لما لا نمنح المستحيل فرصة كى يصبح محتملا أو أملا؟ سؤال طرحه العقيد أركان حرب ثروت عكاشة على نفسه، عندما كان وزيرا للثقافة والإرشاد القومى فى الفترة بين 1958 و1963، وكان يحلم ب«يدا عملاقة تندس فى أعماق التربة وتزحزح هذه المعابد الهائلة معابد فيلا ومعبد أبوسمبل من مرقدها وتصعد بها إلى قمم الجبال حولها»، لتنقذ هذه الاثار من خطر مياه البحيرة التى ستغمرها بعد بناء السد العالى. حكى ثروت عكاشة عن هذا الجدل فى مقدمة كتابه (مصر فى عيون الغرباء) الصادر عن دار الشروق فى مجلدين وكانت طبعته الأولى فى 1984، وكشف فى مقدمة الكتاب عن أسئلة كثيرة دارت فى خُلده، كانت هذه الأسئلة «كيف لثورة يوليو 1952 أن تشترى رخاء المستقبل بالتفريط فى معالم خالدة من تراث الماضى؟ وكيف يكون مستقبلنا مشرقا إلا إذا كان امتدادا لماضينا العريق؟ وهل يمكن أن يتحقق النمو الاقتصادى دون وعى ثقافى؟ وهل يكتمل الوجه الحقيقى لثورة يوليو إذا شيدت السد العالى الذى يهدف إلى رفع مستوى معيشة الانسان المصرى المعاصر دون أن تحافظ على أسمى ما أبدعه الإنسان فى تاريخه البعيد، وهل يتألق وجدان الإنسان الحاضر إذا وجد ما يشبعه من ماديات دون أن يجد إلى جانبه ما يشبع حسه وروحانياته؟». لم تستطع الخلفيات العسكرية والوظيفية للكاتب والمفكر ثروت عكاشة أن تمنعه من أن يطرح هذه الجدليات الضخمة حول سياسات ثورة يوليو، فتاريخه الوظيفى بدء بعد تخرجه فى الكلية الحربية ثم التحق عام 1945 بكلية أركان الحرب، حيث توثقت صلاته بزميليه فى الكلية جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر، ثم انضمامه لحركة الضباط الأحرار فى 1948.
رغم يقينه «بأن هذا الحلم أقرب إلى عالم الخيال منه إلى عالم الواقع، ومع علمى بأن حكومتنا مشغولة بهموم فك قيود الفقر عن ملايين المواطنين بما لا تحمل معه أن توفر من مالها وطاقتها المحدودين ما ينقذ للبشر تراث أسلافهم القدماء».
أهدى ثروت عكاشة كتابه الرابع إلى حفيده، فى خطاب طموح نفتقده الآن بين جيلين يكمل كلاهما الآخر» كتابى هذا الذى يصف لك مصر فى الماضى غير البعيد على لسان بعض المؤرخين والأدباء والفنانين الأوروبيين، منهم من هو مغرض ومنهم وهو منصف، ولسوف تقرأ هذا كله لترى أين سيكون مكانك فى حياة مصر، وكم أتمنى أن تكون من بين من تنشدهم مصر للنهوض بها».
على المرء أن يقرأ ما كتب عنه بأقلام الغير، هى وجهة نظر عكاشة التى سيطرت عليه فى لحظات إعداده لكتاب (مصر فى أعين الغرباء)، الذى يجمع فيه بعض ما كتب عن مصر والمصريين فى فترة زمنية محددة هى القرن التاسع عشر، تنوعت مقتطفاته بين صور فوتوغرافية ولوحات وتدوينات لأدباء ومؤرخين أوروبيين.
لم يفرض عكاشة نفسه واصيا على قرائه، رغم أن ذلك ليس بعيدا عن طبيعة الشخصيات العسكرية، وطلب من قرائه أن يتحملوا مسئولية أحكامهم الخاصة بهم على المادة التى يعرضها عليهم موجزا ذلك فى عبارة «على القارئ التمييز بين ما هو حق أو باطل سواء كان إطراء أو ذم».
كسر عكاشة فى مقدمة الطبعة الثانية لكتابه التى كتبها فى ابريل 1999، الصورة الذهنية عن أبناء المؤسسة العسكرية أصحاب النظرة الأحادية السلطوية، عنما سطر عبارات «هى نظرات مختلفة منها المادح ومنها القادح ولكل نزعاته التى يملى عنها، وعلى المرء أن يعلم هذا كله ليستوى بين يديه تاريخه التاريخ ليس إطراء فحسب بل معدى إلى جانب الإطراء إلى كلمات قد تبدو لاذعة وليس صفوا كله وقد ينطوى على ما يعيب وما يشين».
استعان ثروت عكاشة بالمستشرق الفرنسى جان مارى كاريه صاحب كتاب الرحالة الفرنسيين فى مصر عام 1932، وعاد عكاشة فى بحثه إلى مصادر هذا الكتاب التى حصل منها على المزيد من صورة الشرقيين لدى الغرب، وقارن عكاشة هذه التدوينات الغربية بتدوينات المؤرخ المصرى المعاصر لهم عبدالرحمن الجبرتى.
ويوصف هذا الكتب بأنه رد فعل لحركات الاستشراق، فكما تمثل كتابات المستشرقين تكوين صورة ذهنية للشرق عند أهل الغرب، بدء أهل الشرق فى البحث عن ماهية صورتهم عند الغرب.