الإصلاح والنهضة: النظام الانتخابي الحالي محبط جدًا    من الورق إلى الخوارزميات.. اختبار بقاء للمهنة    استشهاد 50 فلسطينيا في قصف إسرائيلي متواصل على غزة    مصر تهيمن على جدول ميداليات بطولة العالم للتتابعات في الخماسي الحديث    منتخب مصر الأولمبي يفوز على كولومبيا في البطولة الدولية للسلة بالصين    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص بالفيوم    مناقشة كتاب «خمسون عاما على ملحمة الإعجاز» على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    الثور يتجاهل الاستفزازات.. 5 أبراج تفضل الصمت وتتجنب الجدال    المدن الجريحة.. أي درس نستخلصه؟    انطلاق المرحلة الأولى بأسوان.. ماذا حقق "التأمين الشامل" في إقليم الصعيد؟    برشلونة يضع أنظاره على لاعب تشيلسي    هل تنجح الملكية الجزئية للعقار في إنعاش حركة السوق؟    طريقة عمل المبكبكة الليبية فى خطوات بسيطة    بتواجد بنزيما.. اجتماع ثلاثي في اتحاد جدة لحسم الصفقات    سوريا: وقف امتداد النيران على كافة المحاور في حرائق غابات اللاذقية    مصرع شقيقين أثناء الإستحمام بترعة في كفرالشيخ    حدث غريب في فرنسا.. سجين يهرب من محبسه داخل حقيبة زميله المفرج عنه    رئيس أكاديمية البحث العلمي السابق مستشارًا لجامعة بنها الأهلية للبحوث والابتكار    محافظ الشرقية يترأس اجتماع اللجنة العليا للاستثمار بالمحافظة    إيرادات السبت.. "المشروع X" الثاني و"ريستارت" بالمركز الثالث    "شارابوفا مصر".. ريم مصطفى تخطف الأنظار بإطلالة جريئة من ملعب "التنس"    "هوت شورت".. نسرين طافش تخطف الأنظار بإطلالة جريئة على البحر    هل يجوز المسح على الطاقية أو العمامة عند الوضوء؟.. عالم أزهري يوضح    أمينة الفتوى تحسم الجدل حول حكم الصلاة بالهارد جيل    ما حكم استخدام مزيلات العرق ذات الرائحة للنساء؟.. أمينة الفتوى تجيب    الوطنية للانتخابات تدعو المواطنين لتحميل التطبيق الإلكترونى الخاص بالهيئة    "20% من قيمة الصفقة".. المريخ البورسعيدي يضمن مبلغًا ضخمًا من انتقال إبراهيم عادل إلى الجزيرة    محافظ كفرالشيخ يبحث الاستعدادات النهائية لتدشين حملة «100 يوم صحة»    تكييفات «الطاقة الشمسية».. توفير لنفقات المواطن وحماية للبيئة    مايا مرسى تكرم «روزاليوسف» لجهودها فى تغطية ملفات الحماية الاجتماعية    إحالة أوراق صاحب محل وسائق للمفتى بالقليوبية    الرئيس التركي يبحث مع نظيره الإماراتي تخليص المنطقة من الإرهاب    تنسيق الجامعات الأهلية 2025.. تفاصيل الدراسة في برنامج طب وجراحة حلوان    4 أشقاء راحوا في غمضة عين.. التحقيق مع والدي الأطفال المتوفين في المنيا    الأكثر فاعلية، علاج القولون العصبي بالأنظمة الغذائية الصحية    نقيب الصحفيين: علينا العمل معًا لضمان إعلام حر ومسؤول    أخبار السعودية اليوم.. مطار الملك خالد يحقق يقتنص مؤتمر الأطعمة والضيافة في برشلونة    حجز إعادة محاكمة أبناء كمال الشاذلى بتهمة الكسب غير المشروع للحكم    ذكري رحيل السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق.. تعرف على أهم الكتب التي تناولت سيرتها    وكيل الأزهر يدعو الشباب للأمل والحذر من الفكر الهدام    نجم مودرن سبورت.. صفقة جديدة على رادار الزمالك    خبراء: قرار تثبيت أسعار الفائدة جاء لتقييم الآثار المحتملة للتعديلات التشريعية لضريبة القيمة المضافة    وزراء العدل والتخطيط والتنمية المحلية يفتتحون فرع توثيق محكمة جنوب الجيزة الابتدائية | صور    أحدهما يحمل الجنسية الأمريكية.. تشييع فلسطينيين استشهدا جراء هجمات مستوطنين بالضفة    وزير الأوقاف: شراكة الإعلام والمؤسسات الدينية خطوة تاريخية لمواجهة تحديات العصر الرقمي    محافظ أسوان: دخول 24 مدرسة جديدة للعام الدراسي القادم    بعد قبول الاستئناف.. أحكام بالمؤبد والمشدد ل 5 متهمين ب«خلية الإسماعيلية الإرهابية»    الأحوال المدنية تواصل خدماتها المتنقلة لتيسير استخراج المستندات للمواطنين    مكافحة الحرائق.. مشروع تخرج بهندسة المطرية -تفاصيل    مساعدات أممية طارئة لدعم الاستجابة لحرائق الغابات في سوريا    الوطني الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي بإقامة"المدينة الإنسانية" لا يمت بأي صلة للقيم الإنسانية    القديس يعقوب بن زبدي.. أول الشهداء بين الرسل    لاعب الأهلي السابق يكشف عن أمنيته الأخيرة قبل اعتزال الكرة    حالة الطقس في الإمارات اليوم.. صحو إلى غائم جزئياً    هل يحق للعمال مطالبة المؤسسة بالتدريب والتطوير؟    مستوطنون يحرقون بركسا زراعيا في دير دبوان شرق رام الله وسط الضفة    في شهادة البكالوريا .. اختيار الطالب للنظام من أولى ثانوى وممنوع التحويل    «دوروا على غيره».. نجم الزمالك السابق يوجّه رسائل نارية لمجلس لبيب بسبب حمدان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نداء الشعب ..بهجة الزحف المقدس
نشر في الشروق الجديد يوم 08 - 03 - 2012

منذ سنتين، أطلقنا في حوارنا مع شريف يونس، مقولة تبدو غير منطقية الآن، وهي:" د.شريف يونس اسم بدأ يتردد بقوة في الآونة الأخيرة"، حيث أصبح يونس، المترجم والباحث، الآن ملء السمع والبصر، في مجاله، أولا بفضل ترجمته للكتاب المهم "كل رجال الباشا" للدكتور خالد فهمي، وثانيًا بعد صدور كتابه الصعب والمتعب "نداء الشعب.. تاريخ نقدي للأيديولوجيا الناصرية" عن دار الشروق.
لم يبالغ الشاعر أشرف يوسف، المحرر العام بدار العين، حين وصف يونس بالغلاف الخلفي لكتابه "مسارات الثورة" الصادر حديثًا أيضًا عن العين، باعتباره ".. من المؤرخين الجدد البارزين في مصر الذين أخذوا على عاتقهم تجاوز رؤية المدرسة القومية في قراءة التاريخ؛ بالتحرر من الأيديولوجيا وهدم الأصنام، وطرح أسئلة جديدة وليس تقديم إجابات جديدة على أسئلة قديمة"، وهذا صحيح، فمن يقرأ كتبه أو مقالاته يجدها صادمة للناس؛ إذ تقدم جانبًا آخر من تاريخ مصر لم نتعود على قراءته.
أبناء مهنة الكتابة، يعرفون أن أفضل طريقة لتقديم قراءة في كتاب ما، تأتي بعد أن نغلق الكتاب، ومن ثم تبدأ الأفكار في التدفق من الذاكرة، فيبتعد عن الاقتباس، ويكتب متأثرًا بانطباعاته الأولى عن هذا الكتاب، ولكن كيف الحال مع كتاب مثل "نداء الشعب"، خاصة إذا عرفنا أن غرض المؤلف الأكبر هو "تقديم شكل مختلف من الكتابة والمناقشة حول كل ما ورثناه، وتعودنا عليه"؟ إذًا، عمل يونس في الأساس، بلا تواضع زائف، يجدد ذهننا بتغيير عاداتنا في القراءة والكتابة.
في 2005 نشر يونس جزءًا صغيرًا من هذه الدراسة، وهي "تعبه وشقاه 11 سنة" بتعبير يونس، بعنوان " الزحف المقدس" عن دار ميريت للنشر، وقتها حدث جدل حوله، وكتب كثيرون ينتقدون هذا الجزء الصغير، ومنهم الكاتب المشاغب شعبان يوسف، واعتبره البعض "اعتداء على تاريخ مصر، وعلى الحقيقة"، طبعًا كانوا يقصدون تاريخ "الناصرية"، هذا عن الجزء الصغير من الدراسة، فمابالنا بنشر الدراسة الكاملة التي صدرت في 754 صفحة؟!


يبدو يونس كمن يدس السم في العسل، يكتب عن الناصرية، التي يبدو أن الباحث يقف منها موقف "غير المرتاح" بالكامل لها، ينبه الناس إلى وثنية عبادة "الناصرية"، إذا جاز التعبير، وعلى الناصريين دحض كلامه، وعدم اعتبار كتابه مؤامرة أو خطة للقضاء على الناصرية، ف" ليست الأيديولوجيا في عرف هذه الدراسة إذن خطة أو مؤامرة".
في الإهداء "إلى شهداء وأبطال الثورة المصرية الذين كشفوا على أرض الواقع خواء اسم الشعب"، يقرر يونس خواء المقولة المحورية للأيديولوجية الناصرية "كل الحرية للشعب ولا حرية لأعداء الشعب"، حيث يرى أن "غاية ما يُستفاد من النص بمعناه الحرفي أن السكان تم تقسيمهم إلى شعب وأعداء، والأولون غير محددين أصلا، وينالون شيئًا غامضًا يُسمَّى "كل الحرية"، بينما ينال الآخرون، غير المحددين لعدم تحدد الطرف الأول، شيئًا لا يقل غموضًا هو "اللاحرية" (تبدأ مثلا بالحرمان من الحقوق السياسية، وحتى التعذيب وصولا إلى القتل فى المعتقلات)".
تجاوزًا لرؤيته الفلسفية عن النقد والأيديولوجية، وهي رؤية ثقيلة على القارئ الذي تعود على الكتابات السهلة، أو على قراءة كتاب لا يحمل بين ضفتيه إلا مجموعة من المقالات نُشرت هنا أو هناك، نحتك بفكرته عن الأيديولوجية، بوصفها ليست فكرًا سياسيًا، وإنما هي دراسة الوعي العام وتشكيله، ونعرف أن هذه الأيديولوجيا مصطلح غامض، يتضاعف في حالة النظام الناصري، الأكثر كلامًا في تاريخ البلاد، عن نفسه، وعن ظروف قيامه وأهدافه، وأسس شرعيته والمبادئ التى يقوم عليها.
وبخبثٍ محمود، يشير يونس إلى أن كلام تلك الفترة، لم يكن شرحًا لما يجب عمله، ولا تغطية بسيطة على ما يجري بالفعل، بمعنى أنه أكاذيب، بل هو فعل سياسي يشكل حجر الزاوية في بناء النظام السياسي الجديد؛ لذا فهو كلام في الأيديولوجيا، ومن إحدى النواحي كانت كثرة الكلام بديلا عن الوضوح المؤسسي، أو بعبارة أخرى، كان هذا الكلام بديلا عن عجز النظام، لأسباب تتعلق بطبيعته السلطوية وظروف نشأته.
انظر مثلا، استكماله لذلك الخبث، حين يشير إلى أن السد العالي لا يجب التعامل معه كشاهد حكم على الفترة الناصرية أو طرح سؤال: هل كان السد جيدًا أم سيئًا؟ والذي يجيب عنه :"الحال أن السد، كمجرد مثال، لم يكن أكثر من تتويج لسلسلة من مشروعات الري التي بدأت مع عهد محمد علي، وحتى إقامة خزان أسوان ثم تعليته مرتين، وقبل السد العالي كان أربعة أخماس الأراضي الزراعية، تتبع نظام الري الدائم بكل محاسنه ومساوئه، فلم يزدد دور السد عن مضاعفة "حسنات" و"سيئات" الري الصناعي الحديث".
في الكتاب، الكثير من الأفكار والموضوعات التي تستحق النقاش، والتي لا يسعها ضيق المساحة هنا، لعرضها بالكامل، ولعل الصدق واجب أن ما كتبته في السطور السابقة، هو فقط مناقشة بسيطة للمقدمة العميقة للكتاب الذي يشتمل على أربعة أبواب، وهي: إنتاج الشعب والمدينة الفاضلة والثورة الدائمة والناصرية، ثم تذييله المهم في نهاية كتابه عن "الناصرية في التاريخ"، ورؤيته أن نظام يوليو قام لكى يقود السكان في عملية فرار من ماض ٍمكروه، أما المستقبل فكان في خطوطه العريضة متابعة أوهام ساخطي الثلاثينيات والأربعينيات، في إرساء دعائم ثابتة لدولة نشطة ومزدهرة وموحدة وقوية، على أساس الهوياتية السلطوية، الوطنية بشكل عام.
وعلى الوسط الثقافي ألا يفوت هذا الكتاب، الذي من المؤكد أنه سيثير جدلا واسعًا، حول رؤيتنا عن حكم العسكر القدامى، والحاليين، وكيفية إنتاج مقولة "الشعب"، الذي يبدو أنه خارج حسابات من هم في السلطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.