اعتدت طوال فترة وجودى بعيدا عن أرض مصر أن أجعل نفسى وأفراد أسرتى على تواصل مستمر مع الوطن، حريصا على المشاركة الوجدانية فى كل الأحداث ومتابعة الحياة فى بلدنا الغالى، ومن هذه الأحداث مباريات كرة القدم كمجال للبهجة والمتعة، خاصة المهمة والكبيرة منها، وفى ليلة الأربعاء كان موعد مباراة المصرى والأهلى فى بورسعيد، وهى أحد اللقاءات التى دائما ما تستحق المشاهدة بسبب إثارتها فى الملعب وخارجه، التى عشت تفاصيلها لسنوات أثناء تغطية مباريات الفريقين باستاد بورسعيد منذ عام 94 وحتى عام 2000. لكن هذه الليلة لم تكن مثل كل الليالى التى عرفناها من حيث «السواد» والكآبة التى فاقت كل حدود التصور والعقل، ولأننا قد نرى مبررا لحالات سقوط شباب مصر أثناء ثورة 25 يناير، بين شباب يدافعون عن فكرة التغيير والتطهير، وقوات أمن تدافع عن الوجود وتنفذ الأوامر، ولأن الحدث كان يستحق أن يخلف وراءه الخسائر فى الأرواح والأموال، إلا أنه من الصعب بل من المستحيل أن نجد مبررا واحدا لأن نخسر أكثر من 75 شابا مصريا من أجل مباراة كرة قدم، ودون سبب أو هدف أو دفاع عن معتقد أو فكرة أو حتى «نزوة».
لقد كرهت فى ليلة «الأربعاء الحزين» عادتى التى كنت أصر عليها، وندمت على حرصى بأن تظل زوجتى وأبنائى يجلسون معى لمتابعة المباراة وما تبعها من كوارث لا وصف لها، فقد فشلت فى إيقاف بكاء أفراد أسرتى بالكامل مع الأنباء الحزينة والصور المفزعة القادمة من «أرض الأبطال» فى بورسعيد، كما فشلت فى الرد على أسئلة أطفالى لتبرير ما يحدث.
فمع تصاعد وتيرة الأحداث وتزايد سوء حالتى النفسية سألتنى ابنتى علياء «12 سنة» بابا، هو ليه جماهير بورسعيد دى عملت كده فى جماهير الأهلى؟ مش كلهم مصريين، وكمان هم فازوا عايزين إيه تانى؟ بينما كان سؤال على «9 سنوات»، «بابا هى الكورة ممكن تخلى الناس تموت بعض كده»؟ أنا مش ها لعب كورة بعد كده، أما السؤال الأصعب فكان من عنود «5 سنوات»، التى قالت فى رعب ودهشة وهى تبكى بطريقة غريبة، «بابا هو إحنا كده مش ها نروح مصر تانى»؟!