لم يهتم العلماء المسلمون بمجالات البحث العليمة فقط، ولم تقتصر اكتشافاتهم وابداعاتهم على الطب والفلك والكيمياء والفيزياء والجغرافيا والفلسفة فقط، لكن بعضهم عرف طريقه إلى الموسيقى والفن أيضا، وكان العالم المسلم «الكندى» فنانا بحق، فهو أول من أدخل كلمة «موسيقى» إلى اللغة العربية فأصبحت ضمن مناهج الدراسة العلمية، ثم انتقلت إلى الفارسية والتركية. كما أنه يعتبر موسوعة علمية متحركة فى مجالات عديدة منها الفلسفة، والمنطق، وعلم النفس، والطب، الفلك، والكيمياء، والفيزياء والرياضيات.
ولد أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندى العالم العربى المسلم فى مدينة الكوفة بالعراق عام 805 م وتوفى 873م.
يقول المؤرخون أن الكندى وضع قواعد فن الموسيقى، وأول من دون الموسيقى بالأحرف الأبجدية ويشهد على ذلك السلم الموسيقى الذى دونه فى مخطوطته الموسيقية، وأنه اقترح إضافة الوتر الخامس إلى العود، كما أضاف خمس عشرة اطروحة فى نظرية الموسيقى، لم يبق منها سوى خمسة فقط.
لم يقف الكندى عند هذا الحد بل وضع سلما موسيقيا ما زال يستخدم فى الموسيقى العربية من اثنتى عشرة نغمة، وتفوق على الموسيقيين اليونانيين، كما أنه أدرك التأثير العلاجى والطبى للموسيقى، فقال إن الألحان تؤثر فى الجسم فتساعد على الهضم، و تناول ما يفيد من الأوتار والنغمات للجسم.
ولا يمكننا أن نتجاهل أن الكندى كان أيضا «فيلسوف العرب»، عندما نتحدث عن علم الفلسفة والمنطق، حيث تأثر بفكر فلاسفة المدرسة الأفلاطونية وبأرسطو فى كتاباته الفلسفية، واستطاع أن يربط فكرهم بالعلوم الإسلامية الأخرى وخاصة العلوم الدينية وعمل على تطوير الفلسفة الإسلامية.
وساعد الكندى علماء مسلمين آخرين مثل الفارابى وابن سينا والغزالى، فى الوصول إلى إنجازتهم من خلال ترجمته للعديد من النصوص الفلسفية الهامة، وإدخاله للكثير من المفردات الفلسفية إلى اللغة العربية، ولكن الكثير من أعماله الفلسفية اندثرت، عندما دمّر المغول عددا لا يحصى من الكتب أثناء اجتياحهم بغداد.
ويرجع سبب اهتمام الكندى بالفلسفة، إلى أنه حينما انتقل إلى بغداد حظى بعناية الخليفين المأمون والمعتصم، حيث جعله المأمون مشرفا على بيت الحكمة الذى أنشئ لترجمة النصوص العلمية والفلسفية اليونانية القديمة فى بغداد.
ولم تقف انجازات الكندى عند مجالى الفلسفة والموسيقى فقط، بل امتد إلى الرياضيات، وقد لعب دورا هاما فى إدخال الأرقام الهندية إلى العالم الإسلامى، كما كان رائدا فى تحليل الشفرات، واستنبط أساليب جديدة لاختراق الشفرات باستخدام خبرته الرياضية والطبية، وتم اكتشاف ذلك فى مخطوطة وجدت مؤخرا فى الأرشيف العثمانى فى اسطنبول بعنوان «مخطوط فى فك رسائل التشفير».
كما أنه كتب فى الهندسة عن نظرية التوازى، واستخدم الرياضيات فى الطب فوضع مقياس يسمح للأطباء بقياس فاعلية الدواء.
وفى علم الكيمياء عارض الكندى أفكار علماء الكيمياء القائلة بإمكانية استخراج المعادن الثمينة كالذهب من المعادن الرخيصة فى رسالة سماها «كتاب فى إبطال دعوى من يدعى صنعة الذهب والفضة»، كما أسس الكندى وجابر بن حيان علم صناعة العطور، وأجرى أبحاثا واسعة وتجارب فى الجمع بين روائح النباتات عن طريق تحويلها إلى زيوت.
كتب الكندى مائتين وثمانين كتابا منها اثنان وثلاثون فى الهندسة، واثنان وعشرون فى كل من الفلسفة والطب، وتسع كتب فى المنطق واثنا عشر كتابا فى الفيزياء، أثر بهم فى مجالات العلوم لعدة قرون، عن طريق الترجمات اللاتينية التى ترجمها جيرارد الكريمونى، وبعض المخطوطات العربية الأخرى، أهمها الأربع وعشرون مخطوطة من أعماله المحفوظة فى مكتبة تركية منذ منتصف القرن العشرين.
ومن أشهر هذه الأعمال كتاب «الحث على تعلم الفلسفة»، وكتاب «المدخل إلى صناعة الموسيقى» ورسالة فى «العطر وأنواعه».