سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«بطارقية الإسكندرية» التى لم تنم بحثا عن بقايا الأهل تحت الأنقاض محمد فقد خمسة من أسرته.. وسلوى ذهبت تشترى مستلزمات منزلية وعادت لتتعرف على جثمان شقيقتها
ليلة ثانية لم ينم فيها أحد، الثوانى فارقة فى الصراع بين انتشال عزيز حى من تحت الأنقاض أو فقدانه للأبد، بكاء الأهل وأنين الجرحى، هو الصوت السائد فى حارة البطارقية الضيقة التى تحتوى ركام البيوت المنهارة بالإسكندرية، بعدما ارتفع عدد الضحايا إلى 20 ضحية. ومع كل جثمان يخرج تتردد عبارة: «كان عندى أمل إنهم هيخرجوا أحياء، لكن ميغلوش على اللى خلقهم، منه لله رئيس حى الجمرك وصاحب العمارة المفترى»، أما محمد، شقيق منى، 40 عاما، التى استخرجوا جثمانها مع قريبتها أسماء، 35 عاما، وابنتها أمل، 12 عاما، وحماتها فاطمة، 65 عاما، وإحسان، 74 عاما، أمس من أسفل أنقاض العقار 51، فأضاف: «ضيعوا 4 أرواح بسبب الجشع والطمع وغياب المسئولين».
وتابع: «لم أصدق نفسى ولم أستطع الوقوف على قدمى حينما خرجت جثامين شقيقتى ونجلتها وحماتها وخالتها وابنتها، وسقطت فى حالة إغماء من شدة وهول الصدمة حيث راحت أسرتى وعائلتى، وأصبح علينا أن نقيم سرادق عزاء ل5 فى ليلة واحدة، منهم أمل، 12 عاما، التى كانت تحلم بأن تكون طبيبة حين تكبر».
وأضاف: «من يدفع ثمن حلم تلك الطفلة البريئة التى ضاعت تحت كومة من التراب؟، ليس فقط، بل إن وجهها الملائكى وهى جثة هامدة ووجهها ملوث بالدماء والكسور وملابسها ممزقة وشعرها الطويل يحمل اللون الأبيض من التراب، هل يرضى مسئول أن يرى ابنته فى مثل هذا الموقف؟».
وأشار محمد إلى أن العقار تم بناؤه فى شهر وأن رئيس الحى يعلم ببنائه بدون ترخيص ولا إجراءات لتدفن جثث الأبرياء، مرددا: «حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل المسئولين معدومى الضمير والرحمة والإنسانية».
عندما قال رجال الحماية المدنية، هذه جثة تبدو لسيدة عجوز، انطلق أحمد، 38 عاما موظف، صارخا يبكى: «أمى.. أمى.. وبنتى»، ليجيبه الضابط: «اهدأ ثوان وستتعرف عليهما داخل سيارة الإسعاف»، وحين وصل إلى السيارة وجد جثتى أمه سعدة عبدالنبى، 65 عاما، ربة منزل، والتى كانت موجودة بالعقار برفقة حفيدتها هدير محمد بدر، 10 سنوات.
وقال: «كانت زوجتى تزور أمها، أما ابنتى وأمى فكانتا بالمنزل، وأمى تجهز لنا الغداء كعادتها، وهدير تجلس معها، وعلمت بالخبر من أحد جيرانى الذى خرج 5 من أهله جثثا وأشلاء من تحت الأنقاض».
وأكد أن أساسات العقار غير سليمة ومضروبة، لأنها لم تتحمل وسقطت جميعها فى لحظات، مؤكدا أن غياب المسئولين وخصوصا رئيس حى الجمرك الذى يتكاسل هو وموظفوه واتهمهم بأنهم يحصلون على الرشاوى فى سبيل إصدار التراخيص وفى النهاية «تقع البيوت على رءوس الناس الغلابة.. اللى زينا.. اللى هما مش سكان كفر عبده ولا رشدى».
وأمام أنقاض العقار رقم 50 كانت تقف سلوى، ربة منزل، تصرخ حين شاهدت جثة شقيقتها إيمان محمود على، 35 عاما، والتى كانت موجودة داخل العقار حين وقت الانهيار، وقالت: «إنها كانت مريضة بالسكر ولا تحب الخروج حتى لا تتعب، وفى اليوم الموعود خرجت منذ الصباح ذاهبة إلى منطقة المنشية لكى أشترى بعد الأشياء والمستلزمات الخاصة بالمنزل وعلاج أختى وتأخرت كثيرا بسبب الزحام الشديد الذى تعانيه المنطقة، وسمعت من الناس داخل السوق أن البيوت الموجودة بحارة البطارية انهارت وناس كثير ماتوا، فألقيت بالأشياء التى فى يدى وجريت سريعا إلى الحارة وبالفعل كان الخبر المشئوم الذى سمعته كان صحيحا».
وعندما وصلت وجدت الشرطة تطوق المنطقة ووجدت منزلها رقم 50 بذات الحارة عبارة عن كومة تراب وسحابة بيضاء تغطى سماء المنطقة من جراء الانهيار، «لحظتها أيقنت أن شقيقتى ومثلى الأعلى وقدوتى فى الدين ماتت وأصبحت وحيدة بعد أن تركتنا أمنا وماتت من منذ عامين»، تابعت سلوى: «بعد 19 ساعة من الانهيار أخرجتها قوات الحماية المدنية ونادونى للتعرف عليها تسمرت قدمى وأغمضت عيونى وتمنيت ألا تكون هى وحاولت تكذيب نفسى».
«حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل، أشوف فيكم يوم يا ظالمين»، هكذا ردد الحاج محمد عبد النبى، بالمعاش، وخال إيمان إبراهيم، 22 عاما، إحدى اللائى لقين حتفهن تحت الأنقاض، وقال: «جاء لى الخبر المشئوم عن طريق مكالمة تليفونية، فلم أصدق فى البداية وظننت أنها مزحة من أحد ولكنى فوجئت بعد ذلك بجيرانى يخبرونى بالخبر، فخرجت من البيت كالمجنون لا أرى أحدا أمامى وكل همى أن أجد ابنة أختى على قيد الحياة، وحين وصلت وجدت المبنى المكون من 3 طوابق مهدوما، لحظتها لم أشعر بقدمى وأيقنت أن بنتى لقيت وجه الكريم، وكنت أحاول تكذيب هذا الشعور، لكن ما باليد حيلة وقضاء ربنا مافيهوش كلام».