فى كل ليلة من ليالى رمضان يجول المسحراتية ليقولوا أولا كلمة ثناء أمام كل منزل يستطيع صاحبه أن يكافئهم، وفى ساعة متأخرة يجولون ليعلنوا وقت السحور. ولكل شارع، أو قسم صغير، فى القاهرة مسحر. ويبدأ المسحر جولاته بعد الغروب بساعتين تقريبا، أى بعيد أداء صلاة العشاء، ممسكا بشماله طبلا صغيرا يسمى بازا أو طبلة المسحر، وبيمينه عصا صغيرة أو سيرا، يضربه به، ويصحبه غلام يحمل قنديلين فى إطار من الجريد ويقفان أمام منزل كل مسلم غير فقير، وفى كل مرة، يضرب المسحر طبله ثلاث مرات. ثم ينشد قائلا: عز من يقول، لا إله إلا الله. ثم يضرب بالطريقة نفسها ويضيف قائلا: محمد الهادى رسول الله. ثم يعود إلى ضرب طبله ويواصل كلامه: وأسعد لياليك، يا فلان، مسميا صاحب المنزل. إذ إنه يستفهم من قبل عن أسماء سكان كل منزل، فيحى كلا منهم، ماعدا النساء، بالطريقة نفسها، فيسمى أخوة سيد المنزل وأولاده وبناته الأبكار، قائلا فى الحالة الأخيرة: أسعد الليالى إلى ست العرايس فلانه، ويضرب طبله بعد كل تحية. وبعد أن يحيى الرجل أو الرجال يقول: ليقبل الله منه صلواته وصيامه وطيباته، ويختم بقوله: الله يحفظك، يا كريم، كل عام. وهو ينشد، أمام منازل العظماء، بعد أن يقول: لا إله إلا الله، محمد الهادى رسول الله، أغنية رواية قصة المعراج وغيرها من قصص المعجزات المماثلة، ضاربا طبله بعد كل قافية. ولا يقف المسحر عل منازل الحزانى. وكان المسحر يتناول على العموم من منزل متوسط الطبقة قرشين أو ثلاثة قروش أو أربعة فى العيد الصغير. ويعطيه البعض مبلغا زهيدا كل ليلة.
قد يتأثر القارئ بما رويت قبلا عن وظيفة المسحر باعتبارها صورة لأخلاق المسلمين، لكنه سيزيد دهشة مما يلى: كثيرا ما كانت تعمد نساء الطبقة المتوسطة إلى وضع نقد صغير خمسة فضة، أو من خمسة فضة إلى قرش، أو أكثر فى ورقة، ويقذفن بها من النافذة إلى المسحر، بعد أن يشعلن الورقة ليرى المسحر مكان سقوطها. فيقرأ الفاتحة بناء على طلبهن أحيانا، أو من تلقاء نفسه، ويروى لهن قصة قصيرة، فى سجع غير موزون، ليسليهن، مثل قصة الضرتين. وهى قصة مشاجرة امرأتين متزوجين رجلا واحدا. وبعض ما كان يرويه فى هذه المناسبات بذىء. ويستمع إليه مع ذلك النساء فى المنازل الحسنة السمعة. وهو أمر يدل على شدة التناقض والتقلب فى الخلق.