قد يحتمل الإنسان غياب الطعام لأيام عديدة لكن الماء هو مشكلته الأولى خاصة فى أيام تتعدى فيها درجات الحرارة الأربعين درجة كما يحدث الآن. المعروف أيضا أن الصيام رغم فوائده العديدة لجسم القادر منا إلا أن أثره يختلف من إنسان لآخر. يعتبر الجسم نفسه أنه فى حالة مجاعة حينما يبدأ الإنسان الصيام. تستعد كل الأجهزة لاكتناز الطاقة. يخفض الجسم معدلات استهلاكه للطاقة بقدر عشرة فى المائة على أقل تقدير من معدلاته الطبيعية لمواجهة احتمالات الخطر القادم. تحاول كل أعضاء الجسم الاحتفاظ بمدخراتها من الدهون لاستبدالها وقت الحاجة والتصرف فيها بحكمة.
يصوم الإنسان نهاره ممسكا عن الطعام والماء إلى أن يعلو أذان المغرب فيبدأ فى تعويض حرمانه بكل الطرق المتاحة وألوان الطعام التى تحمل رائحة الدسم كعلامة مميزة لعلو قامة مطابخ العائلات وعراقتها.
تدور ألوان الحلوى الغارقة فى الشراب وتتعدد أنواع المكسرات ويتبعها الشاى والقهوة والمشروبات الغازية وسيل منهمر من مسلسلات رمضان التى تقعد العائلة بلا حراك أمام التليفزيون.
عادات حرصنا عليها وإن أهلكتنا واعتبرناها ميراثا يجب الحفاظ عليه فهل نتراجع هذا العام ولو قليلا فنسقط ولو بعضا منها بحثا عن نظام غذائى صحى يتيح لنا صوما يحقق الفائدة بدلا من الضرر؟
من العادات الصحية غذائيا أن يبدأ الصائم إفطاره بتمرة فالتمر مصدر للطاقة السهلة لسكر الجلوكوز الذى يعبر بسرعة للدم ليصل إلى الأعضاء الحيوية دائمة العمل مثل القلب والمخ. كما أن التمر يكسر الرغبة فى الإقبال بسرعة على الطعام يمكن للصائم أن يلحق بصلاة المغرب فى الفترة التى تستعد فيها المعدة لاستقبال الطعام الذى يحسن أن يبدأ بطبق من الحساء المفيد كالخضار أو الطماطم أو الخرشوف دون إضافات كالكريمة أو الدقيق.
فى الصيام راحة للجهاز الهضمى والأمعاء فهو بمثابة الإجازة التى ترمم فيها المعدة ما أصاب خلاياها من تلف وتعيد ترشيد نسبة الحموضة فى عصارتها المعدية وتقوم الأمعاء أيضا بتجديد خلاياها وتوفر لها الطاقة التى تتيح لها حركة أكثر نشاطا.
مباغتة المعدة والأمعاء بكميات من الطعام غير محسوبة تربكها ومعها يرتبك عمل الكبد والبنكرياس فتبدأ أعراض عسر الهضم وألم المعدة ومعاناة القولون لذا فالأفضل دائما الاعتدال فى سرعة تناول الطعام وقدره، الأمر الذى يتيح للجهاز الهضمى أن يعمل بكفاءة.
تناول اللحوم بكثرة على حساب الخضراوات والفواكه الطازجة أمر له أخطاره.
اللحوم بروتينات هضمها وتمثيلها غذائيا ينتج عنه مركبات خطرة قد لا يمكن التخلص منها بسهولة. بينما الخضراوات والفاكهة تحتوى العديد من الفيتامينات والمعادن إلى جانب احتوائها على الألياف النباتية التى تساهم فى دعم حركة الأمعاء وبالتالى هضم الطعام وامتصاص مكوناته ودفع العضلات خارج الجسم.
تناول المشروبات الغازية يرفع نسبة الصوديوم فى الجسم وبالتالى تخزين الماء فى خلاياه مما يزيد الوزن إلى جانب أثره على ارتفاع ضغط الدم فى الشرايين.
شرب الماء بكثرة أثناء الطعام وبعده يزيد من حجم المعدة فيشعر الإنسان بالجوع بعد انتهائه من طعامه بفترة وجيزة بينما شرب الماء قبل الطعام يعاون فى حرق 20 سعرا حراريا فى كل مرة.
تناول الحلويات مباشرة بعد الإفطار يؤدى إلى ارتفاع مستوى السكر فى الدم الأمر الذى يستدعى الحاجة للسكر فى دائرة مفرغة الأمر الذى معه يزيد الوزن.
يصوم الناس عن الرياضة فى رمضان. خاصة المشى بعد الإفطار بساعتين فيها النجاة من أثر رد فعل الصيام على الجسم. هى بلا شك تساهم فى حرق الطاقة واستنفادها بدلا من إدخارها فى صورة دهون لا تعنى أى عضو من أعضاء الإنسان الداخلية.
قد يتصور الإنسان أن شرب كميات كبيرة من الماء وقت السحور قد يحميه من العطش أثناء النهار. الواقع أن الجسم يحتجز ما يكفيه ويتخلص من الزائد. لذا من الأفضل أن يتناول الصائم جرعات صغيرة متقاربة طوال فترة السماح من المغرب للفجر.
تناول الخضراوات الطازجة والفاكهة فى السحور يمثل رصيدا من الماء يقيه العطش. خاصة الفواكه مثل الشمام والبطيخ ومن الخضراوات الخيار الذى يروى الظمأ بصورة تفوق الماء ذاته.
قد يفيد أيضا تفادى الملح فى السلطة واستبداله بالخل والليمون.
السوائل المحلاة بالسكر لها ذات تأثير المخللات فى أنها تزيد من الإحساس بالعطش لذا يجب مراعاة شرب الماء النقى بلا إضافات كما أن الشاى أو القهوة يعملان كمدرات للبول لذا يجب التقليل منهما متى كان ذلك ممكنا.
الصيام يزيد من حدة نقص السكر فى الجسم أثناء النهار لذا يجب مراعاة أن تتضمن وجبة السحور بعضا من مصادر الألياف الغذائية التى تحتفظ بها الأمعاء لفترة طويلة والسكريات المعقدة والنشويات التى يتم امتصاصها من الدم ببطء مما يضمن ثبات مستوى السكر الأمر الذى يحفظ على الإنسان طاقته بدلا من تذبذب مستواه الذى يعلن عن نفسه بمظاهر نقص السكر كالهبوط المفاجئ والصداع وعدم القدرة على التركيز والتعرق المستمر وربما زيادته أيضا كالصداع والإحساس بالرعشة وجفاف الحلق والتوتر.
الفول مع الزبادى فى السحور ثنائى يحافظ على مستوى الطاقة ويقى الجوع والعطش.
هبوط الضغط لدى البعض نتيجة لشدة إفراز العرق علاجه مزيد من الماء وبعض الملح فى صورة مخللات أو إضافة مزيد من الملح للطعام. محلول الجفاف أيضا.
اثنان إلى ثلاثة لترات من الماء البارد غير المثلج تحفظ للإنسان طاقته وتدعم حركة دموية نشطة تقابل مشقة الصيام بما يخفف من قسوتها.
شهر رمضان الكريم فرصة مواتية لمن يرغب بصدق فى الخلاص من آثار عادة التدخين السيئة.
الاستسلام للرغبة فى التدخين هزيمة للحياة فقد ثبت بما لا يقبل الشك أنه السبب الأول لسرطان الرئة. حينما تطرد الهواء النقى من رئتيك ليملؤها الدخان فإنك كالذى يعبئها بالتراب فهل تتوقع إلا الاختناق بين ضلوعك؟
رمضان كريم وكل عام والعالم كله بخير. صوما مقبولا إن شاء الله.