«التجارة» تنفي صدور قرار بشأن وقف الإفراج عن السيارات الواردة للاستعمال الشخصي لمدة 3 أشهر    قرار عاجل من محافظ الإسكندرية بشأن غرامات الذبح في عيد الأضحى (تفاصيل)    مستشار الرئيس الفلسطيني: قرارات «العدل الدولية» تحتاج لتبني مجلس الأمن لتنفيذها    الرئيس السيسي ونظيره الأمريكي يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة    حسن نصر الله: إسرائيل لم تحقق أي هدف لحربها وعليها أن تنتظر مفاجآت منا    عاجل.. صدمة للترجي قبل ساعات من لقاء الأهلي على لقب دوري الأبطال    مران الأهلي - ختام الاستعدادات لنهائي دوري أبطال إفريقيا بحضور الخطيب    مباشر سلة BAL - الأهلي (0)-(0) الفتح الرباطي.. بداية اللقاء في المرحلة الترتيبية    30 ألف طالب يؤدون امتحانات الدبلومات الفنية في كفر الشيخ غدا    إعلان جوائز مهرجان كان السينمائى ال77 غدا    استشارة طبية.. مركبات ستاتن هل تصيبنا بالسكر؟    متصلة: أنا متزوجة وعملت ذنب كبير.. رد مفاجئ من أمين الفتوى (فيديو)    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    منتخب مصر للساق الواحدة: تعرضنا لظلم تحكيمي ونقاتل للتأهل لكأس العالم    الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة جثامين 3 أشخاص قتلوا في هجوم 7 أكتوبر خلال عملية بشمال غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    إستونيا تستدعي القائم بأعمال السفير الروسي على خلفية حادث حدودي    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    الرئيس البرازيلي: منخرطون في جهود إطلاق سراح المحتجزين بغزة    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    «دولارات الكونفيدرالية» طوق نجاة الزمالك    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    عادل عقل يكشف صحة هدف الزمالك وجدل ركلة الجزاء أمام فيوتشر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة المصريين على عسكر (البرديسى) تتجدد: (إيش تاخد من تفليسى يا برديسى)
الثورات تصل لمبتغاها مهما حاول المستبدون وحاكوا الحيل والوسائل والمكائد
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 02 - 2012

«وخرج الناس من بيوتهم يضجون ويصخبون، واحتشدوا فى الشوارع حاملين الرايات والدفوف والطبول، وأخذوا يستمطرون اللعنات على الحكام، وكان احتشاد الجماهير وغضبهم وتجمهرهم من نُذر الثورة والتمرد، فأخذت روح الثورة تنتقل من حى إلى حى حتى عمت أنحاء المدينة، واستولى الشعب الثائر على الميادين والشوارع».

هذا ما كتبه الرافعى عما حدث فى 25 من ذى القعدة سنة 1218ه مارس 1804م، والغريب أن ما حدث فى بدايات القرن التاسع عشر ومقدمات الأحداث التى سبقت خروج الناس وغضبهم وثورتهم على الظلم والقهر يتشابه فى أوجه كثيرة لمقدمات ثورة 25 يناير 2011، مما يؤكد لنا أن الحكام لا يجيدون قراءة التاريخ إن كانوا يقرءون أصلا ولا يتمكنون من استقراء دلائل ومقدمات الثورات التى تسبق العصف بعروشهم، التى غالبا ما يشاركون هم فى تأجيجها وإشعال فتيلها بظلمهم وجورهم وشدتهم على الناس، والاستهانة بهم والاستيلاء على حقوقهم والاستهزاء بقدراتهم على الخروج والثورة على طغيانهم.

لقد كانت مجريات الأمور مقدمات لتلك الثورة فعندما خرج جيش الاحتلال الفرنسى من مصر سادت حالة من الفوضى أرجاء البلاد وأصبح النزاع على حكم مصر الهدف الأسمى لكل من العثمانيين والمماليك، فحاول كل طرف منهما السيطرة على مقاليد الحكم مرة أخرى، واشتد أوج الصراع وامتد شرره حتى وصلت الأمور إلى استدراج وقتل على باشا الجزائرى الوالى العثمانى المعين فى يناير 1804 والذى كان هو الآخر كأغلب سابقيه من الولاة العثمانيين ظالما للرعية سفاكا للدماء.

بل إن حالات من الصراع دارت بين الأمراء المماليك بعضهم البعض وتحديدا بين عثمان بك البرديسى ومحمد بك الألفى الذى عاد من رحلته إلى انجلترا فى فبراير 1804 محملا بآمال عريضة بأن تسعى انجلترا لدى السلطان العثمانى لتعيينه فى حكم مصر، وقد كان ظهور الألفى للعيان مرة أخرى مدعاة لإثارة هواجس محمد على الذى سعى حثيثا هو الآخر فى العمل على إقصاء كل القوى الظاهرة أمامه لإفساح الطريق لطموحاته فى تولى حكم مصر، ولحسن حظه أن البرديسى لم يكن ليقف موقف المتفرج حيال ظهور الألفى مرة أخرى فى بؤرة الأحداث، فعمل على التخلص منه بالقتل، وعندما علم الألفى بذلك هرب إلى الصعيد انتظارا لما تسفر عنه الأحداث المتصاعدة بالقاهرة.

ولم تدم فرحة البرديسى طويلا فقد وجد نفسه فى جانب والشعب فى جانب آخر، الشعب الذى أنهكه الظلم وكثرة الضرائب التى تفنن المماليك وغيرهم فى فرضها عليه، فاشتدت الأيام قسوة وبطشا بالناس على أيدى أمرائهم وازداد الأمر سوءا بحدوث الجفاف الذى أصاب الأراضى الزراعية لنقص مياه النيل، مما أدى إلى نقص الغلال وارتفاع أسعار السلع فى الأسواق، إضافة إلى ظلم جنود المماليك للمصريين وجورهم ونهبهم لممتلكات الأهالى. كما ظهرت فى الأفق أزمة جديدة متكررة فى تلك الأثناء حين طالب الجنود برواتبهم المتأخرة، فوعدهم البرديسى بتدبير تلك الأموال خلال أيام، وأنى له الحصول على تلك الأموال دون ظلم الناس والتضييق عليهم وفرض ضريبة جديدة، وكما ذكر الجبرتى «فشرعوا فى عمل فِردة على أهل البلد، وشرعوا فى كتب قوائم لذلك، ووزعوها على العقار والأموال أجرة سنة تذكر قانون الضرائب العقارية لبطرس غالى يقوم بدفع نصفها المستأجر، والنصف الثانى يدفعه صاحب المِلك، وفى يوم الأربعاء 24 ذى القعدة 1218ه 6مارس 1804م، سرح كُتَّاب الفِردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الأجناد، وطافوا بالأخطاط يكتبون قوائم الأملاك ويصقعون الأجر، فنزل بالناس ما لا يوصف من الكدر مع ما هم فيه من الغلاء ووقف الحال، وذلك خلاف ما قرروه على قرى الأرياف، فلما كان فى عصر ذلك اليوم نطق أفواه الناس بقولهم: الفِردة بطّالة، وباتوا على ذلك.

ويستطرد وفى يوم الخميس 25 ذى القعدة أشيع إبطال الفِردة مع سعى الكتبة والمهندسين فى التصقيع والكتابة، وذهبوا نواحى باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى، فضج الفقراء والعامة والنساء بهم، وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الأمراء مثل: «إيش تأخذ من تفليسى يا برديسى»، وصبغن أيديهن بالنيلة وغير ذلك، وخرجوا ومعهم طبول وبيارق، وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع إلى الجامع الأزهر».

وهناك أمر يثير الاهتمام ويلفت الانتباه بما حدث من قيادات وجنود الشرطة فى 25 يناير 2011 وما حدث من جنود الأرناؤوط فى 25 ذى القعدة 1218، فالشرطة لم تهتم بغضبة الناس وبوادر الثورة وحاولت مقاومتها بقسوة وشراسة على عكس ما قام به عسكر الأرناؤوط الذين كانوا منتشرين فى الأسواق وطالما أذاقوا الناس العذاب واستولوا على ما معهم، والذين وقفوا وقتئذ موقف الرعب والخوف من خروج الناس وحاولوا أن يجعلوا أنفسهم فى حياد مما يحدث بين الشعب وحكامه على الرغم من أنهم أداة لهؤلاء الحكام، فقالوا كما ذكر الجبرتى: «نحن معكم سوا سوا أنتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفِردة، ومرتباتنا على الميرى ليست عليكم، أنتم أناس فقراء».

أما البرديسى الذى كان على وشك السقوط فلم يستجب لخروج الشعب وثورته ضد الظلم والقهر والفساد، ووقف حيال مطالبه بكل عسف وجور وكما ذكر الجبرتى «فإنه أظهر الغيظ وخرج من بيته مغضبا إلى جهة مصر القديمة، وهو يلعن أهل مصر !! ويقول: «لابد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات، وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لأوامرنا».

ويشير الرافعى إلى محمد على ودوره فى كشف المماليك أمام الشعب وانضمامه إلى العلماء والمشايخ واختلاطه بعامة الشعب فى ثورتهم وتعهده ببذل جهوده لرفع هذه الضريبة، فاغتنم تلك اللحظة وهاجم الجنود المماليك بالقاهرة حتى فروا منها مثل قائدهم البرديسى، وقتل منهم 350 جنديا. ويضيف الرافعى بأن الثورة انتشرت من القاهرة إلى رشيد ودمياط وسائر العواصم على الحكام المماليك فهربوا إلى الصعيد ودالت دولتهم وانقضى حكمهم من البلاد ولم تقم لهم بعد ذلك قائمة، وفى اليوم التالى أبطلت الضريبة التى كانت سببا فى اشتعال نار الثورة».

وهنا تؤكد لنا مجريات التاريخ أن ثورات الشعوب لابد أن تصل لمبتغاها مهما حاول المستبدون وحاكوا الحيل والوسائل والمكائد التى يظنون أنهم بذلك يحولون دون انتصارها.

ما أشبه اليوم بالبارحة!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.