على ضوء خافت وسط ظلام المسرح الكثيف، تجلت ريم بنا بطولها الفارع فى ملابس داكنة، وانطلق صوتها الهادر العفى بدون مصاحبة موسيقية لتبدأ حفلها الموسيقى بمسرح الجنينة بحديقة الأزهر أمس الأول بتهليلة فلسطينية «يا ليل ما أطولك». الليلة تعود ابنة مدينة الناصرة الفلسطينية لتطل على مسرح «الفن ميدان» فى عابدين، لتواصل الغناء معتمدة على الجرس الموسيقى الكامن فى صوتها.
يا ليل ما أطولك مشيتنى حافى
يا ليل ما اثقلك هديت لى كتافى
يستدعى صوتها وحده موسيقى الآذان وشجن الموال الشعبى وخشونة موسيقى الغجر التى تفيض عذوبة. تغنى ريم فى ليلة قاهرية حارة، فتستدعى نسمات الهواء الخجولة التى أبت أن تفسد رحلتها الطويلة المضنية من الأراضى المحتلة إلى «أم الدنيا» كما تصف هى مصر، مستحسنة تفاعل الجمهور معها وترديده اللازمات الموسيقية والفلسطينية معها عن ظهر قلب.
تأخر الحفل قليلا بسبب التزاحم الشديد على المسرح رغم إعلان نفاد التذاكر قبل أيام سابقة، وقدمته بسمة الحسينى مديرة مؤسسة المورد الثقافى المنظمة للمهرجان الرمضانى «حى» للسنة الرابعة، والتى ذكرت باعتزاز أنها المرة الثانية التى تزور فيها ريم بنا مصر فى إطار المهرجان، مشيرة إلى الطابع الفنى الذى يميزها والذى يعتمد على أغنيات التراث الفلسطينى، تود أن تحمل لنا هذا التراث الغنى، وأن تحملنا إلى فلسطين المحاصرة، كما تقول هى فى بداية الحفل.
يا مين يجيب الدوا؟
قلت الدوا غالى
فارس يجيب الدوا
وسهيل يداوينا
على مدى 90 دقيقة لم تخفت للحظة الكاريزما التى تتمتع بها الفنانة صاحبة الألبوم الشهير «مرايا الروح»، حيث انضم إليها فريقها الموسيقى المكون من ثلاثة عازفين يتصدرهم زوجها عازف الجيتار الأوكرانى ليونيد ألكسيينكو.
لا تحسِبوا طالت الغربة
يا يما ونسيناكو
كل ما طالت الغربة
يا يما تذكّرناكم
هنا أغنية «أمسى المسا» ترفعها على حد تعبيرها إلى كل اللاجئين الفلسطينيين، وهنا أغنية «سارة» عن الطفلة ذات العامين التى ماتت برصاص قناصة اسرائيلى، تهديها لأرواح الشهداء، بينما تهدى الحفل كاملا للثورات العربية خاصة الثورة المصرية.
تنقب ريم فى التراث الفلسطينى وتحمله «خفيفا» على ظهرها، تتعامل معه بروح معاصرة وهى الملحنة التى درست فى المعهد العالى للموسيقى فى موسكو، تغنى «لاح القمر» أو «مالك» فيحار المستمع مع حداثة الألحان وسرعتها المحببة إن كانت تنتمى للتراث، لكنه التراث الحى الذى يجعلك تستمع إلى أغنية للأطفال مثل «ستى العرجة» أو أغنية شعبية معروفة «مشعل»، فتستحضر عبر اللحن والصوت فقط، أصوات الأحياء الشعبية وأحاديث الأماسى وهمهمات الناس وغمزات النساء حول شخصية الفتى المحبوب «مشعل»:
عالأوف مشعل أوف مشعلانى
دربك سفرجل والحصى رمانى
عليش تقتلنى وقدّى قدّك
يا بو ثلاث شامات على خدك
ولا تنسى الفنانة فى نهاية الحفل أن تدعو جمهورها خاصة هؤلاء الذى تكبدوا عناء المجىء ولم يحظوا بأماكن فى الحفل إلى لقاء آخر مساء اليوم السبت 4 أغسطس فى إطار «الفن ميدان» بميدان عابدين.