«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طارق البشرى يكتب: حل مجلس الشعب أثبت أن السلطة المصرية لا تحتمل مجلسًا شرعيًا (2-2)
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2012

المجلس العسكرى انتهز حكم الدستورية ليستعيد سلطتى التشريع والتنفيذ فى يونيو 2012 أصبح الأفق الديمقراطى يتراجع عكس انفتاحه البادى فى فبراير 2011

5



هذه السرعة السريعة الخاطفة التى جرت بها الأحداث، تكشف أمرا ذا أهمية، وهو أن مجلس شعب نيابى ينتخب ُفى مصر بنزاهة كاملة واستقامة تامة ويعكس تعبيرا عن إرادة الشعب المصرى التى مارسها نحو ثلاثين مليونا من البشر، وهو أول مجلس شعبى ينتخب بهذه النزاهة والاستقامة منذ ستين سنة، وبإدارة المجلس العسكرى للدولة وبإشراف القضاء المصرى الكامل، وهذا المجلس تكاتفت أجهزة فى الدولة المصرية على وأده وإزهاق روحه قبل أن يكمل الشهر الخامس من وجوده، «وإذا الموءودة سئلت بأى ذنب قتلت». فكأن السلطة المصرية لا تحتمل مجلسا شرعيا ولد ولادة شرعية وطبيعية (فى الحلال) من الشعب المصرى بعد ثورة شعبية عظيمة حشدت أكثر من خمسة عشر مليونا من البشر فى عصيان مدنى مستمر وسلمى تماما ومصمم تماما. ونحن لم نعرف تاريخيا انتخابات بهذه النزاهة منذ انتخابات يناير 1950.

أنا أدرك أن مجلس الشعب فى هذه الشهور أخطأ فى تقدير قوته وفى علاقاته بأجهزة الدولة الأخرى والقوى السياسية القائمة وفى التعامل مع هذه القوى، ولكن أقول إن عدم الخبرة كانت من العوامل المهمة التى أدت إلى ذلك، وإن الأمور مرجعها فى النهاية إلى اكتساب الخبرات من خلال التعاملات والضغوط المتبادلة التى تتحلى بفضائل المشاركة وتنجو من إثم الإقصاء لغيرها من القوى. والحقيقة أننا يتعين أن نقر أن إثم السعى للإقصاء كان موجودا لدى كل الفرقاء، وسببه الأساسى لديهم جميعا هو فى ظنى نقص خبرة التعامل السياسى. فالمسيطرون على الدولة آتون من خبرات مهنية أكثر منها سياسية، والإسلاميون آتون من خبرات دعوية أكثر منها سياسية، والليبراليون آتون من خبرات ثقافية سياسية أكثر منها تطبيقية. وكل ما هو مطلوب أن يحتمل بعضنا بعضا بغير إقصاء ولا استبداد. ومن هذا نلحظ أن أكثر الخلافات المستعرة إما أنها ناتجة عن وسائل كل فريق تجاه الفريق الآخر، أو لأن أيا من الفرقاء لم يعرف فى الواقع مدى حجمه السياسى وحجم غيره السياسى فى الواقع الفعلى بعد. وكل ذلك أساسه نقص الخبرة، وهو واقع لحظى نعانى منه جميعا.



6



إن قرار الضبطية القضائية الذى أعاد من الناحية العملية حالة الطوارئ، صدر من وزارة العدل فى 4 يونيو 2012 ونشر فى الوقائع المصرية فى 13 يونيو، والحكم الذى نص فى أسبابه على إبطال مجلس الشعب بثلاثة أثلاثه صدر ونشر فى الجريدة الرسمية فى 14 يونيو. وفى 17 يونيو آخر يومى انتخابات الإعادة لرئيس الجمهورية، صدر إعلان دستورى معدل للإعلان السارى الصادر فى 30 مارس 2011. بمعنى أنه خلال خمسة أيام من 13 إلى 17 يونيو صدر من الوثائق ما تغير به الوضع السياسى فى مصر وتحول به إلى النقيض، كنا على أبواب إتمام تنظيم ديمقراطى شامل لمؤسستى السياسة فى الدولة المصرية، وهما السلطتان التشريعية والتنفيذية، وهى عملية استغرقت ثورة شعبية ثم عاما ونصف العام بعدها، ولكننا عدنا فى خمسة أيام إلى ما انتكست به هذه العملية، عدنا إلى 10 و11 فبراير 2011 عندما صدرت البيانات العسكرية الأولى التى أعلنت تولى المجلس العسكرى للسلطات السياسية مع الإطاحة بحسنى مبارك وحل مجلسى الشعب والشورى. مع فارق أساسى أننا فى فبراير 2011 كان ثمة أفق ديمقراطى ينفتح، وصار فى يونيو 2012 أفقا ديمقراطيا ينغلق.

لقد كتبت من قبل فى 21 مايو 2012 أن المجلس العسكرى قد تجرد من إمكانية أن يصدر أى تعديل بالإضافة أو الحذف أو التغيير فى الإعلان الدستورى القائم خلال الفترة الانتقالية، لأنه كان يملك هذه الإمكانية فقط بموجب الضرورة الثورية قبل بدء نشوء التشكيلات الديمقراطية المنتخبة وعندما كان لا يزال يجمع سلطتى التشريع والتنفيذ وهى سلطات السياسة فى النظام الحاكم. وأنه مع تشكيل مجلس الشعب المنتخب واكتماله فى 23 يناير فقد المجلس العسكرى «بموجب ما نص عليه الإعلان الدستورى» سلطة التشريع واستحال إلى سلطة تنفيذية فقط، ولا يجوز للمجلس العسكرى فى هذا الوضع أن يضع نصا دستوريا.

والحاصل أنه حتى بعد أن صدر حكم المحكمة الدستورية وما يقضى إليه من بطلان الثلث الفردى من مقاعد مجلس الشعب، فإن مجلس الشعب يبقى قائما فى ثلثيه الآخرين ويحتاج إلى استكمال بالانتخاب دون أن تنتقل سلطة التشريع إلى المجلس العسكرى.

وحتى إن قيل إن المجلس قد أبطل جميعه بثلاثة أثلاثه، فإن سلطة التشريع لا تعود إلى المجلس العسكرى، لأنه ليس أصيلا فى توليها وقد كان يتولاها على سبيل الاستثناء المحصن الذى أملته الثورة وحالة الضرورة التى نجمت عن زوال كل المؤسسات السياسية فى الدولة من تشريعية وتنفيذية، أما وأن انتخابات رئيس الجمهورية مقدر لها أن تتم يومى 16، 17 يونيو، فتكون وجدت سلطة سياسية فى الدولة هى منتخبة وتكتسب شرعية القيام من اختيار الشعب لها فى انتخابات حرة ونزيهة. ولذلك تنصرف حالة الضرورة إلى تولى هذه السلطة المنتخبة ما تلزم به بالضرورة من إصدار تشريع لازم حتى تتم انتخابات مجلس الشعب سريعا.

ولكن المجلس العسكرى انتهز فرصة صدور حكم المحكمة الدستورية وما ورد بأسبابه (دون منطوقه) من إبطال مجلس الشعب كله وأن ذلك لا يحتاج إلى قرار يصدر به من جهة أخرى ولا ينتظر حكم محكمة الموضوع التى كانت أحالت الطعن بالدستورية إلى المحكمة الدستورية، انتهز ذلك ليعتبر نفسه قد استعاد الجمع بين سلطتى التشريع والتنفيذ بما يمكنه من إصدار أحكام دستورية جديدة، ينهى بها المسار الدستورى الذى كان مرسوما منذ 30 مارس 2011 ويبدأ مسارا جديدا مناقضا.



7



إن الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 نص فى المادة 56 منه على سلطات المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى عشر فقرات، الأولى والثانية تتعلقان بسلطة التشريع. والفقرات الثمانى الأخرى تتعلق بالسلطة التنفيذية، ونص فى المادة 25 على أن رئيس الجمهورية «يباشر فور توليه مهام منصبه الاختصاصات المنصوص عليها بالمادة (56) من هذا الإعلان عدا المبين فى البندين 1، 2 منها». ونص فى المادة 33 على أن «يتولى مجلس الشعب فور انتخابه سلطة التشريع ويقرر السياسة العامة للدولة..» ونص فى المادة 61 على أن «يستمر المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى مباشرة الاختصاصات المحددة فى هذا الإعلان، وذلك لحين تولى كل من مجلسى الشعب والشورى لاختصاصاتهما، وحتى انتخاب رئيس الجمهورية ومباشرته مهام منصبه، كل فى حينه».

وقد فقد المجلس الأعلى سلطة التشريع فور تشكيل مجلس الشعب وتوليه مهامه فى 23 يناير 2012، وبقيت للمجلس الأعلى سلطة التنفيذ حتى تمام انتخاب رئيس الجمهورية، ولكن قبيل أن يتم هذا الأمر بيوم عمل واحد صدر حكم الدستورية الذى أشار فى أسبابه إلى وجوب حل مجلس الشعب المنتخب كله وأنه ينحل بذاته ويعتبر غير قائم. فاسترد المجلس الأعلى سلطة التشريع لا ليمارسها بإصدار قانون ما ولكن ليصدر دستورا ونظاما دستوريا جديدا هو مناقض لنظام الانتقال السارى، وهو نظام دستور 17 يونيو 2012.

إن إعلان 30 مارس 2011 ينظم تسليم السلطة التشريعية من المجلس العسكرى إلى مجلس الشعب، وإعلان 17 يونيو 2012 يقضى بتسليم هذه السلطة التشريعية من مجلس الشعب إلى المجلس العسكرى. والإعلان الأول يقضى بأن يشكل نواب مجلس الشعب والشورى المنتخبين، يشكلون الجمعية التأسيسية التى ستضع دستور مصر الجديد (م 60)، والإعلان الأخير يمكن المجلس الأعلى للقوات المسلحة من أن يشكل الجمعية التأسيسية بالتعيين بقرار منه. والإعلان الأول يجرى وضع الدستور الجديد فى ظل مؤسسات حكم مشكلة بالانتخاب الشعبى، تشريعية وتنفيذية، والإعلان الأخير يقرر أن يجرى وضع هذا الدستور الجديد فى ظل هيمنة حكومة المجلس العسكرى، وبدلا من أن يكون المجلس العسكرى جزءا من السلطة التنفيذية كما هو أصل وضعه بين هيئات الدولة، صار بالدستور الأخير هو سلطة التشريع المهيمنة على السلطة التنفيذية دون أن يغادر مكانه فى السلطة التنفيذية، لأن المجلس العسكرى حسبما يجمع بين السلطتين فهذا الإعلان الدستورى الأخير ليس معدلا ولا مكملا لنظام دستور 30 مارس 2011 الذى انتجته الثورة وترجم مطامحها الديمقراطية فى صورة برنامج زمنى قابل للتحقيق. وإنما هو نقض للثورة وانتكاس بها.



8



تضمن الإعلان الدستورى الجديد (17 يونيو) نصا برقم 53 مكرر يتعلق بالمسار السياسى الذى أراد المجلس العسكرى أن يسلكه وسعى لذلك حثيثا وبإصرار خلال الأشهر السابقة ويقضى هذا النص بأن «يختص المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستورى بتقرير كل ما يتعلق بشئون القوات المسلحة وتعيين قادتها ومد خدمتهم».. ويذكر «ويكون لرئيسه حتى إقرار الدستور الجديد جميع السلطات فى القوانين واللوائح للقائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع. وبهذا النص تبدو القوات المسلحة مستقلة عن إدارة الدولة المصرية».

وأنا من متابعتى للتاريخ المصرى ولدولة مصر وتنظيم مؤسساتها وبالخبرات المتعلقة بمتطلبات الدولة المصرية، يمكن ملاحظة أن القوات المسلحة كانت ذات وضع فعلى له خصوصيته، حتى من قبل ثورة 23 يوليو 1952، وأن مؤسسة من هذا النوع وبهذه الوظائف المطلوبة منها فى دولة مهددة وأوضاعها الدولية غير مستقرة وغير مطمئنة والأطماع فيها أكبر من قدراتها على حماية الذات، كل هذا يمكن أن يكون مجالا للمراعاة وفقا لما جرت عليه العادات والأوضاع المرعية، وأن هذه الاعتبارات يمكن الرجوع فيها إلى سوابق الخبرات التنظيمية بغير أن يصل بنا الحال لتقرير مبادئ دستورية تقضى إلى استقلال تنظيمى لإحدى مؤسسات الدولة عن سائر الهيئات الأخرى، وتصير بذلك كالوطن المستقل عن مصر شعبا ومجتمعا ودولة.

كما تضمن هذا الإعلان الدستورى الجديد (17 يونيو) ما يتعلق بالجمعية التأسيسية التى تضع الدستور الدائم الجديد، فنصت المادة 60 مكرر المضافة على منح المجلس الأعلى سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية بالتعيين من جانبه لنضع مشروع الدستور «إذا قام مانع يحول دون استكمال الجمعية التأسيسية (الحالية) لعملها.. «وهذه الصلاحيات التى قررها المجلس العسكرى لنفسه تناقض تماما ما جرى عليه الإعلان الدستورى الأول (30 مارس 2011) والذى جعلها تختار من هيئة منتخبة من الشعب المصرى، وقد شكلت هذه الجمعية فعلا، ولكن جاء هذا النص الجديد ليجيز تشكيل غيرها بالتعيين دون ضبط لمعنى ما هو المانع الذى يحول بينها وبين استكمال عملها.

ثم أورد هذا الإعلان الجديد أمرا آخر، وهو حالة ما إذا قامت بعملها الجمعية التأسيسية المشكلة الآن من الهيئة المنتخبة، فنص الإعلان الجديد على أن للمجلس الأعلى أن يعترض على مشروع الدستور، كما أن لأى من رئيس الوزراء أو رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية أو لخمس أعضاء الجمعية التأسيسية أن يعترض على مشروع الدستور، وساعتها يحال الأمر إلى المحكمة الدستورية. ونحن هنا ألغينا تماما سلطة الجمعية التأسيسية المختارة من الهيئة الشعبية المنتخبة وفرضنا عليها وصاية بيروقراطية مزدوجة من هيئات حكومية معينة كلها، وجعلنا لخمس أعضاء الجمعية التأسيسية حق الوصاية والاعتراض على ما قرره أربعة أخماس الجمعية، وهذا حكم قانونى فيه من الشذوذ ما فيه، فلم يسبق أن صادفتنا صياغة تشريعية تصل إلى هذا الحد من الفجاجة والغرابة، وهى تستحق ملاحظة مهنية مما يوجهه التفتيش الفنى إلى العاملين بالمهنة حتى لا يكرروها، لأن سلطة الاعتراض لا يمكن أن تكون إلا من غير من شاركوا فى القرار.

إن كل ذلك يفيد الانتكاس بالسعى الديمقراطى إلى المسعى البيروقراطى الذى تنحصر الإرادة السياسية فيه فى أجهزة الدولة البيروقراطية. وتذكر المادة 60 مكرر من الإعلان الجديد، أن الجمعية التى يشكلها المجلس الأعلى «تمثل كل أطياف المجتمع» والأطياف جمع طيف . ونحن نعجب من استخدام لفظ «طيف» فى نص تشريعى لأنه لا يعنى مفهوما قانونيا يمكن الاتفاق عليه وهو فى اللغة يعنى الخيال. وأطياف تختلف تماما عن لفظ الطائفة الذى هو مجموعة من الناس.



9



إن من يتابع وقائع الثورة ومحاولات نواب رؤساء الوزارات المتعاقبة التى شكلها المجلس الأعلى فى القسم الغالب من 2011 يلحظ إن كانت ثمة محاولات دائبة لوضع قواعد وضوابط يتعين أن ترد فى الدستور الجديد وأن ثمة ضوابط وقواعد يتعين أن توضع فى تشكيل الجمعية التأسيسية حتى تلتزم بها الهيئة المنتخبة من الشعب التى ستشكلها، أى إن كان ثمة محاولات دائبة على فرض نوع من الهيمنة على مسألة الدستور الجديد، سواء بالنسبة للهيئة التى ستعده أو بالنسبة للأحكام التى سيتضمنها، نلحظ ذلك فيما حاول الدكتور يحيى الجمل تشكيله عندما كان نائبا لرئيس الوزراء، فشكل مجلسين عرفيين بالتعيين والاختيار ليضع قواعد حاكمة للدستور المرتقب، ولكن محاولته باءت بالفشل وسقطت الوزارة التى كان عضوا بها. وذات المحاولة تكررت فى عهد خلفه الدكتور على السلمى الذى تولى بعده نيابة رئيس الوزراء. وأذاع ما عرف بوثيقة السلمى التى تضمنت ما سمى بالمبادئ الحاكمة للدستور المقبل لتلزم بها أية هيئة منتخبة تعد الدستور الجديد، وتركزت هذه المبادئ الحاكمة فى نوعين من النصوص والأحكام، نوع يضع القوات المسلحة فى وضع مستقل عن هيئات الدولة كلها فلا تخضع لأى تعامل مع أى منها، ونوع يصنف الجمعية التأسيسية التى ستضع الدستور وفقا لفئات وجماعات معينة بحيث لا يستطيع أى اتجاه أن تكون له أغلبية ويمكنه بعد ذلك من إسقاطها وتعيين جمعية تأسيسية بالتعيين من المجلس العسكرى. ووضح من هذه المتابعة أن ثمة جهة أعلى من السيدين المذكورين تملى عليها هذا الموقف. وقد فشل هذا المسعى الأخير بوقفة الشعب ضده فى أيام 18 نوفمبر 2011 وما بعدها. اليوم يأتى الإعلان الدستورى الجديد (17 يونيو) بذات الأحكام. وهذا ما يكشف أن هذه الأحكام ليست وليدة اللحظة الحالية ولكنها موقف قديم مصمم عليه من المجلس العسكرى، أراد به منذ البداية إحكام التحول الديمقراطى المستفتى بها فى 19 مارس 2011 والواردة بالإعلان الدستورى 30 مارس 2011.



10



إن نص المادة 53 مكرر من الإعلان الدستورى الجديد الخاص بالقوات المسلحة والمجلس الأعلى قد ورد به ذكر المجلس الأعلى واختصاصه وسلطاته مسبوقة بعبارة «بالتشكيل القائم وقت العمل بهذا الإعلان الدستورى». وهذه أول مرة فيما نعلم يرد نص دستورى يعين السلطة الدستورية فى أشخاص محددين بذواتهم، لأن النص التشريعى يتعين أن يشير إلى الأشخاص بأوصافهم لا بذواتهم، أى مما يتوافر فيهم من صفات موضوعية، ويتحدد الشخص فى التشريع بهذه الصفات الموضوعية التى تلحق بأى منهم، وهذا مقتضى ما يتعين الالتزام به فى أى تشريع من مراعاة العمومية والتجريد، وأن فقدان هاتين الصفتين يهبط بالتشريع إلى مصاف الأوامر والقرارات الفردية.

ولم نلحظ فى الدساتير من باب أولى حكما يرد متعلقا بشخص بذاته، إلا أن يكون فى الدساتير «الملكية» عندما تنص مثلا على أن الحكم «الملكى» ينحصر فى أسرة «محمد على مثلا»، وحتى مثل هذا النص لا يحصر الوصف الخاص بالحاكم فى شخص بعينه من الأسرة المسماة. وهذه سقطة لا أدرى كيف وقع فيها مصممو هذا الإعلان الدستورى. والملاحظة الثانية أن هذا النص يعطى حصانة كاملة لعين الأشخاص المشار إليهم والمشكلين حاليا للمجلس الأعلى، ويجعل كلا منهم صاحب ذات مصونة لا تمس، فلا يمكن إخراجه من عمله هذا وإن ارتكب ما ارتكب من وقائع. ولا يصح المجلس الأعلى إلا بهم «بالتشكيل القائم».. ولا يستطيع رئيس المجلس الأعلى أن يتصرف أو ينهى خدمة أحد أو يغير أوضاعهم.

ونحن نعرف أن أحد حكمى المحكمة الدستورية الصادرين فى 14 يونيو 2012، كان يتعلق بعدم دستورية ما عرف بقانون العزل السياسى، وكان مما يستند إليه فى عدم دستورية هذا القانون هو افتقاده صفتى العمومية والتجريد، ولا شك أن هذا العيب يصدق من باب أولى على النص الدستورى الخاص بتعيين أشخاص المجلس الأعلى بذواتهم. ويمكن فى ظنى التعامل مع هذا النص بوصفه قرارا إداريا صادرا من المجلس الأعلى بشأن الأشخاص المحددين، فهو نص ليست له حصانة التشريع الدستورى ولا ضوابط التشريع القانونى.

إن الإعلان الدستورى الصادر فى 17 يونيو 2012، هو إعلان دستورى جديد صادر من هيئة انحسرت عنها ولاية إصدار التشريعات القانونية والدستورية، وهو يتضمن نقضا وإبطالا كاملا (من حيث أحكامه) لأحكام الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 من ذات الهيئة عندما كانت لها سلطة إصدار مثله ملتزمة بأحكام الاستفتاء الشعبى الحاصل فى 19 مارس 2011. وأرى أن يجرى التعامل على أساس الإعلان الدستورى الأول وحده دون اعتبار لما ورد بالإعلان الجديد، فإذا حدث خلاف فى هذا فيثار أمام المحاكم والجهات المختلفة كل فى حدود اختصاصه على أساس عدم شرعية النصوص الجديدة وسيحدث قريبا اشتباك فى مسألة محددة، وهى أن رئيس الجمهورية أُعلن انتخابه، وسيطالب باستلام السلطة بحلف اليمين، ومجلس الشعب لدى القائمين على الدولة يعتبر باطلا، والإعلان الجديد يعالج هذه المسألة بحلف اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا حسب النص المضاف بموجب الإعلان الدستورى إلى المادة 30، فإذا حلف الرئيس الجديد اليمين بموجب هذا الحكم أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا يكون قد اعترف بالإعلان الدستورى الجديد بكل ما تضمن من أحكام، وبخاصة ما يتعلق بسلطات المجلس العسكرى واستقلاليته عن الدولة وسلطته على الجمعية التأسيسية للدستور، وإذا لم يحلف اليمين فلن يسلم المجلس العسكرى السلطة له.

وإزاء الرأى الذى ينتهى إلى عدم شرعية الإعلان الدستورى الجديد، وإزاء أن مجلس الشعب معطل لعدم اكتمال تشكيله لبطلان ثلث مقاعده الفردية بموجب حكم الدستورية، بمعنى أنه موجود بثلثيه ولكنه غير مكتمل بثلثه الآخر، فإنه يجوز قانونا أن يمارس رئيس الجمهورية سلطاته دون حلف اليمين، لأن حكم حلف اليمين يكون حكما معطلا بتعطيل اكتمال تشكيل مجلس الشعب. وأن القاعدة الفقهية المعروفة فى مناهج الفقه، أن الحكم الشرعى يوقف إن ذهب محله ويعود بعودة المحل. وأن من تصاب إحدى يديه فهو يتوضأ بغسل يده غير المصابة ويوقف الحكم بالنسبة للمصابة حتى تبرأ فيعود الحكم عليها. وقديما كانت ثمة قوانين تشترط عضوية الاتحاد الاشتراكى لشغل مناصب معينة، فلما ألغى الاتحاد الاشتراكى سقط هذا الحكم بزوال محله.. وهكذا. ومن ثم فإن حلف اليمين يكون غير لازم لممارسة رئيس الجمهورية سلطته حتى يعود مجلس الشعب لاستكمال تشكيله وانعقاده فيعود الحكم.





المستشار طارق البشرى يكتب: خمسة أيام.. هزَّت الثورة (1-2)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.