تكشف حياة العالم المسلم ابن سينا، كيف اهتم المسلمون الأوائل والأواسط بتلقى أبنائهم العلم منذ الصغر، ليصيروا علماء كبارا ينفعوا أمتهم والبشرية كلها باكتشافات مازالت مهمة حتى عصرنا هذا، فابن سينا بدأ فى تلقى العلم وهو صغير لم يتعد عمره أصابع اليدين، على يد عالم متخصص فى علوم الفلسفة والمنطق اسمه «أبو عبدالله النائلى»، كان والد ابن سينا يستضيفه فى بلدة بخارى. وقد تفرغ النائلى لتعليم الطفل، فدرس له دروسا من كتاب المدخل إلى علم المنطق المعروف باسم «إيساغوجى»، ليبدأ ابن سينا طريقه مع العلم، فى رحلة مليئة بالاكتشافات والإبداعات. وقد أدهش الطفل الصغير معمله بإجابات صائبة على أسئلة منطقية محورية، لا تكاد تخطر على بال المعلم نفسه.
وظهر نبوغ ابن سينا منذ كان فى الثامنة عشرة من علمه، عندما عالج السلطان نوح بن منصور السامانى، الذى ضمه إلى البلاط السلطانى، وأخضع مكتبة القصر تحت تصرفه.
وقد ولد ابن سينا فى قرية افشنا القريبة من بخارى من أب بلخي، ووالده من أتباع الحركة الباطنية، كما ذكر ابن سينا.. وقد كان يحضر اجتماعاتها السرية ويعقد بعضها فى بيته. وكان ابن سينا مهتما بها ومواظبا على حضورها، قبل أن يرحل إلى مدينة بخارى وهناك التحق ببلاط السلطان نوح بن منصور السامانى، الذى اسند إليه متابعة الأعمال المالية للسلطان.
فى بخارى بدأ ابن سينا رحلة تلقى العلوم، حفظ القرآن وعمره لم يتجاوز العاشرة ثم تلقى علوم الفقه والأدب والفلسفة والطب.
وكان ابن سينا محبا للترحال لطلب العلم، رحل إلى خوارزم وهناك مكث عشر سنوات ثم تنقل بين البلاد ثم ارتحل إلى همدان وهناك مكث تسع سنوات ثم توفى هناك.
يدعى مخالفوه أنه كان يقول بنفس المبادئ التى يدعون أن الفارابى من قبله نادى بها بأن العالم قديم أزلى وغير مخلوق، وأن الله يعلم الكليات لا الجزئيات، ونفى أن الأجسام تقوم مع الأرواح فى يوم القيامة.
وتعريف ابن سينا للنفس بأنها كمال أول لجسم طبيعى إلى ذى حياة بالقوة أى من جهة ما يتولد (وهذا مبدأ القوة المولدة) ويربو (وهذا مبدأ القوة المنمية) ويتغذى (وهذا مبدأ القوة الغاذية) وذلك كله ما يسميه بالنفس النباتية.
وله العديد من المؤلفات فى العلوم النظرية وتشتمل على كتب العلم الكلى، والعلم الإلهى، والعلم الرياضى، والطب النفسى، وفى العلوم العملية وتشتمل على كتب الأخلاق، وتدبير المنزل، وتدبير المدينة، والتشريع.
ولابن سينا كتاب نفيس فى الطب هو «القانون»، جمع فيه ما عرفه الطب القديم وما ابتكره هو من نظريات واكتشفه من أمراض، وقد جمع فيه أكثر من سبعمائة وستين عقارا مع أسماء النباتات التى تستحضر منها العقاقير.
بحث ابن سينا فى أمراض شتى أهمها السكتة الدماغية، التهاب السحايا والشلل العضوى، والشلل الناجم عن إصابة مركز فى الدماغ، وعدوى السل الرئوى، وانتقال الأمراض التناسلية، والشذوذ فى تصرفات الإنسان والجهاز الهضمى. وميز مغص الكلى عن مغص المثانة وكيفية استخراج الحصاة منهما كما ميز التهاب البلورة (غشاء الرئة) والتهاب السحايا الحاد من التهاب السحايا الثانوى.
ومن أقوال العلماء حوله.. ماقاله البروفيسور جورج سارطون «ابن سينا أعظم علماء الإسلام ومن أشهر مشاهير العالميين»، ويقول البروفيسور سارطون أيضا «إن فكر ابن سينا يمثل المثل الأعلى للفلسفة فى القرون الوسطى».
أما السير وليام أوسلر فيقول عن كتاب القانون لابن سينا «إنه كان الإنجيل الطبى لأطول فترة من الزمن»، بينما يمدح العالم الغربى أوبرفيك ابن سينا قائلا «ولقد كانت قيمته قيمة مفكر ملأ عصره... وكان من كبار عظماء الإنسانية على الإطلاق».
ومن أقواله «المستعد للشىء تكفيه أضعف أسبابه، والوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء، احذروا البطنة، فإن أكثر العلل إنما تتولد من فضول الطعام، العقل البشرى قوة من قوى النفس لا يستهان بها».