بعد فترة ثبات طويلة كان ينظر إليها خلالها كنادٍ لحكام مستبدين، بدأت الجامعة العربية تستعيد دورها مع زلزال الثورات في العالم العربي وباتت تسعى للتعبير بشكل أكبر عن تطلعات شعوبها. ومن منطقة حظر جوي فوق ليبيا القذافي إلى عزل نظام بشار الأسد في سوريا؛ على مدى عام اتخذت الجامعة العربية قرارات لم يكن من الممكن تصورها قبل الربيع العربي عندما كان دورها يقتصر على إعلان الدعم للقضية الفلسطينية.
ولم يكن أمام الجامعة العربية التي يطل مقرها على ميدان التحرير -مركز الثورة ضد نظام حسني مبارك- إلا أحد خيارين: أن تتكيف مع الرياح الجديدة التي تعصف بالعالم العربي أو أن تشيخ وتندثر.
وقال نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي، إن "الجامعة العربية مضطرة أن تتعامل مع هذه القضايا وتقف إلى جانب الشعوب"، مضيفا "لو لم تتخذ هذه المواقف لتم تهميشها ولوجدت نفسها خارج التيار الجارف الداعي إلى الديمقراطية".
وأطاحت الثورات العربية بأربعة من القادة العرب؛ وهم التونسي زين العابدين بن على والمصري حسني مبارك، إلى جانب الليبي معمر القذافي واليمني علي عبد الله صالح.
أما مصير بشار الأسد؛ فتحيط به الشكوك مع التظاهرات التي تعصف ببلاده منذ أكثر من عام بينما تشهد دول عربية أخرى حركات احتجاجية قوية أحيانا مثل البحرين.
وفي يناير 2011، دعا الأمين العام للجامعة العربية آنذاك عمرو موسى، القادة العرب الذين أرادوا تجاهل إسقاط بن علي في تونس، إلى التعامل بلا تردد مع "الغضب والإحباط غير المسبوقين" للشعوب العربية.
وقال في القمة التي عقدت في مصر قبل أيام من اندلاع التظاهرات التي أسقطت مبارك "الثورة في تونس ليست بعيدة عما نناقشه هنا".
وأتاحت الانتفاضة الليبية الفرصة للجامعة العربية للتكيف لأول مرة مع المعطيات الجديدة؛ إذ قررت المنظمة تعليق عضوية ليبيا وأقرت منطقة حظر جوي وهو موقف كان ضروريا لكي يبدأ حلف شمال الأطلنطي عملياته في هذا البلد؛ وساهمت علاقات القذافي السيئة مع جيرانه في هذا التطور.
وأكد بن حلي أن "النظام في ليبيا كان نظاما منبوذا من العديد من الدول العربية وكانت لديه مشاكل مع معظم الدول العربية وهذا سهل العمل"، معتبرا أن قطر كرئيس للجامعة "كان لها بصمة وكان لها دور وحركة فاعلة وهذا أحد العوامل في تنشيط الجامعة لأن الرئاسة مارست دورها بكل قوة وبحركة فاعلة".
ويقول ثيودور كارسيك من معهد التحليل العسكري للخليج والشرق الأوسط، الذي يتخذ في دبي مقرا له إن قطر التي اتخذت موقفا قويا تجاه النظام السوري "تمتلك ثروة كبيرة وتريد أن تكون لها كلمة وتأثيرا" في المنطقة.
ويضيف أن "رئاسة قطر للجامعة جاءت في وقت كانت هذه المنظمة تريد أن تصبح أقوى وأن يصبح لها تأثير فعلي، بدلا من أن تظل مجرد منتدى إقليمي".
وأدى إضعاف مصر بسبب تقلبات المرحلة الانتقالية، وسوريا إلى زيادة مساحة التأثير المتاحة أمام دول الخليج.
غير أن هذا النفوذ الخليجي منع الجامعة من أن تلعب دورا في أزمة البحرين التي يحكمها نظام ملكي سني تدعمه السعودية.
وظلت الجامعة كذلك بعيدة إلى حد كبير عن الأزمة اليمنية التي لعبت دول الخليج الدور الرئيسي فيها ووصلت إلى استقالة علي عبد الله صالح.
ويعتزم الأمين العام الحالي للجامعة الحفاظ على هذا التوجه الجديد. وقد طلب من رئيس لجنة تطوير التعاون العربي وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي إعداد خطة لإعادة هيكلة الجامعة العربية بما يتلاءم مع التطورات في العالم العربي.
ويقول بن حلي إن من بين المقترحات إنشاء "مجلس أمن عربي" قوي.