سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأمم المتحدة: الحرمان الذى يعانى منه المصريون أكبر مما يتوقعه أحد البيانات الحكومية فى مصر لا تعكس الصورة الحقيقية لعدم المساواة .. والزيادة فى الناتج المحلى الإجمالى صاحبها انخفاض فى دخول العديد من المواطنين
«معدل النمو ارتفع إلى 7%».. «نسبة الفقراء تراجعت إلى 20% من السكان».. «البطالة انخفضت إلى 9%»، عبارات تغنى بها أعضاء النظام السابق عند افتتاحهم مؤتمرات الحزب الوطنى المنحل، وكان المصريون يحلمون باللحظة التى يشعرون فيها بأى انعكاس لهذه المؤشرات على حياتهم ومعيشتهم، ولكن للأسف فإن «الثروة التى حققتها مصر لم تنعكس على رفاهية مواطنيها، ولا يمكن أن يحدث هذا مع استمرار السياسات الاقتصادية الحالية»، بحسب تقرير برنامج الأممالمتحدة الإنمائى، الذى جاء بعنوان «تحديات التنمية فى الدول العربية 2011.. نحو دول تنموية فى المنطقة العربية». وأعده بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو) وعدد من الخبراء الدوليين. وتبعا للتقرير، جاءت مصر فى مقدمة الدول العربية التى يرتفع بها الفقر البشرى، محتلة المركز الثانى على مستوى 22 دولة فى مؤشر التنمية البشرية، الذى تعده الأممالمتحدة ويقيس مدى الحرمان الذى يعانى منه المواطنين فى الصحة والتعليم ومستوى المعيشة، وقد اعتبرت الأممالمتحدة أن «الفقر الذى يعانى منه المصريون أكبر مما يمكن أن يتوقعه أحد بالنظر إلى نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بالبلاد».
وهذا الأمر بدأ فى الظهور جليا منذ عام 1997، تبعا لتقديرات المؤسسة الدولية، التى أوضحت أنه بالنظر إلى نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى فى مصر فى عام 1997، كان يجب أن تكون مصر عند النقطة 33 على مؤشر التنمية البشرية، إلا أنها كانت أقل بعشر درجات، وهو الوضع الذى ازداد سوءا فى 2007، حيث كانت لابد أن تكون عند النقطة 23.5، إلا أن مؤشرات التنمية البشرية انخفضت عندها إلى 15.8 نقطة، فكلما تراجع عدد النقط التى حققتها الدولة على المؤشر، كلما عكس ذلك مدى الحرمان والفقر الذى يعانى منه مواطنيها.
وعلى الرغم من أن مؤشرات التنمية البشرية أقل فى تونس من مصر، فإن الفرق بين مستوى الفقر الذى تعانى منه، وما هو متوقع بالنظر إلى الناتج المحلى الإجمالى لها أقل، فبينما كانت لابد أن تسجل 23.6 نقطة على المؤشر فى 1997، فإنها سجلت 15.9نقطة، ولكنها تمكنت من تحسين وضعها نسبيا فى 2007، ليكون الفرق بين ما هو محقق وما هو متوقع 3 نقاط فقط، وهو ما يعنى أن تونس استطاعت أن تخفض الفقر البشرى بنسبة أكبر وأسرع من مصر، بحسب بيانات الأممالمتحدة.
وقد واجهت الأممالمتحدة مشكلة عند إعدادها التقرير فيما يتعلق بتقديرات عدم المساواة التى يعانى منها العرب، فعند اعتمادها على البيانات الحكومية الخاصة بالإنفاق الاستهلاكى لمختلف فئات المجتمع فى كل دولة، وجدت أن الفجوة بين الأقل والأدنى ليست كبيرة، هذا على الرغم من أن «حقائق الأيام الحالية تؤكد على وجود استبعاد اجتماعى فى المنطقة العربية، وتشير إلى التفاوت الكبير فى الثروة والإنفاق، وهو ما يتناقض مع الأرقام»، بحسب تعبيرها.
إلا أن المؤسسة الدولية استطاعت أن تجد مبررا لهذا التناقض، فمن خلال استطلاع رأى ضخم قامت به على مختلف فئات القطاع العائلى، مستبعدة منه أعلى 5% دخلا، توصلت إلى أن بيانات الإنفاق الاستهلاكى التى تعلن عنها الحكومة أكبر بكثير من الواقع، «وهو ما يظهر فى مصر بوضوح، فالتقديرات الحكومية بها تؤكد أنها حققت نموا تعدى ال5% فى عام 2000، إلا أن استطلاع الرأى يظهر أن مستويات الاستهلاك كانت فى هذه السنة ثابتة أو متراجعة»، كما تقول الأممالمتحدة.
«وتعتبر مصر من أكبر الدول التى تختبر فوارق هائلة بين مختلف محافظاتها سواء من حيث الدخل أو مؤشرات التنمية التى يتمتع بها الإنسان، والأسوأ من ذلك أن هذا الأمر لم يتحسن بمرور الوقت»، بحسب تعبير الأممالمتحدة.
فالمال والتنمية متركزان فى المحافظات الحضرية الكبرى، وبشكل خاص القاهرة والإسكندرية، وفى المقابل يعانى سكان الصعيد من حرمان كبير، فهناك خلل فى التنمية الاقتصادية بمصر، وهو ما جعل مساهمة الزراعة فى الناتج المحلى الإجمالى تنخفض بمعدل سريع خلال السنوات الماضية، فى الوقت الذى لا يرتفع فيه عدد المنضمين لهذا القطاع، وبالتالى فإن متوسط دخل الفرد تراجع بشدة فى المناطق الريفية، مقارنة بالمناطق الحضرية.
ولم يساهم نظام الدعم الذى تتبناه مصر فى تحسين أحوال فقرائها، فالأكثر ثراء يستفيدون من هذا الدعم، خصوصا الموجه للوقود.
وينعكس الاستبعاد الاجتماعى المنتشر فى مصر على مستوى الخدمات العامة التى يتلقاها مواطنوها من تعليم وصحة وحماية اجتماعية، ولذلك أوصت الأممالمتحدة المسئولين فى مصر بعدم الاعتماد على متوسطات الأرقام بها، لأنها لا تعبر عن حقيقة الوضع، والانتباه إلى الفوارق الكبيرة بين محافظاتها.
وهذا الاستبعاد الاجتماعى يرجع إلى الاستبعاد الاقتصاد السائد فى مصر، والذى يرجع إلى عدة عوامل، منها عدم القدرة على توفير وظائف لائقة، وانضمام المشروعات الصغيرة إلى منظومة الإنتاج، ولكن العامل الأساسى يرجع إلى عوامل سياسية تتمثل فى استئثار رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من النظام الحاكم بالمنافع الاقتصادية. وهو ما أدى إلى أن الزيادة فى نمو الناتج المحلى الإجمالى كان يصاحبها انخفاض فى الدخل الحقيقى لعدد كبير من المواطنين.
وليس القطاع الزراعى وحده هو الذى يعانى من عدم الاهتمام، فالصناعة أيضا لا تنال الاهتمام المطلوب، فقد تحولت مصر إلى دولة صناعية بشكل غير مكتمل، فمساهمة الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى بالأسعار الثابتة ارتفعت بشكل هامش، وعند حسابها بالأسعار الجارية نجد هذه المساهمة تراجعت، كما هو الوضع أيضا فى مساهمة التصنيع فى استيعاب العمالة التى قلت بشكل واضح.
ومع عدم قدرة القطاعين الزراعى والصناعى على استيعاب نسبة كبيرة من العمالة، لجأ عدد كبير من المصريين إلى القطاع غير الرسمى، الذى لا يؤمن على العامل ولا يضمن له أى حقوق، وتبعا للأمم المتحدة، فإنه خلال الفترة من 2000 إلى 2007 كان 50% من العمالة التى تعمل فى غير القطاع الزراعى تعتبر عمالة غير رسمية، مقابل 35% فى دولة مثل تونس.