عرفت قضية منع الحكومة المغربية لمجلات فرنسية معروفة من التوزيع داخل البلاد بسبب المسّ بالذات الإلهية وشخص الرسول (صلى الله عليه وسلم) تداعيات جديدة بدخول المنظمة الحقوقية الأمريكية غير الحكومية "هيومن رايتس ووتش" على الخط، حيث طالبت أخيراً الحكومة بإلغاء منع تلك المجلات. وأثار قرار وزارة الاتصال قبل أيام بمنع العدد الأخير من مجلتي "لونوفيل أوبسيرفاتور" و"بيرلان" ذات التوجه الكاثوليكي، جدلاً حقوقياً بين من يرى أحقية السلطات الرسمية حظر توزيع تلك المجلات لإساءتها للدين الإسلامي، وبين من اعتبر أنه من الحرية دخول تلك المطبوعات إلى البلاد، وترك حرية الحُكم للقارئ إزاءها.
الإساءة إلى الدين والقيم
وبرّر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، قرار منع توزيع مجلة "لونوفيل أوبسيرفاتور" كونها نشرت صورة على أساس أنها للذات الإلهية، فيما نشرت مجلة "بيرلان"، وتعني "الحج" بالفرنسية، صورة بطريقة مشوهة وغير لائقة تدعي بأنها تخص النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
واعتبر الخلفي أن قرار حظر توزيع هذه المجلات داخل المغرب يلائم ما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي صدر في 11 أبريل 2011 حول مناهضة تشويه صورة الأديان، حيث شدد ذلك القرار الأممي على منع جميع الأفكار القائمة على التحريض على الكراهية الدينية أو على التمييز العنصري، وبالتالي يكون قرار منع المجلات الفرنسية المعنية سليماً وموافقاً للقانون الدولي، ولا علاقة له تماماً بالمسّ بحرية التعبير، وفق المسؤول الحكومي.
ووافق الدكتور خالد السموني الشرقاوي، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، هذا الرأي الرسمي بمنع مجلات ومطبوعات تسيء لقيم المجتمع الإسلامي، معتبراً أن الحق في حرية التعبير لا يعني بتاتاً تجاوز القيم والتقاليد الخاصة بالمجتمع، أو الاصطدام معها.
وقال الناشط الحقوقي إن أفراد المجتمع المغربي أغلبهم مسلمون، ولهم حقوق منها احترام دينهم وتقاليدهم وأخلاقهم، مشيراً إلى أنه حتى القانون الدولي يأخذ بعين الاعتبار قيم المجتمعات، ومستدلاً بخروج الإنسان عارياً كما ولدته أمه، فهو من حريته الشخصية، لكنه نظراً لقيم المجتمع سيكون ذلك بمثابة حالة نشاز لا يمكن قبولها.
وخلص الشرقاوي إلى أن مبدأ حرية التعبير أمر نسبي، فالحرية ليست مطلقة بالكامل، أما ترك المجال للحرية دون ضوابط ولا حدود معقولة، فإنه قد يخلق نوعاً من الفوضى داخل المجتمع إذا ما مسّت تلك الحرية المطلقة جوهر حقوق الأفراد.
انتهاك حرية التعبير
وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحكومة المغربية بإلغاء منع توزيع العدد الأخير من تلك المجلات، مُبدية استغرابها - في بلاغ لها صدر أخيراً - من تصريحات وزير الاتصال المغربي، الذي قال إن قرار المنع يلائم قراراً من الأممالمتحدة يحظر الإساءة للأديان، باعتبار أن الأمر يتعلق بإحدى مواد الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية، حيث جاء فيها حظر "أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف".
وأفاد بلاغ المنظمة الحقوقية الدولية بأن منع تلك المجلات يتضمن نوعاً من انتهاك حرية وحق المغاربة في معرفة مضامين هذه المطبوعات، ومن ثم يقررون بأنفسهم قراءتها من عدمه، مشيراً في هذا الصدد إلى أن الدستور الجديد للبلاد ينص على الحق في حرية التعبير وحرية الصحافة.
ومن جانبها، وصفت مجلة "لونوفيل اوبسيرفاتور" على موقعها الإلكتروني، يوم الاثنين 13 فبراير الجاري، قرار الحكومة بمنع العدد الأخير من دخول المغرب بكونه قراراً "غير مقبول ومقلق"، على حد قول لوران جوفران مدير المجلة الفرنسية.
وأوضحت المجلة أن الصورة التي قرر المغرب على إثرها منع المجلة ليست في الواقع سوى رسم من فيلم "بيرسيبوليس" للمخرجة الإيرانية مرجان ساترابي، والذي يتطرق إلى الوضعية الحالية للنساء في تونس، وبالتالي في المغرب أيضاً لتشابه البلدين الإسلاميين معاً.
وكتب الفيلسوف الفرنسي دانييل سالفاتور شيفر مقالاً بعنوان "الديكتاتورية في المغرب: سكوت.. هناك رقابة"، نعت فيه منع الحكومة المغربية أخيراً للمجلات الفرنسية، وقبلهما تم منع أحد أعداد مجلة "اكسبريس"، بأنه حظر ينم عن سلطوية واضحة وظلامية في التفكير.
وانتقد شيفر الصمت المريب لعدد من السياسيين والمسؤولين الاقتصاديين الفرنسيين على ما سمّاه الكاتب انتهاك المغرب لحرية التعبير، في إشارة إلى زيارة رجال أعمال كبار إلى المغرب أخيراً لتدشين مشاريع صناعية وتجارية ضخمة.