نظمت مؤسسة الملتقى الأدبى الفكرى بمحافظة الإسكندرية، ندوة ثقافية لمناقشة رواية "مزرعة الحيوانات" للكاتب جورج أوريل، وذلك بمكتبة "الكابينة"، ضمن برنامج الأدب السياسي الذى يحاول قراءة بعض نماذج الأدب السياسي في الشرق والغرب، سواء الروايات التي روجت لفكرة سياسية أو رصدت تاريخا سياسيا أو تتبعت حصاد فكرة سياسية ما وتأثير تلك الفكرة على المجتمعات الإنسانية . و"مزرعة الحيوانات" من تأليف جورج أورويل، وترجمة صبري الفضل، وتتحدث الرواية وهى رواية قصيرة كتبها أورويل عام 1943 عن مزرعة يديرها السيد (جونز) ، والحيوانات في هذه المزرعة تشعر أن أسلوبه في التعامل معها فيه الكثير من الظلم والقسوة والاستغلال . وعملت جملة من الظروف على تصعيد مشاعر النقمة في نفوس الحيوانات.
ومع أول فرصة تعلن الحيوانات في المزرعة الثورة على السيد جونز، وتتمكن من طرده ، لتصبح المزرعة تحت سيطرتها، وتتولى مجموعة من الخنازير لاسيما (سنوبول) و (نابليون) إدارة العمل في المزرعة، وتنظيمه، رافعة خلال ذلك شعارات أو وصايا تدعو إلى الإخلاص في العمل والتفاني فيه لإقامة المجتمع الحيواني الجديد، الذي تنتفي فيه كل أشكال الظلم والاستغلال، ويسوده الرخاء والعدل، وتربط بين أفراده أواصر المحبة والإخاء.
ولكن ماذا لو تحولت هذه الشعارات البراقة إلى سكاكين مسلطة على رقاب الحيوانات؟. هذا ما حدث فعلا، فباسم الحرية استعبِدت هذه الحيوانات، وباسم المساواة استلبت حقوقها، وباسم الرخاء جوعت، وباسم الحياة سفكت دماؤها، وباسم المستقبل أغلقت أفواهها.
وفى الرواية يتمكن الخنزير (نابليون) من طرد رفيق دربه (سنوبول) ، والاستئثار بالسلطة، مستعينا بمجموعة من الكلاب التي دربها منذ كانت جراء صغيرة لتكون جهاز أمنه الخاص، إضافة إلى الخنزير (سكويلير) الذي أنيطت به مهام الإعلامي القادر على تبرير سياسات (نابليون)، وإقناع الحيوانات بحكمة ما يصدر عنه من قرارات أيا كانت طبيعة هذه القرارات، أو الدوافع ورائها، ومهما كان الثمن الذي ستدفعه الحيوانات جراء تنفيذها.
الرواية لا تتضمن إدانة لنظام الحكم الشمولي هذا فحسب، بل إنها تدين إلى جانب ذلك بل ربما قبله حالة الاستسلام الكلي التي يبديها مجتمع الحيوانات تجاه كل ما يمارس ضده من صنوف القهر والظلم.
ومن الناحية الفنية تبدو (مزرعة الحيوانات) ذات بناء شديد الإحكام، ورغم أنها تستمد شخصياتها وأحداثَها وعناصر المكان والزمان فيها من عالم الخيال الذي يحكمه بالطبع منطق آخر يختلف عن منطق العالم الواقعي، إلا أنها مع ذلك كانت قريبة إلى النفس، بل إن المرء يكاد لا يشعر بالغربة تجاه أي من عناصرها تلك، وهو لا يرى في نفسه حاجة إلى أسئلة من نوع: كيف للحيوانات أن تتكلم هكذا؟ . أو: كيف لحصان أن يبكي أو أن يقرأ؟. أو كيف لخنزير أن يستخدم البندقية؟.
(مزرعة الحيوانات) عمل روائي له مكانته المرموقة التي استحقها لا لمضمونه المثير فحسب، بل لقيمته الفنية العالية أيضا.
ولا تعرض الرواية وحسب فساد الثورة على أيادي قادتها، بل كذلك إلى كيف يدمر الانحراف واللامبالاة والجهل والطمع وقصر النظر أي أمل في اليوتوبيا، وتبين الرواية فساد القادة كنقيصة في الثورة (لا يعيب فعل الثورة ذاته)، وتبين كذلك كيف يمكن للجهل واللامبالاة بالمشكلات في الثورة أن تؤدي إلى وقوع فظائع إن لم يتحقق انتقال سلس إلى حكومة الشعب .