عندما نتأمل ما جرى خلال العقدين الأخيرين يظهر لنا بوضوح سعى إيران لأن تصبح القوة المهيمنة على الشرق الأوسط. فالقوات الإيرانية متورطة بعمليات تدخّل إقليمية بدءا من لبنان، ووصولا إلى السعودية والعراق وأفغانستان، وهى تريد حاليا أن تُظهر أن قوتها البحرية ليست محدودة فى الخليح الفارسى ومحيطه، بل إن فى استطاعتها أن تصل إلى البحر الأبيض المتوسط أيضا. إن هذه المهمة تفوق كثيرا ما يمكن توقعه من سلاح البحر الإيرانى، ومن المفيد أن نذكر هنا أن هذا السلاح يتألف من سفن قديمة نسبيا من أيام الشاه، ويتوقع قادة هذا السلاح تحديث هذه السفن بواسطة منظومات جديدة للسلاح، ولا سيما الصواريخ البحرية. ووفقا لتقرير استخبارات البحرية الأمريكية فى سنة 2007 ، فإن سلاح البحر الإيرانى يخطط لأن يُظهر قوته خارج مضيق هرمز، ويعمل على إقامة قواعد جديدة له فى خليج عُمان، ستصبح جاهزة فى سنة 2015 . صحيح أنه فى الأعوام الماضية وصلت السفن الإيرانية إلى السودان والصومال، لكنها لم تدخل البحر الأبيض المتوسط، ويمكن أن نضيف إلى ذلك، أن القوة البحرية الثانية لإيران، هى تلك العائدة إلى الحرس الثورى، وهى تتدرب على استخدام القوارب الصغيرة، استعدادا لمواجهة «حرب عصابات بحرية». إن القوة المحدودة لسلاح البحر الإيرانى يدفعنا إلى الاعتقاد بأن إرسال سفينتين لعبور قناة السويس هو لأسباب سياسية لا عسكرية، وهذا أمر تقليدى ومعروف فى الماضى ويسمى «الدبلوماسية البحرية». فما هى الرسالة التى حملتها السفينتان الحربيتان الإيرانيتان؟ قبل شهر من الكن، كانت مصر تقود الدول السنّية العربية مثل السعودية والأردن وتحاول أن تلجم امتداد النفوذ الإيرانى، لكن إيران تلمّح حاليا، إلى رغبتها فى ملء الفراغ الذى نشأ بعد سقوط مبارك، وهى تفعل ذلك بواسطة إرسال سفنها الحربية لعبور القناة لأول مرة. وإذا نظرنا إلى الأحداث من طهران، نجد أن الولاياتالمتحدة تبدو عاجزة عن الدفاع عن حلفائها. فإلى جانب تواصل التظاهرات فى اليمن الذى يواجه ثورة شيعية فى الشمال، فإن احتجاجات الشيعة تستمر فى البحرين، ويبدو أكثر فأكثر أن حلفاء الولاياتالمتحدة فى المنطقة هم فى محنة. إن عبور قوة بحرية إيرانية قناة السويس يحمل رسالة أخرى. فوجهة السفينتين هو مرفأ اللاذقية السورى، وهكذا يبدو أنه فى الوقت الذى تبدو الولاياتالمتحدة عاجزة عن الدفاع عن حلفائها، تلمّح إيران إلى أنها لا تزال حليف سوريا الموثوق به. وتكشف الخطوة الأخيرة لسلاح البحر الإيرانى عن حقيقة استراتيجية ذات إشكالية هى أن إيران تدخل كل مكان تنسحب منه الولاياتالمتحدة.