يعتبر الحكم المحلى من أهم المجالات التى تتناولها دساتير الدول المختلفة، سواء الفيدرالية أو الموحدة، لأن ذلك يعتبر من أهم ضمانات التطبيق الناجح له، خاصة أنه يمثل نظاما سياسيا فرعيا على المستوى المحلى. ولذلك، نجد أن عدم الاهتمام الكافى بنظام الإدارة المحلية فى مصر فى الدساتير المختلفة قد أدى إلى ضعف دور المجالس الشعبية المحلية وتبعيتها للسلطة التنفيذية، وضعف الاستقلال المالى والإدارى للوحدات المحلية، فضلا عن غموض مفهوم الإدارة المحلية. ●●●
ومن خلال قراءة عدد من دساتير بعض الدول، نجد أن هذه الدساتير قد نصت على الحكم المحلى فى فصل مستقل، وليس كجزء من السلطة التنفيذية أو غيرها، فضلا عن تناوله فى إطار عدد من المواد بشكل تفصيلى. واعتبرت الحكم المحلى حقا للمجتمعات المحلية وللمواطنين المحليين يمارسونه من خلال مجالس محلية منتخبة وانتخاب الرؤساء التنفيذيين والاستفتاء المحلى كآلية لإشراك المواطنين فى صنع القرار وفى إدارة شئونهم المحلية. ونصت الدساتير كذلك على ضرورة الأخذ فى الاعتبار عند إنشاء أو إلغاء أو دمج أو تعديل حدود الوحدات المحلية الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والثقافية للمنطقة، ورأى السكان أو المواطنين المقيمين فى الوحدة المحلية عن طريق الاستفتاء.
وبالنسبة للاستقلال المالى للحكم المحلى، نصت الدساتير على ضرورة تحقيق الاستقلال المالى للوحدات المحلية وعلى حقها فى فرض ضرائب ورسوم محلية، وفى تملك أراضيها واستخدامها لمصلحة المجتمع. كما نصت على ضرورة وضع آليات من خلال القانون، لتسوية الخلافات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية، وللتوفيق بين الوحدات المحلية وبعضها البعض، وعلى حق هذه الوحدات فى اللجوء إلى المحكمة الدستورية والقضاء، لحماية حقوقها. وأكدت حق المجالس المحلية فى سحب الثقة من الرئيس التنفيذى، بناء على طلب موقع عليه من عدد محدد من أعضاء المجلس، وبموافقة الأغلبية المطلقة على سحب الثقة. كما أكدت على حقها فى تشكيل الاتحادات والمؤسسات المشتركة فيما بينها، والتعاون مع الوحدات المحلية فى الدول الأخرى والتمثيل فى الاتحادات الدولية للسلطات المحلية.
●●●
وفى مصر، تناولت الدساتير المصرية اللامركزية، مع اختلاف المصطلح وعدد المواد. فدستور 1923، تناول المديريات والبلديات ومجالسهما فى مادتين (المادتان رقما 132، 133)، بينما تناول دستور 1956 نظام الإدارة المحلية فى 10 مواد (من المادة 157 إلى المادة 166)، أما دستور 1964، فقد تناوله فى مادتين (150، و151). وجاء دستور 1971 الدائم، متناولا نظام الإدارة المحلية فى 3 مواد هى المواد: 161، 162، 163.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك تباينا بين الدساتير المصرية، فيما يتعلق بالإدارة المحلية. فدستور 1923، كان يتميز بميزتين أساسيتين هما: إفراد فصل مستقل لمجالس المديريات والمجالس البلدية (الفصل الخامس من الباب الثالث)، ومن ثم لم تكن مجالس المديريات ولا مجالس البلديات جزءا من السلطة التنفيذية مثلما حدث فى الدساتير التالية على دستور 1923. والميزة الثانية تمثلت فى اعتبار مجالس المديريات والمجالس البلدية ممثلة للوحدات الإدارية، وهذا ما جاء فى دستور 1956، ولكنه لم يكن واضحا فى دستورى 1964، 1971. أما بالنسبة لدستور 1956، فقد اتسم بأنه تناول الإدارة المحلية فى 10 مواد، كما أنه اعتبر المجالس التى يتم تشكليها بالجمع بين الانتخاب والتعيين ممثلة للوحدات الإدارية. ولكن أهم ما يعيبه أنه اعتبر الإدارة المحلية فرعا للسلطة التنفيذية. وبالنسبة لدستور 1964، فلم يوضح بشكل صريح ومباشر الهيئات التى تمثل الوحدات الإدارية المحلية، وإن كانت لم تختلف فى التطبيق عما كان موجودا فى ظل دستور 1956، حيث كانت هذه الهيئات هى المجالس المحلية. وركز دستور 1971على المجالس الشعبية المحلية، وضرورة نقل السلطة إليها تدريجيا وتشكيلها بالانتخاب المباشر، إلا أنه لم يذكر صراحة أن هذه المجالس هى الممثلة للوحدات الإدارية المحلية، الأمر الذى أعطى فرصة للقوانين أن تنشئ المجالس التنفيذية وتعطيها اختصاصات ربما تكون أكثر من تلك التى تعطيها للمجالس الشعبية المحلية، فضلا عن أن كلمة تدريجيا التى وردت فى الدستور مرتين (مرة فيما يتعلق بأسلوب تشكيل المجالس الشعبية المحلية، ومرة بالنسبة لنقل الاختصاصات) قد أعطت الفرصة للسلطة التشريعية لتغيير هذا الأسلوب والتراخى فى توسيع سلطات المجالس الشعبية المحلية. كما أن الإدارة المحلية جاءت كفرع من فروع السلطة التنفيذية، الأمر الذى كان ذريعة للقيادة السياسية فى العقود الماضية لعدم تمكين المجالس الشعبية المحلية من مساءلة القيادات التنفيذية.
ومقارنة بالدساتير السابقة، نجد أن مشروع دستور 1954 كان أكثر تطورا، حيث أفرد للحكم المحلى بابا مستقلا (الباب الرابع فى 14 مادة). وكان أول ما استخدم مصطلح الحكم المحلى. واعتبر قرارات المجالس المحلية الصادرة فى حدود اختصاصاتها نهائية. ونص على أنه فى حالة الخلاف على الاختصاص الدستورى للهيئات المحلية، فإن المحكمة العليا الدستورية هى التى تفصل فيه. وأكد اختصاص المجالس بوضع موازناتها السنوية، وحساباتها الختامية.
●●●
ونخلص مما سبق إلى أن لكل دستور من الدساتير الأربعة مزاياه وعيوبه، وأن هناك مشاكل عديدة واجهت تطوير الإدارة المحلية فى مصر فى الفترة الماضية، بسبب وضعها فى هذه الدساتير. ومن هنا، فإننا نتطلع إلى أن يكون هناك فصل مستقل بالمحليات فى الدستور الجديد تحت عنوان «اللامركزية والحكم المحلي»، بحيث لا تكون فرعا للسلطة التنفيذية أو لغيرها. كما يجب النص فى هذا الفصل على ما يلى:
أن الحكم المحلى حق للمواطنين وللمجتمعات المحلية، وتقسيم جمهورية مصر العربية إلى مستويين هما: المحافظات، والمدن والأحياء، والقرى، مع جواز إنشاء وحدات محلية أخرى تكون لها الشخصية الاعتبارية، إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك.
اختيار أعضاء ورؤساء المجالس الشعبية المحلية بالانتخاب السرى المباشر.
منح الوحدات المحلية السلطات والاختصاصات التى تمكنها من القيام بدور رئيس فى عملية التنمية، بحيث يقتصر دور الحكومة المركزية على وضع السياسات القومية وعلى الرقابة، ويترك للوحدات المحلية إدارة شئونها ووضع خططها المحلية، انطلاقا من أنها أدرى بمشاكلها وبالحلول المناسبة لمواجهة هذه المشاكل.
تحقيق الاستقلال المالى للوحدات المحلية والنص على حقها فى فرض ضرائب ورسوم محلية، والاستفادة من إيراداتها، وعلى إعطائها سلطات أكبر فى إدارة موازناتها المحلية، مع إنشاء صندوق لتحقيق العدالة والمساواة بين المحافظات وغيرها، لتقديم المساعدات للمناطق التى تقل فيها الإيرادات الذاتية.
التأكيد على الدور الرقابى للمجالس المحلية على القيادات التنفيذية، بحيث يتم إعطاؤها حق سحب الثقة منها، بناء على طلب موقع عليه من عدد محدد من أعضاء المجلس (خمس أعضاء المجلس على الأقل)، وبموافقة الأغلبية المطلقة على سحب الثقة.
ضرورة الأخذ فى الاعتبار عند إنشاء وإلغاء ودمج وتعديل حدود الوحدات المحلية ظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية والثقافية، ورأى المقيمين فيها.
الاستفتاء المحلى كآلية لإشراك المواطنين فى القضايا المهمة التى تختلف فيها الآراء ويكون لها تأثير كبير على المجتمعات المحلية.
خضوع القرارات المحلية للرقابة القضائية والتشريعية وللمراجعة من جانب الأجهزة الرقابية فى الحالات التى يحددها القانون، مع وضع آليات من خلال القانون، لتسوية الخلافات بين الحكومة المركزية والوحدات المحلية، وللتوفيق بين الوحدات المحلية وبين بعضها البعض.
التأكيد على حق الوحدات المحلية فى اللجوء إلى المحكمة الدستورية وللقضاء، لحماية حقوقها، وعلى حق المجالس المحلية فى تشكيل الاتحادات والمؤسسات المشتركة فيما بينها، لتمثيل مصالحها.