سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المستشار طارق البشرى يكتب: خمسة أيام.. هزَّت الثورة (1-2) الضبطية القضائية وحكم الدستورية بحل البرلمان والإعلان المكمل.. 3 ملامح للمرحلة الجديدة فى مصر
بقيت حالة الطوارئ بالأمر الواقع وبغير سند تشريعى، فلما حل 31 مايو 2012، أخبر الشعب المصرى أن المجلس العسكرى قد أنهى حالة الطوارئ، والحقيقة أنها انتهت من قبل أكثر من ثمانية شهورإن الحكم فى الدعوى لم يكتف بالقضاء بعدم دستورية الأحكام القانونية الخاصة بانتخاب الثلث الفردى فيما اشتملت إليه من إجازة الترشح فى الثلث الفردى للحزبيين وغير الحزبيين، بدلا من أن يقتصر الترشح على غير الحزبيين وحدهمإن الأحداث السياسية الأخيرة تنبىء عن أن ثورة مصر فى 25 يناير تدخل مرحلة جديدة مختلفة تماما عن الفترة السابقة عليها، والتى استمرت زهاء ستة عشر شهرا. هى مرحلة جديدة معاكسة للمرحلة الأولى فى سياساتها وأهدافها وفى طبيعة الصراع السياسى الذى سيقوم فيها. 1
هذه المرحلة الجديدة تقوم على ثلاثة قوائم حسبما ظهر حتى الآن، أو أن من ملامحها وإرهاصاتها الأولى هذه القوائم الثلاثة، ولم نعرف بعد ماذا سيستجد فى الأيام المقبلة. أول هذه القوائم هو البيان الجديد بشأن استدعاء الجيش لحفظ الأمن الداخلى بعد حالة الطوارئ، وثانى هذه القوائم هو حكم المحكمة الدستورية العليا الذى اتخذ ذريعة لحل مجلس الشعب كله، وثالثها هو الإعلان الدستورى الأخير الذى وصف بأنه مكمل للإعلان الأول السارى وهو فى الحقيقة مناقض له وقد ألغاه.
لقد فرضت فى 4 يونيو 2012 حالة طوارئ جديدة فور ما ذكر من انتهاء حالة الطوارئ التى كانت قائمة ونشر قرارها فى 13 يونيو.. كانت حالة الطوارئ تجدد فرضها آخر مرة فى عهد حسنى مبارك لمدة سنتين بدءا من أول يونيو 2010. فلما جرى استفتاء 19 مارس 2011 بعد الثورة أوجب أن تنتهى حالة الطوارئ بحد أقصى لها ستة أشهر وألا تجدد إلا باستفتاء شعبى، وورد هذا الحكم فى الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس. ونص فى المادة 62 منه على أن يبقى نافذا ما صدر قبله مما سبق أن قررته القوانين واللوائح، ومن ثم تسرى حالة الطوارئ المفروضة من قبل فى ظل الإعلان الدستورى، ولكن نص المادة 59 من ذات البيان الدستورى فى آخر فقراته «وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك» ويقتضى الأثر المباشر لهذاالحكم التشريعى الوارد بالدستور أن تخضع حالة الطوارئ المفروضة سلفا لهذا الحد الأقصى الوارد بالمادة 59، وأن أى طالب بكلية الحقوق درس موضوع السريان الزمانى للقوانين، يعرف أن إعمال حكم المادتين 59 و62 من الدستور على حالة الطوارئ المذكورة، يفيد أنها تنتهى بأقرب الأجلين، الأجل المحدد بها وهو 31 مايو 2012 أو الأجل المنهى لمدة الستة أشهر منذ العمل بالنصوص المستفتى عليها فى 19 مارس 2011 والمعلن نتيجتها والسارى من اليوم الثانى وهو 20 مارس. ومن ثم كانت تنتهى حالة الطوارئ يقينا بقوة القانون فى 19 سبتمبر 2012. وقد أذيع هذا الرأى فى حينه، ولكن أحد أعضاء المجلس العسكرى أعلن عكسه معتمدا على تطبيق المادة 62 من الدستور مع تجاهل المادة 59 منه.
وبقيت حالة الطوارئ بالأمر الواقع وبغير سند تشريعى، فلما حل 31 مايو 2012، أخبر الشعب المصرى أن المجلس العسكرى قد أنهى حالة الطوارئ، والحقيقة أنها انتهت من قبل أكثر من ثمانية شهور، وأن إنهاءها لم يكن بقرار من المجلس ولكن من انتهاء مدة محددة سلفا، حتى وفقا للرأى الخاطئ الذى جرى به استمرارها.
ثم ما لبث أن صدر من الحكومة، ومن المجلس العسكرى ما مفاده من الناحية الواقعية أن يستبقى للقوات المسلحة مكنات الطوارئ وأن يستبقى قراراته الفعلية على السيطرة على سلطات الضبط.
ومن المعروف أيضا أن قانون القضاء العسكرى، ينطبق فى ثلاثة مجالات، أولها: ما يقع فى المعسكرات، وثانيها: ما يقع من أفراد القوات المسلحة، وثالثها: ما يقع إزاء المعدات العسكرية. وما دامت معدات الجيش فى الشوارع والأماكن الشعبية العامة، فإن الأحكام العسكرية تسرى إزاء التعامل معها فى أية حالة تجد وذلك بالنسبة للمدنيين ولذلك فإنه حتى إلغاء ما ورد من سريان القانون العسكرى على المدنيين فى حالة الطوارئ، فإنه يسرى بأحكامه وفى نظامه الأساسى بموجب الوجود الفعلى لمعداته وأفراده فى الحياة المدنية العامة.
ويمكن محاكمة أى مدنى أمام القضاء العسكرى مع حالة وقوع أى نوع من التعامل أو فى حالة إدعاء ذلك عند الضرورة. وقد كانت الإجراءات المتخذة أخيرا مما يمكن اتخاذ إجراءات الضبطية القضائية بالنسبة لما قد يستجد من أوضاع.
2
الأمر الثانى، أنه إذا كان قرار الضبطية القضائية الصادر من وزارة العدل فى 4 يونيو قد نشر بالوقائع المصرية فى 13 يونيو وأذيع بذات اليوم، فقد نظرت فى اليوم الثانى مباشرة أمام المحكمة الدستورية العليا دعوى عدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب، فيما نص عليه هذا القانون من أن ثلث المقاعد المتاح الترشيح فيها للمواطنين (انتخابات الأفراد لا القوائم الحزبية) شمل حق الترشح فيها المنتمين إلى الأحزاب ممن يمكن إدراجهم فى قوائم ثلثى المقاعد، ويشارك هؤلاء الحزبيون المواطنين من غير الحزبيين فى مقاعد الثلث المتاح للأفراد من المواطنين.
وقد أصدرت المحكمة حكمها بعدم دستورية هذا القانون فى هذه المسألة فى ذات أول يوم نظرت فيه الدعوى، وهو يوم الخميس 14 يونيو 2012، وهو اليوم السابق مباشرة ليومى العمل التاليين مباشرة، يومى السبت والأحد 16 و17 يونيو المقرر أن تجرى خلالهما انتخابات الإعادة لرئيس الجمهورية وبنهايتهما يتحدد الرئيس الجديد لمصر وتتخذ إجراءات نقل السلطة التنفيذية إليه من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكان المقرر طبعا من ناحية خطة العمل التى يجرى بها الإعلان الدستورى المعمول به أن يتجرد المجلس العسكرى بذلك من صلاحيات الممارسة السياسية لشئون الدولة، لاكتمال تشكل المؤسسات السياسية الدستورية بالطريق الديمقراطى، وهى السلطة التشريعية ممثلة فى مجلس الشعب والسلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس الجمهورية.
قضت المحكمة بعدم دستورية القانون المذكور فيما تضمنه من نصوص ذكرتها تتعلق بانتخاب ثلث مقاعد مجلس الشعب المتاح للانتخابات الفردية بغير القوائم الحزبية، ولكن المحكمة وإن استندت إلى ما رأته من عدم جواز إتاحة انتخابات الثلث الفردى للحزبيين وغير الحزبيين، إلا أنها فى أسباب حكمها لم تكتف بذلك ولا اكتفت بالإشارة إلى بطلان انتخابات الثلث وحده، وإنما عممت حكم البطلان على المجلس بثلاثة أثلاثه وبما يشمل الثلثين المنتخبين بنظام القوائم الذى لم تشكك أسباب الحكم فى أصل شرعية الانتخاب بالقوائم بالنسبة له. وإنما سندت شمول البطلان للثلثين لا لعيب تشريعى تنظيمى يلحقها وإنما لما معناه أن إزاحة الحزبيين من انتخابات الثلث الفردى من شأنه أن يغلق على هؤلاء الحزبيين فرصة الترشح بالقوائم، بما يعنى أنه قد يكون أحد الحزبيين يفكر فى الترشيح فى القوائم لو كان عرف بانغلاق الثلث الفردى من دونه، وحرصا على هذا الأمل المحتمل لأى من هؤلاء يتعين إبطال انتخاب مجلس الشعب كله بثلثيه الصحيحين فضلاعن ثلثه المصاب.
إن الحكم فى الدعوى لم يكتف بالقضاء بعدم دستورية الأحكام القانونية الخاصة بانتخاب الثلث الفردى فيما اشتملت إليه من إجازة الترشح فى الثلث الفردى للحزبيين وغير الحزبيين، بدلا من أن يقتصر الترشح على غير الحزبيين وحدهم، ونحن نعلم أن الولاية القضائية للمحكمة الدستورية تتحدد فى النظر فى صحة القانون من الناحية الدستورية والقضاء بعدم دستورية النص المعيب، وأن الدعوى لا تعرض عليها مباشرة من المتقاضين، ولكن بالإحالة إليها من محكمة موضوعية تنظر نزاعا بين المتقاضين، وتثار فيه ما يطعن بعدم دستورية نص تشريعى بشأن تطبيقه فى هذه الدعوى الموضوعية. لذلك يقتصر حكمها على مسألة الدستورية دون مساس بأصل المسألة المتنازع عليها أمامها فى الدعوى الموضوعية.
ولا بأس للمحكمة أن يرد فى أسباب حكمها ما يتعلق بشرح أو إيضاح لما عسى أن يكون عليه وجة الرأى اجتهادا فيما يتصل بالمسألة المطروحة عليها، ولكن يتعين أن نلحظ بدقة نطاق ولاية المحكمة فيما تقضى به ونطاق ولايتها فيما يتصل بمنطوق حكمها من شرح فى الأسباب فيما يتصل اتصالا وثيقا لا ينفك عن هذا المنطوق ومما يدخل فى نطاق ولايتها القضائية لا يتجاوزها. وقد يكون ما ذكر فى أسباب الحكم من بطلان لتشكيل المجلس هو ما يتعلق بالثلث الفردى المطعون فى صحة انتخابه أمام محكمة الموضوع المحالة الدعوى منها إلى المحكمة الدستورية، ولكن الحكم الموضوعى أمام محكمة الموضوع هو ما يخص هذه المحكمة بالنسبة للدعوى المثارة أمامها، وهى تقضى فيه بموجب ولايتها على الدعوى الموضوعية وفى حدود طلبات المدعى فى هذه الدعوى، والقول بغير ذلك يعنى أن المحكمة الدستورية المحال إليها الفصل فى دستورية نصوص قانونية مثار النزاع بشأن الاستناد إليها، تكون هى من قضى فى موضوع دعوى لا تدخل فى اختصاصها. ولذلك فإن ما ورد بالأسباب من المحكمة الدستورية هو رأى فقهى لا يمس الاختصاص الموضوعى فى الدعوى الموضوعية المحال منها مسألة النزاع حول الدستورية.
ومن جهة أخرى، فإن ما ورد بأسباب حكم المحكمة الدستورية متعلقا ببطلان الثلثين فى مجلس الشعب المنتخبين بنظام القوائم، هو اجتهاد فقهى منها ينظر فيه بحسبانه رأيا قانونيا يثور الجدل الفقهى بشأنه دون أن يكون متصلا اتصالا وثيقا بالمسألة الدستورية المثارة، ودون أن يكون متعلقا بموضوع الدعوى الموضوعية. والحاصل أن ورد بأخبار الصحف فى الأيام الأخيرة أن صاحب الدعوى الموضوعية التى رفعت بشأنها الدعوى الدستورية قد تنازل عن دعواه الموضوعية. وإذا كان ذلك كذلك فثمة مشكل قانونى يثور بشأن مسألة بطلان مجلس الشعب. وورد خبر هذا التنازل فى صحيفة المصرى اليوم عدد الخميس 12 يونيو 2012 فى صفحة 5 (والمدعى هو المهندس أنور صبحى درويش والدعوى الموضوعية كانت مرفوعة منه أمام محكمة القضاء الإدارى بالقليوبية وكان طلبه فيها حسبما ورد بحكم المحكمة الدستورية «وقف تنفيذ ثم إلغاء قرار اللجنة العليا للانتخابات بإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشعب بالدائرة الثالثة فردى بالقليوبية، فيما تضمنه من إعادة الاقتراع بين مرشح حزب الحرية والعدالة ومرشح حزب النور على مقعد الفئات..»
ونحن نعرف أن دعوى الدستورية بحسبانها دعوى إلغاء بالنسبة لنص قانونى، هى دعوى عينية يختصم فيها القانون المطعون عليه لذاته ويصدر فيها الحكم عينيا بإلغاء نص قانونى معين أو رفض الدعوى، وينشر حكمها المتعلق بالنصوص القانونية فى الجريدة الرسمية لتعلقه بقانون ذى تطبيق عام. ولكن وجه الملاحظة أن كل ذلك يتعلق بالقانون المحكوم بعدم دستوريته، أما ما يرد عن الآثار فهو أمر يتعلق بالولايات والصلاحيات المتاحة بجهات قضائية إدارية أخرى تتصرف فى إطار ولايتها القضائية أو الإدارية المتاحة لها وفقا لقوانين تشكيلها ونظمها.
3
ومن جهة أخرى بالنسبة لهذه الدعوى، فقد نظرت فى جلسة واحدة يوم الخميس 14 يونيو 2012 فسمعت المرافعة وحجزت للحكم وصدر فيها الحكم فى ذات الجلسة وأودعت أسبابه فى ذات اليوم ونشر بالجريدة الرسمية بالعدد 24 تابع (أ) فى 14 يونيو 2012. وهى أول مرة فيما نعلم يحدث فيها كل ذلك «فى نصف نهار» كما يقول الشاعر صلاح عبدالصبور وقد تكون هذه همة مشكورة من المحكمة فى دعوى تتعلق بالانتخابات وللمحكمة أن تقدر وجه السرعة. ولكن وجه الملاحظة عندى يتعلق بالمدعى عليهم فى هذه الدعوى، فإن المدعى يمكن أن يكون ذا مصلحة فى الاستعجال، وهو قد بدأ دعواه ودرسها وأتاح لنفسه ما يستطيع به أن يقدم دعواه فى الإطار المدروس الذى رآه، ولكن بالنسبة للمدعى عليهم الذين سيصدر الحكم ضدهم، ماذا كان موقفهم من هذه العجلة، إننا لم نلحظ منهم طلب تأجيل للدعوى لنظر دفاعهم وإعداده وليدفعوا الدعوى بما يرون من دفوع، وهم من أصدر القانون المطعون فيه وقام على تنفيذه، والفرض أنهم يغيرون على عملهم ويعملون ما وسعهم للدفاع عنه وإبقائه، والمدعى عليهم فى هذه الدعوى كانوا ست جهات، وهى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيس اللجنة العليا للانتخابات ووزير الداخلية ومحافظ القليوبية، وهم من أصدر القانون ونفذه وأشرف على الانتخابات به.
من الممكن لنا أن نلحظ أن المدعى عليهم فى هذه الدعوى كانوا غير مبالين بالحكم الذى يصدر فيها بغير إبطاء وبغير حرص على الدفاع والتمسك بحقوقه وأوضاعه، بل يبدو أنهم كانوا حريصين على سرعة الفصل فيها ضدهم وبالذات يوم 14 يونيو 2012، وهو آخر يوم سابق على الانتخابات الأخيرة التى سيتعين بها شخص رئيس الجمهورية المنتخب فى الإعادة يومى السبت والأحد 16، 17 يونيو. لأنه بانتخاب رئيس الجمهورية وتعيينه فى هذين اليومين تبدأ فورا إجراءات نقل السلطة التنفيذية من المجلس العسكرى، ويكون المجلس العسكرى قد تم افتقاده السلطة السياسية بجميع أركانها الدستورية، لأنه فقد سلطة التشريع مع انتخاب مجلس الشعب، ويفقد السلطة التنفيذية مع انتخاب رئيس الجمهورية، ويكون المجلس بتمام هذين الأمرين قد عاد إلى التحرك فى نطاق قيادة القوات المسلحة وحدها، المشمولة بسلطات الدولة السياسية المذكورة. وأن هذا الحكم الذى حكم على قانون أصدره ونفذه المدعى ضدهم وعلى رأسهم المجلس العسكرى الذى كان أصدر هذا القانون، هذا الحكم هو ما استند إليه المجلس العسكرى واتخذه ذريعة ليقرر استرداده سلطة التشريع فى البلاد، وهو يعتمد عليه فى هذا الاسترداد فى ذات اليوم الذى تنتهى فيه ولايته على السلطة التنفيذية ويبدأ فى اليوم التالى تعيين رئيس لها آخر. إنه الحكم الذى يسترد به إحدى السلطتين السياسيتين فى مجال الحكم فى البلاد.
4
أنا أود أن أشير هنا إلى أن حديثى عن حكم المحكمة الدستورية المذكور لا يتضمن تعرضا له من جهة طبيعته الفنية القضائية ولا من جهة الطابع العلمى المتخصص له قانونى، ولكن الحديث عنه يصدر عما يحيط به من أوضاع سياسية، لأن المشكل المطروح فيه لا ينفصم عن الظرف السياسى المعين، وتناول الخصوم له يصدر أساسا عن مواقف سياسية تصاغ صياغة فنية قانونية بقدر الإمكان، مع محاولة استدراج الجانب القضائى لهذه المواقف، ولأن الآثار المترتبة على الحكم هى آثار ليست آثارا سياسية فحسب، ولكنها تقف على الذروة من الوضع السياسى التاريخى الذى نعايشه فى هذه الأيام.
والحقيقة أن الحكم القانونى الذى ألغته وأبطلته المحكمة، وهو يتعلق بجمع الحزبيين وغير الحزبيين لحق الترشح فى ثلث المقاعد الفردى فى مجلس الشعب. هذا الحكم لم يكن المجلس العسكرى منحازا إليه فى البداية، بل أكاد أقول إن المجلس العسكرى عندما انحاز إلى نظام القوائم الحزبية إنما كان يستجيب لضغوط الأحزاب والقوى المسماة بالليبرالية التى كانت تهدد بمقاطعة الانتخابات إن لم يكن نظام القوائم هو السائد، وأنها أصرت على زيادة نسب المقاعد للانتخابات بالقائمة وأصرت على وصولها للثلثين، وأصرت على مشاركة الحزبيين غيرهم فى الثلث المخصص للأفراد، فعدل المجلس العسكرى عن القانون الذى أصدره مخصصا الثلث لغير الحزبيين، عدل عن ذلك بقانون آخر كان هو مجال الطعن الأخير أمام المحكمة الدستورية.
والمشكلة أن الأحزاب الليبرالية وعناصر النخب الليبرالية لبعدها عن العمل الجماهيرى والواقعى، كانت تطالب بما لا يعالج حقيقة الأوضاع الواقعية القائمة، وكانت تطالب بما يضر بمصالحها السياسية بدليل أن تأجيل الانتخابات من يونيو 2011 إلى نوفمبر 2011 أفقدها الكثير وجاء ضد حجم التمثيل الذى كان يمكن أن تحصل عليه مبكرا. ذلك أن السلفيين قويت شوكتهم السياسية كثيرا خلال فترة التأجيل. كما أن السلفيين كسبوا من نظام الانتخاب بالقائمة أكثر كثيرا مما كسب الليبراليون لصلات السلفيين بالجماهير الشعبية ولضعف التكوين الحزبى وحداثة الكثير منه بالنسبة للاتجاه الليبرالى.
على أنه يظل القول صحيحا، أن القانون الذى ألغاه حكم المحكمة كان قانونا وافق عليه وأصدره المجلس العسكرى انحيازا منه لمن ضغطوا عليه لإصداره. وأن هذا الحكم من الناحية القضائية صادر بحق ضد صنيع المجلس العسكرى ويثبت عليه الخطأ فى تنظيم أوضاع الانتخاب.
وهنا وجه الملاحظة التى أريد أن أثيرها هنا، وهى أن هذا المخطئ الذى صدر الحكم ضده هو أكثر من استفاد قضائيا من هذا الخطأ، وهذا مثل من الأمثلة النادرة التى تجد فيها مخطئا يثاب ويكافأ على الخطأ الذى ارتكبه، ووجه الاستفادة من ذلك أن المجلس العسكرى استغل هذا الحكم بأن قرر أن يسترد سلطة التشريع ويستعيدها لنفسه بعد أن كان فقدها بتشكيل مجلس الشعب فى 23 يناير 2012، وهو استردها فى اليوم السابق مباشرة على بدء تسليمه السلطة التنفيذية بانتخاب رئيس الجمهورية، وافتقاده السلطة السياسية جميعها فى الدولة، ليعود قيادة عسكرية بحتة.
كما أن هذا الحكم بصدوره يوم 14 يونيو قبيل بدء تسليم المجلس العسكرى للسلطة التنفيذية بعد انتخاب رئيس الجمهورية، بصدوره فى ذلك اليوم، بادر المجلس العسكرى بأن يسترد به سلطة التشريع وهو لا يزال جامعا سلطة التنفيذ معها، وظهر بذلك بمظهر من يجمع بين السلطات السياسية كلها بما يمكنه باسم الثورة من إصدار إعلان دستورى جديد، واسترد بذلك السلطة السياسية كاملة على عموم مصر، كما سيجىء بيانه.