تنسيق الثانوية العامة 2025 ..شروط التنسيق الداخلي لكلية الآداب جامعة عين شمس    فلكيًا.. موعد إجازة المولد النبوي 2025 في مصر و10 أيام عطلة للموظفين في أغسطس    رسميًا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 1 أغسطس 2025    5 أجهزة كهربائية تتسبب في زيادة استهلاك الكهرباء خلال الصيف.. تعرف عليها    أمازون تسجل نتائج قوية في الربع الثاني وتتوقع مبيعات متواصلة رغم الرسوم    إس إن أوتوموتيف تستحوذ على 3 وكالات للسيارات الصينية في مصر    حظر الأسلحة وتدابير إضافية.. الحكومة السلوفينية تصفع إسرائيل بقرارات نارية (تفاصيل)    ترامب: لا أرى نتائج في غزة.. وما يحدث مفجع وعار    الاتحاد الأوروبى يتوقع "التزامات جمركية" من الولايات المتحدة اليوم الجمعة    باختصار.. أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. مستندات المؤامرة.. الإخوان حصلوا على تصريح من دولة الاحتلال للتظاهر ضد مصر.. ومشرعون ديمقراطيون: شركات أمنية أمريكية متورطة فى قتل أهل غزة    مجلس أمناء الحوار الوطنى: "إخوان تل أبيب" متحالفون مع الاحتلال    حماس تدعو لتصعيد الحراك العالمي ضد إبادة وتجويع غزة    كتائب القسام: تدمير دبابة ميركافا لجيش الاحتلال شمال جباليا    عرضان يهددان نجم الأهلي بالرحيل.. إعلامي يكشف التفاصيل    لوهافر عن التعاقد مع نجم الأهلي: «نعاني من أزمة مالية»    محمد إسماعيل يتألق والجزيرى يسجل.. كواليس ودية الزمالك وغزل المحلة    النصر يطير إلى البرتغال بقيادة رونالدو وفيليكس    الدوري الإسباني يرفض تأجيل مباراة ريال مدريد أوساسونا    المصري يفوز على هلال الرياضي التونسي وديًا    انخفاض درجات الحرارة ورياح.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    عملت في منزل عصام الحضري.. 14 معلومة عن البلوجر «أم مكة» بعد القبض عليها    بعد التصالح وسداد المبالغ المالية.. إخلاء سبيل المتهمين في قضية فساد وزارة التموين    حبس المتهم بطعن زوجته داخل المحكمة بسبب قضية خلع في الإسكندرية    ضياء رشوان: إسرائيل ترتكب جرائم حرب والمتظاهرون ضد مصر جزء من مخطط خبيث    عمرو مهدي: أحببت تجسيد شخصية ألب أرسلان رغم كونها ضيف شرف فى "الحشاشين"    عضو اللجنة العليا بالمهرجان القومي للمسرح يهاجم محيي إسماعيل: احترمناك فأسأت    محيي إسماعيل: تكريم المهرجان القومي للمسرح معجبنيش.. لازم أخذ فلوس وجائزة تشبه الأوسكار    مي فاروق تطرح "أنا اللي مشيت" على "يوتيوب" (فيديو)    تكريم أوائل الشهادات العامة والأزهرية والفنية في بني سويف تقديرا لتفوقهم    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    الزمالك يهزم غزل المحلة 2-1 استعدادًا لانطلاقة بطولة الدوري    اصطدام قطار برصيف محطة السنطة وتوقف حركة القطارات    موندو ديبورتيفو: نيكولاس جاكسون مرشح للانتقال إلى برشلونة    مجلس الشيوخ 2025.. "الوطنية للانتخابات": الاقتراع في دول النزاعات كالسودان سيبدأ من التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء    «إيجاس» توقع مع «إيني» و«بي بي» اتفاقية حفر بئر استكشافي بالبحر المتوسط    مجلس الوزراء : السندات المصرية فى الأسواق الدولية تحقق أداء جيدا    فتح باب التقدم للوظائف الإشرافية بتعليم المنيا    رئيس جامعة بنها يصدر عددًا من القرارات والتكليفات الجديدة    أحمد كريمة يحسم الجدل: "القايمة" ليست حرامًا.. والخطأ في تحويلها إلى سجن للزوج    فوائد شرب القرفة قبل النوم.. عادات بسيطة لصحة أفضل    متى يتناول الرضيع شوربة الخضار؟    تكريم ذوي الهمم بالصلعا في سوهاج.. مصحف ناطق و3 رحلات عمرة (صور)    حركة فتح ل"إكسترا نيوز": ندرك دور مصر المركزى فى المنطقة وليس فقط تجاه القضية الفلسطينية    أمين الفتوى يوضح أسباب إهمال الطفل للصلاة وسبل العلاج    الداخلية: مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة خلال مداهمة أمنية بالطالبية    الإفتاء توضح كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر    الشيخ خالد الجندى: من يرحم زوجته أو زوجها فى الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير الخارجية الفرنسي: منظومة مساعدات مؤسسة غزة الإنسانية مخزية    ممر شرفى لوداع لوكيل وزارة الصحة بالشرقية السابق    رئيس جامعة بنها يشهد المؤتمر الطلابي الثالث لكلية الطب البشرى    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليائسون يروون حكاياتهم.. رسائل من ناس عيشتها ضيقة إلى الرئيس

عندما كنا نخطو خطواتنا الأولى فى مدينة أبشواى بالفيوم كان هناك توك توك يسابق عربات النقل لكى يستطيع أن يحافظ على بقائه فى تلك البقعة الضيقة من الشارع الرئيسى فى المدينة الذى لا يتجاوز اتساعه عدة أمتار. وقد كتب صاحبه على ظهره «الدنيا مصالح». تصورنا أننا وجدنا سر تصويت الناس فى انتخابات الرئيس. وقتها لم نكن نعرف من صاحب النصيب فى كرسى الحكم. أخيرا اكتشفنا المعادلة. الناس تصوت فى الانتخابات طبقا للمصالح. هكذا تصورنا أننا وصلنا للمعادلة الصحيحة. ولكن يبدو أن لليائسين منطقا آخر فى الانتخابات. لليائس حكمة فى اختياره. وكلمة السر لدى اليائس هى الجوع. فى الفيوم قال فراش المدرسة الابتدائية «اخترت محمد مرسى لأن 4 سنوات جوع تانى، من ضمن 30 سنة مش كتير.. حيعدوا». وفى سرس الليان بالمنوفية قالت تلك السيدة المنتقبة التى تجلس فيما يشبه الكشك تبيع منظفات منزلية بالقطاعى «اخترت أحمد شفيق لأن الجعان اللى عيشته ضيقة، عمر ما حد يقدر ياخد منه حاجة. حنخاف من إيه؟». هنا تأكدنا أن حوار اليائس ليس كغيره من الناس، ففيه الكثير الذى يستحق البحث عنه. هذه هى رسائلهم التى أرسلوا بها ولا ينتظرون رجاء من أحد. إنه اليأس. لا يقلقهم المزيد من سنوات الجوع، ولا يخشون من أن يسرق أحد لقمتهم. خاصة إذا كانت هذه اللقمة يصرف عليها «المنوفى» فى المتوسط أربعة جنيهات ونصف الجنيه فى اليوم، وتكلف «الفيومى» فى المتوسط ثلاثة جنيهات ونصف الجنيه يوميا.


قبل يومين من حصول محمد مرسى على لقب الرئيس ذهبنا إلى محافظتى الفيوم والمنوفية. فى الأولى حيث استحوذ الرئيس الحالى على أكثر من ثلاثة أرباع أصوات أهل المحافظة، وهى من أعلى النسب التى حصل عليها فى جميع المحافظات. وإلى المنوفية حيث خسر فيها الرئيس تقريبا نفس نسبة الأصوات، والتى ذهبت لصالح منافسه أحمد شفيق.. فى الفيوم كانت الثورة حاضرة على ألسنة بعض من أهلها، وفى المنوفية لم يأت أحد على ذكرها إلا فيما ندر. لم يخف أغلب المنايفة تحيزهم لأحمد شفيق، وتصويتهم لصالحه. ولم يختلفوا كثيرا فى أسباب ذلك التصويت الإيجابى.


ففى مدينة الباجور، حيث حصل «الفريق» على أعلى نسبة، مقارنة بباقى المحافظة كانت رائحة أنصار رجل الحزب الوطنى الأقوى كمال الشاذلى حاضرة بقوة. وعلى العكس تماما مما يحدث فى شوارع القاهرة، حيث يندر أن تجد لوحة تحمل اسما أو صورة تمت بصلة لنظام مبارك، إلا وهناك من شطب عليها، بدت الباجور مسقط رأس محرك المعارك الانتخابية لمجلس الشعب على مدى عقود، مغايرة تماما. حيث لا تزال بعض مقاهيها الشهيرة تحمل صور لمبارك، دون أن تمسسها يد التخريب. وليس من الصعب تفسير ذلك، لأنه بمجرد النظر لصورة من يجاوره فى ذات اللوحة، وهو رجل المنوفية الأول كمال الشاذلى. فصاحب مقعد البرلمان الذى لم ينازعه فيه أحد، استطاع من خلال نفوذه ان يقدم بعض الخدمات العامة، كرصف وتجميل بعض الطرق، أو خاصة كتوفير الوظائف لبعض المتعطلين. وهو ما جعل أهل الباجور يعتبرون أن تميزهم بتلك الخدمات، يستوجب الولاء لنظام مبارك، مفضلين توجيه بعض الانتقادات لشخص مبارك دون نظامه. ذلك النظام الذى مازال عقده الاجتماعى غير المعلن ساريا، حتى بعد الثورة. فتات من الخدمات الاجتماعية مقابل ولاء سياسى. هكذا بدا الأمر فى حديث الجالسين على المقهى حول الانتخابات الرئاسية قبل صدور النتيجة.

ولا يبدو تأثير تلك الخدمات التى يتحدث بها صاحب المقهى واضحا، إلا فى حدود ضيقة، خاصة أن نسبة البطالة فى المنوفية بين الشباب المتعلم وصلت إلى 42%. وهذا معناه أن رجل المنوفية الأول كان يوفر فرص عمل لعدد محدود من أبناء المنايفة. أو على الأقل كان يوفر فرص عمل هامشية بدليل ان البطالة بين الأميين لم تتجاوز 12%. وربما كانت اللافتة التى تملا كثيرا من الشوارع، معلنة عن فرص عمل فى الخارج «سافروا معنا إلى ليبيا» تعبر عن توافر طلب كبير للسفر إلى الخارج، للبحث عن رزق، بعد أن ضاقت مصادره فى تلك المحافظة. «المنوفية فيها متعلمين كتير، ولكن مساحتها ضيقة على أهلها. لذلك مصادر الرزق هى الأخرى ضيقة»، يقول موسى عبدالفتاح صاحب المقهى الذى يعتز كثيرا بأنه من رجال كمال الشاذلى. «المنوفية كلها انتخبت أحمد شفيق. مفيش غير الأغراب الذين يعيشون وسطنا اللى انتخبوا مرسى. نحن لا نثق فى الإخوان. ولما كنت بسأل كمال بك الشاذلى ليه ما بتنجحوش حد من الإخوان فى مجلس الشعب، كان بيقول لى دول لو نجحوا يخربوا البلد»، تبعا لصاحب المقهى.

وليس ببعيد عن مكان المقهى تجلس عزيزة عبدالله. أرملة كان زوجها يعمل فى البلدية، وترك لها معاشا 700 جنيه، وقبلها ترك لها سبعة بنات. لم تتردد كثيرا فى أن تعلن أنها أعطت صوتها لمحمد مرسى. ولكن ليس على اى أمل فى الإصلاح «يعنى اللى قبله كان عمل أيه؟ كلهم زى بعض».

الأولى لمرسى والثانية لشفيق

«اللى معوش فلوس مش فارقة معاه. مابيفكرش كتير يدى لمين فى الانتخابات. لأنه مش خايف على حاجة. ومش حيخسر أى حاجة مع الاثنين. وطبعا مش حياخد من حد حاجة» يقول عم محمد عامل فى مستشفى الباجور كان قد خرج لتوه من عمله. وركب على موتوسيكل لتوصيل أهالى المنطقة، الذين لا يستطيع أحدهم أن يستقل سيارة أجرة. ويبدو أن سر انتخابه للفريق شفيق أنه وصل إلى مسامعه أن شفيق سوف يلغى قرارا قد اتخذته المحافظة، يقضى بضرورة إلغاء التوصيل بالموتوسيكل، واستبداله بسيارة سوزوكى. «كيف لواحد مثلى أن يشترى سيارة تمنها يمكن يوصل 100 ألف جنيه. علشان كده أنا انتخبت شفيق علشان أحافظ على الموتوسيكل بتاعى» يقول ممرض بالمستشفى.

وربما يكون عم محمد ليس الوحيد الذى كان انتخابه من أجل المحافظة على «الماكنة» كما يطلقون عليها. ولكن هناك الكثير خاصة وأن عدد الموتوسيكلات المرخصة فى المحافظة يصل إلى ما يزيد على 110 آلاف موتوسيكل. ومعظم أصحابها يستخدمونها فى التوصيل. وتبدو هذه الوسيلة هى الأكثر استخداما لأن سيارات الأجرة فى المحافظة لايزيد عددها على 13 ألف سيارة.

«طلبت من كمال الشاذلى توفير فرص عمل لبناتى السبع، فوعدنى بتحقيق ذلك وقال حاجوزهملك كمان.. يبدو أنه كان يسخر منى فهو لم يوفر وظيفة لأى منهن»، تقول سيدة بسيطة الحال من قرية على أطراف الباجور، لا تظهر بها أوجه الحياة المدنية التى تراها فى الشوارع الرئيسية للباجور، السيدة انتخبت مرسى بعد أن أقنعها البعض بأن أحوال البلاد قد تتغير على يده. ولكنها لا تحمل تصورا واضحا عن الوعود الاقتصادية لمرشح الإخوان. ويبدو من حديثها قلقها المستمر على بناتها السبعة، ومحاولتها للعثور على أى أمل لتأمين مستقبلهن. فقد سعت من قبل وراء عرض لأحدى الشركات الخاصة، بتوفير سلع معمرة بأسعار مخفضة، أرادت شراءها للبنات. وكانت النتيجة عملية نصب فقدت بسببها ما تدخره من مشغولات ذهبية.

محمد إبراهيم يعمل فى الجهاز الحكومى من ضمن الآلاف الذين يعملون من أقرانه المنايفة ويضمهم الجهاز الحكومى فى المحافظة. هم يبلغ عددهم بدون محمد 190 ألف عامل. كل ما يفرقه عنهم أنه عمالة مؤقتة. لذلك فهو قضى من عمره 15 عاما فى هذا الجهاز العتيد، ولم يزد مرتبه عن 200 جنيه شهريا، بالرغم من كل سنوات عمله. «صوتت فى الجولة الأولى لمرسى بعد أن أصدر برلمان الإخوان قانونا بتثبيت العمالة. وعندما تم حل البرلمان صوت لشفيق لأنه وعد بتثبيتنا بعد انتخابات الرئاسة»، يقول العامل الذى مازال مؤقتا.

حلم بعبدالناصر وانتخب شفيق

وعلى مسافة ليست بالبعيدة عن الباجور بدا من كلام أهالى سرس الليان أن البعض منهم لا يخفى ودا، مازال يحمله لرجل الأعمال أحمد عز، الذى كان نائبا عن المنطقة لسنوات طويلة. البعض لم ينس له أنه اهتم بتوفير أتوبيسات لتوصيل الطلبة إلى الجامعة وربما يكون هذا ما قلل من إحساس البعض بالرفض للنظام السابق. «عز أحسن من مبارك» برأى خالد أحمد، شاب يعمل فى الأمن الصناعى بأحد مصانع مدينة السادات.

وتقديم خدمة الأتوبيسات للتوصيل للجامعة، لا يقدرها إلا من يعرف أن متوسط ما يصرفه الفرد فى المنوفية على التعليم فى السنة لا يزيد على 155 جنيها. يعنى 13 جنيها فى الشهر، فيكون توفير خدمة التوصيل مساعدة لا بأس بها، لكل من استفاد منها. خالد كان يطمح بعد الثورة فى نظام يحقق عدالة جمال عبدالناصر، وهو ما جعله يصوت فى الجولة الأولى للمرشح الناصرى حمدين صباحى. وفى الجولة الثانية رفض التصويت للإخوان لأنهم «طمعانين فى السلطة عشان مصالحهم». واختار شفيق الذى يرى أنه «مش حيسرق أكتر من مبارك».

ولكن فى منطقة شديدة العشوائية بمدينة سرس الليان تجلس تهانى صبحى سيدة منتقبة ابنة شارع الجمهورية. تغطى نظارتها الطبية الفتحة الضيقة فى النقاب. هى تحمل شهادة الدبلوم، ولعل ظروفها هى ما حالت دون استكمال شهادتها الجامعية. فنسبة الذين يحملون شهادات جامعية فى المنوفية لا يزيدون على 8.6% من سكان المحافظة. تهانى تجلس طول النهار أمام ما يشبه الكشك. هى تبيع منتجات متفرقة من مسحوقات التنظيف الرخيصة، وأيضا التجميل بالقطاعى جدا. غالبا كل زبائنها ممن لا تزيد قدرتهم الشرائية على خمسة جنيهات. تكسب 3 جنيهات فى كل كرتونة تبيعها، وهى نفس الجنيهات التى يكسبها تاجر الجملة، الذى تشترى منه. ولكنها ترفض ان يستبدل احد أى بضاعة اشتراها من عندها. هى زوجة لخراط ارزقى، هو يخشى على عدته من السرقة، فهو يحملها كل صباح عله يجد عملا يوميا يسترزق منه، ويعود بالليل. والأمن هو كل ما يحلم به زوج تهانى. ولكن المتعة الوحيدة لتهانى هى مشاهدة افلام الرعب، لأنها تكره المسلسلات التركى «هذه المسلسلات مجرد استعراض لحياة الأغنياء فقط»، تقول تهانى.

«شفيق أو مرسى مش فارقة. أصل العيشة هنا ضيقة. ناس كتير مثلى انتخبوا شفيق، علشان كانوا بيبحثوا عن رئيس عينه على الناس. أنا انتخبته، وأنا عارفة أن عينه مش على الناس. ولكن اصل الجعان مش ممكن تخدى منه لقمة. حنخاف على إيه؟».

«الإخوان منغلقون على انفسهم يوزعون الصدقات على اتباعهم»، تقول ذلك السيدة التى يعتقد معظم جيرانها أن صوتها كان لمرسى وهى تشير لنا إلى واحدة من جيرانها التى تعمل خادمة فى البيوت، وتؤكد أن الإخوان لم يعطوا لها شيئا مع أنها مستحقة أكثر من غيرها.

مدينة كرهها يوسف والى.. فكرهت نظامه

ومن المنوفية إلى الفيوم تبدو الصورة معكوسة. الأغلبية أعطوا أصواتهم لمحمد مرسى. وكانت مدينة أبشواى داخل المحافظة هى صاحبة النصيب الأكبر من التصويت للرئيس الحالى. ولم يكن فى مدينة أبشواى ما يدل على أنه كان هناك معركة انتخابية قد تمت قبل أيام فى هذا المكان. فلا يوجد صور للمرشح أحمد شفيق على أى جدران. لا على المحال ولا على البيوت. وهو ما عكس غيابا كاملا لأتباع يوسف والى أحد أشهر رموز نظام مبارك. والذى ظل نائبا عن تلك المنطقة طويلا. إلى أن فاز عليه النائب الإخوانى حسن يوسف فى انتخابات مجلس الشعب فى عام 2005. هذا بينما تصدرت صور محمد مرسى بعض أوجه البنايات، والأسوار، والمحال الصغيرة. وإن كانت ليست بالقدر الكبير الذى عرفناه فى مدن أخرى. وهو ما بدا وكأن النتيجة محسومة فى هذه البلدة الفقيرة أهلها، والذين يفتقدون الحد الأدنى من الخدمات الصحية والاجتماعية. فنصيب الفرد فى الفيوم الذى يصرفه على الخدمات الصحية لا يزيد على 198 جنيها فى السنة. وهو يزيد بمقدار 79 جنيها عما يصرفه المواطن الفيومى فى الريف. حيث تبدو الأوضاع فى المناطق الريفية أكثر قسوة.

وعلى ناصية أحد الشوارع الرئيسية بمدينة ابشواى، حيث يقع متجر صغير لبيع البن، تظهر البوسترات الدعائية لمحمد مرسى بشكل لافت للنظر على جدران المحل، حيث يعد صاحبه، صلاح أبوطالب، أحد أبرز انصاره فى تلك المنطقة. والتى لن تجد فيها ملصقا دعائيا لآخر رؤساء وزراء مبارك أحمد شفيق. «انظروا إلى هذا الشارع. انه يعد الشارع الرئيسى فى ابشواى، لى صورة شخصية فى حديقة هذا الشارع عام 1988. كم كانت جميلة وقتها، أنظروا كيف تحولت الآن لخراب. هذا لأن الدولة خصصت بضعة ملايين لتجميل الحديقة، فتمت سرقتها قبل أن تصل اليها» يقول أبوطالب، مشيرا إلى أرض جرداء فى مواجهة متجره انطمست فيها معالم الحديقة القديمة وتحولت لمقلب قمامة. «لم تنتفع أبشواى من يوسف والى فقد كانت امتيازات نواب الوطنى هنا تذهب إلى عائلاتهم والحاشية المحيطة بهم فقط»، كما يضيف أبوطالب. والى كان يكره هذه المدينة، لأنه يدرك أن أهلها لايعطون أصواتهم له فى الانتخابات. «وكان يعاقب أهل المدينة على ذلك فى صورة عدم تقديم أى خدمات للأهالى. بل ألغى خط السكة الحديد الذى كان يمر من هنا» يقول ابو طالب.

وجاءت انتخابات مجلس الشعب فى عام 2010 والتى فاز فيها شقيق وزير الزراعة الأسبق، ماهر والى، غيرة معبرة عن موقف ابشواى من نظام مبارك فالكل يشكك فى نتيجة تلك الانتخابات. ولكن انتخابات الرئاسة أرسلت رسالة واضحة برفضهم لهذا النظام مع التصويت بكثافة لمحمد مرسى، وخروج أحد أكبر الكتلة التصويتية لمرشح الإخوان من أبشواى. «هناك نزعة تدين فى المنطقة تجعل الناس تميل للإخوان، والى جانب ذلك فتصويتنا لهم رسالة رفض للنظام السابق» عبارة كررها أبوطالب أكثر من مرة لتفسير هيمنة الإخوان على المنطقة.

صياد.. فلاح.. الهم واحد

قد يفسر تردى مستوى الخدمات العامة رفض أهالى أبشواى لنظام مبارك. فالأمر لا يقتصر على سوء خدمات نظافة ورصف الطرق، بل يمتد إلى نقص الخدمات الصحية، خاصة مع تردى مستوى المستشفى العام الوحيد فى المنطقة بحسب شهادات الأهالى. وفى مقابل غياب الدولة تظهر أهمية بعض الاعمال الاجتماعية التطوعية من الإخوان المسلمين كبديل تنعكس آثاره فى وقت الانتخابات. ومن الأمثلة على ذلك ما رواه لنا عبدالرحمن ربيع، عامل بذراع واحده، أجره الشهرى نحو 700 جنيه، واحتاج ابنه لأجراء عملية «اللوز» والتى ستكلفه نحو 1000 جنيه وتدخل طبيب إخوانى لعلاج ابنه مجانا. وهى القصة التى يبرر بها ربيع تصويته لمرسى فى الانتخابات. «يمكن يعدل حال البلد. أهم حاجة المصلحة».

ويقول صبرى صلاح، من سكان المنطقة ولكن يعمل فى دبى، إن العديد من سكان ابشواى من الاطباء والصيادلة والمهندسين والمحامين ينتمون للإخوان المسلمين «وفى ظل تدنى مستوى خدمات التعليم هنا يسأل أهل المنطقة الأكثر تعلما عن التيار الأصلح للتصويت. وتكون الاجابة بالطبع لصالح الإخوان. وفى ظل تدنى مستويات الخدمات العامة، من الصعب أن ينشأ تيار سياسى منافس. فمركز الشباب على سبيل المثال الذى كان متنفسا للشباب المثقفين فى المنطقة والذى كان يمكن أن يخلق شبابا ينتمون إلى تيار اليسار، اقتطعت الدولة قطعة كبيرة من ارضه وتقلص نشاطه بشدة».

وعلى الرغم من أن الفيوم هى من هيمن عليها أشهر، بل أقوى وزير زراعة فى مصر، فإنه تظهر مساحات كبيرة من أراضى أبشواى الزراعية الخصبة، وكأنها قد تم تبويرها. ولكن تكتشف أن ما حدث بسبب نقص المياه التى يندر أن تصل إلى معظم الأراضى. بينما تسيطر عليها بعض العائلات الكبيرة التى تحتكر المياه. سعيد دسوقى من قرية حسن فضل، يعمل فراشا فى مدرسة ابتدائى. كان كل ما يتمناه أن تصل المياه إلى أرضه التى لا تزيد مساحتها على 4 قراريط»، لو كل واحد عنده 4 قيراط فقط، وعنده مياه رى ممكن تعرف نعيش». دسوقى تمنى كثيرا لو استطاع الاستغناء عن عمله بالمدرسة الذى يتقاضى منه 300 جنيه، ويزرع بقية عمره. «انتخبت مرسى. يعنى 4 سنوات جوع تانى. من ضمن 30 سنة جوع. مش كتير ربنا يعينا عليهم»، يقول دسوقى الذى يتقاسم هو وكل أسرته فدانين ونصف الفدان.

وعلى كورنيش بحيرة قارون، يقف أبوعيد، ضمن الصيادين الذين يعرضون الأسماك الطازجة بعيدا عن الجدل السياسى الدائر فى شوارع أبشواى، الا أن أبوعيد يتابع باهتمام ما يدور فى السياسة واهتم بالتصويت فى الانتخابات الرئاسية، وان كان اختياره لمرسى يأتى لأسباب مختلفة «الثورة أحيتنى من جديد، فقبل الثورة كنت أعانى من رجال الأمن، كان بعضهم يطلب منى شراء الأسماك بأسعار متدنية ويهددنى برتبته أو ببدلته الرسمية.. كفاية بقى». وبالرغم من رزق أبوعيد لم يعد كما كان قبل الثورة، حيث انخفض دخله من بيع السمك إلى النصف فإنه لم يكره الثورة. «أعطيت صوتى لمرسى بعد أن سمعته يقول إنه فلاح ابن فلاح. أول مرة أسمع كده».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.