرون على تنفيذها؟!.