قدم المخرج المصري يسري نصر الله أمس فيلمه "بعد الموقعة" ضمن مسابقة العروض الرسمية لمهرجان كان، التي تتضمن لائحة من 22 فيلما من العالم وتتسابق على سعفة المهرجان الذهبية، واعتبر أن مناخ الحرية هو الذي أدى لإنجاز الفيلم. وأكد نصر الله وفريق عمل فيلمه خلال المؤتمر الصحفي الخاص بفريق الفيلم بعد عرضه أمام الصحافة، أن "من الصعوبة بمكان صنع سينما في ظل انعدام الحرية وتهديد بعض الجهات للفنانين في مصر ومحاكمة هؤلاء الفنانين"، في إشارة إلى حالات محاكمة الفنانين وكتاب السيناريو الجارية حاليا في مصر وفي طليعة هؤلاء النجم عادل إمام الذي لم يقف إلى جانب الثورة.
واعتبر المخرج الذي شارك العام الماضي في فيلم قصير ضمن 18 فيلما عن الثورة في مهرجان كان أن "ما أوصل الفيلم إلى المسابقة الرسمية في المهرجان، هو أنه أنجز بحرية تامة"، مؤكدا أن "روح الحرية هي ما تجعلنا نوجد في السينما، أن نرفض الاستسلام أمام الدكتاتور، يعني أن نواصل صنع السينما".
وقال صاحب "سرقات صيفية"، "أنجزت هذا الفيلم لأني أعتقد أن الشعب المصري غير معتاد بعد على الديمقراطية، وهو يخطو فيها خطواته الأولى . أعتقد أن الشعب المصري يستحق رسالة الحب هذه التي نوجهها له".
ويعتبر "بعد الموقعة" الفيلم المصري الروائي الفعلي الأول الذي تناول الثورة في مصر وما تلاها، من خلال نظرة واقعية مستقاة من صلب الأحداث. ويقترب الفيلم كثيرا من الوثائقي ويكتسي تصويره صيغة واقعية تحاول التأريخ لهذا الواقع بينما تتواصل الوقائع على الأرض.
فمن خلال حكاية فردية، هي حكاية محمود "باسم سمرة" أحد الذين أتوا من حي شهير قرب الأهرامات وهاجموا المتظاهرين في التحرير، يطل الفيلم على واقع كل هؤلاء، وكيفية تعاطي السلطات معهم قبل الثورة وبعدها، بالإضافة إلى نظرة المجتمع إليهم.
لكن الفيلم كما يراه عدد من النقاد لن يكون قادرا على منافسة نضج وعبقرية كبار كثر يشاركون في السباق إلى السعفة الذهبية في الدورة الخامسة والستين من مهرجان كان، والقادرين على صنع سينما أكثر فنا واكتمالا وبمستوى عالمي، والذين حصل بعضهم في وقت سابق على السعفة مرتين.
الواقعية المتعمدة وكتب يسري نصر الله سيناريو "بعد الموقعة" مع السيناريست الشاب عمر شما، الذي تعرف إليه في 25 يناير ، وبدأت الأحداث يومها، فشاهداها على التلفزيون قبل أن ينزلا إلى ميدان التحرير، ويقررا بعد ذلك إنجاز الفيلم.
وقال عمر شما "من البداية عرفنا أن ما يحدث في ذلك اليوم لم يكن تظاهرة من النوع المعتاد"، مؤكدا أن "كتابة التاريخ خلال حدوثه يعطي الواقع ، كما نقدمه في اللحظة، بعدا خاصا".
وفي طريقة كتابة السيناريو، كان هناك الكثير من الواقعية المتعمدة كما يقول شما "كنا نكتب أحيانا في الليل بعض المشاهد ونصورها في النهار، كما كنا أحيانا نكتفي بإعطاء التعليمات للمثلين لأداء مواقف معنية"، بحسب ما شرح المخرج. كما أن بعض مشاهد الفيلم أعيدت صياغتها لتتفق مع الوقائع ومع السكان المعنيين أنفسهم.
وقد حاول نصر الله بلوغ هذا البعد الخاص بالاستناد إلى مرجعيات عالمية في السينما مثل المخرج الإيطالي روبرتو روسيلليني في "روما مدينة مفتوحة " أو في "ألمانيا سنة الصفر". فأفلام من هذا النوع عرفت كيف تقدم التاريخ العام بالاستناد إلى قضايا وسير شخصية. ولا يوجد كومبارس في الفيلم وإنما هم سكان الحي الفعليون يؤدون أدوارهم وبعض المشاهد أعيدت كتابتها بناء على ملاحظاتهم".
ويؤكد نصر الله أن فيلمه هو عن هؤلاء الناس الذين يشكلون غالبية المصريين والذين كانوا يعتقدون أن في بقاء الرئيس السابق محمد حسني مبارك ثباتا واستقرارا للبلاد، على الرغم من أنهم كانوا ضحية انتهازية من هم في السلطة خلال بحثهم المشروع عن العيش بكرامة.
وأضاف أن "أحد الشعارات التي أثيرت في خلال الثورة كان "خبز حرية، كرامة اجتماعية". وهذا ما حاولت معالجته في "بعد الموقعة"، الذي صور فترة ممتدة على ستة أشهر بينها 46 يوما من التصوير الفعلي".
جدار الفصل يتبع الفيلم أحد المقيمين في ذلك الحي، الذين كانوا يكسبون رزقهم من السياحة التي توقفت كليا نتيجة قيام الثورة وبسبب بناء جدار يفصلهم عن الآثار، بعد أن اعتادوا قيادة السياح إليها على ظهور الخيول والجمال.
فيؤدي ذلك إلى تهميش إضافي يطالهم إلى درجة أن "محمود" ، البطل الذي يؤدي دوره باسم سمرة، يشبه الجدار بجدار إسرائيل، الذي بنته في مواجهة الفلسطينيين، وهو بالنسبة إلى محمود يهدف إلى ترحيله من ذلك المكان.
وإلى جانب باسم سمرة، أدت ناهد السباعي دور الزوجة في أول دور كبير لها، في حين لعبت منة شلبي دور ناشطة في مؤسسة غير حكومية للتوعية والمساعدة الاجتماعية. وريم، المساعدة الاجتماعية، هي الحجة المناسبة لدخول الكاميرا إلى ذلك الحي. فتكشف التهميش الذي يعاني منه أهله وظروف هؤلاء الاجتماعية السيئة لدرجة أنهم يعتبرون ريم المصرية التي تنحدر من عائلة ميسورة "خواجاية"، أي أجنبية.