بعد ان وقف مراقبو جامعة الدول العربية طوال أسابيع يتابعون إراقة الدماء في سوريا وهم لا يحملون سوى أقلامهم من المنتظر ان يصدروا تقريرا يوم الجمعة يقولون فيه إن دمشق لم تنفذ بشكل كامل خطة السلام التي أعدتها الجامعة.. والسؤال الآن: وماذا بعد؟ على المدى القصير سيتعين على الجامعة العربية أن تقرر مصير بعثة المراقبة التي ينتهي تفويضها يوم الخميس. هناك ثلاثة احتمالات إما إلغاء مهمتها أو تمديدها أو تعزيزها لتشمل المزيد من المراقبين بل ربما تضم عنصرا مسلحا.
وعلى المدى الأطول سيكون على الدول العربية أن تحدد أي نوع من الجزاء هي مستعدة لتنفيذه ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد لعدم وقفه العنف المستمر منذ عشرة أشهر.
اقترحت قطر إرسال قوات عربية فيما ستكون واحدة من أجرأ الخطوات التي تتخذها الجامعة العربية طوال تاريخها الممتد 67 عاما. لكن مصادر في الجامعة العربية تقول إن حشد التأييد لمثل هذه الخطوة ربما يكون صعبا نظرا لأنه سيواجه مقاومة من حكام عرب متحالفين مع دمشق أو قلقين من الاضطرابات الداخلية.
وإذا لم تتفق الجامعة العربية على إجراء تتخذه هي فستتعرض الدول العربية لضغط متزايد للموافقة على إجراءات دولية أوسع نطاقا. لكن الغرب لم يبد رغبة تذكر في نوع التدخل الذي قام به في العام الماضي للمساعدة على الإطاحة بالزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.
وسيكون أول قرار يتعين على الدول العربية أن تتخذه هو ما إذا كانت ستمدد تفويض بعثة المراقبة لما بعد يوم الخميس.
ويقول منتقدو البعثة إن مهمتها المستمرة منذ شهر جعلت الوضع في سوريا أكثر سوءا نظرا لأن البعثة لم تسهم كثيرا في وقف العنف بينما جعلت حكومة الرئيس تكسب المزيد من الوقت لمواصلة قمع المعارضين.
وتحدث ثلاثة من المراقبين على الأقل عن معاناة إنسانية في سوريا بينما عجز المراقبون عن وقف هذه المعاناة.
وقال مندوب في الجامعة التي تتخذ من القاهرة مقرا إنه في ضوء ذلك ستكون بعض الدول عازفة عن تمديد البعثة بصورتها الحالية.
لكنه قال إن هناك آخرين يعتقدون أن المراقبين كانت لهم بعض الحسنات وسيعارضون سحبهم.
وأضاف "السيناريو الثالث سيكون زيادة عدد المراقبين إلى ثلاثة آلاف وإشراك بعض العناصر الأمنية التي لديها قدرة أكبر على وقف عمليات العنف."
وعندما علقت الجامعة العربية عضوية سوريا وهددت بفرض عقوبات ووضعت خطة سلام ووافقت على إرسال مراقبين لمتابعة مدى التزام سوريا ببنود الاتفاق بدت الجامعة المؤلفة من 22 دولة والتي كان يقال عنها إنها لا تعدو كونها مجرد ساحة للكلام وقد تغلبت فيما يبدو على الخصومات الداخلية للتفرغ للشؤون العربية.
ووجدت الجامعة نفسها في موقف لا تحسد عليه إذ لم يتمكن مراقبوها من منع العنف ولم يتحقق لديها الحد الأدنى من التوافق على الخطوات التالية التي يجب اتخاذها.
وتدعو خطة سلام الجامعة العربية إلى وقف فوري للعنف وسحب القوات السورية من المدن والإفراج عن السجناء السياسيين الذين احتجزوا خلال الانتفاضة وبدء حوار مع المعارضة وتمكين المراقبين ووسائل الإعلام من دخول البلاد بحرية أكبر.
وأمهل فريق المراقبة الذي تشكل في ديسمبر نحو شهر لإعداد تقرير حول ما إذا كانت سوريا تنفذ الخطة.
وأظهر تقرير أولي أعده المراقبون في وقت سابق في يناير أن العنف الذي تقول الأممالمتحدة إنه أسفر عن سقوط خمسة آلاف قتيل انحسر قليلا. لكن بعد أيام ألقى الأسد خطابا سخر فيه من الجامعة العربية وتوعد فيه بتكثيف قمعه للمحتجين.
ووقعت ثلاثة تفجيرات في سوريا منذ 23 ديسمبر بعد وصول طليعة لفريق المراقبة. كما أصيب نحو 11 مراقبا بعد تعرضهم لهجوم من متظاهرين موالين للأسد وقتل صحفي فرنسي في انفجار قنبلة أو بنيران مورتر في منطقة موالية للحكومة بمدينة حمص المضطربة.
وألقت سوريا باللوم في التفجيرات على "إرهابيين". ويقول معارضو الأسد إن المخابرات السورية هي التي دبرت التفجيرات في محاولة لتشويه صورة المعارضة وإعاقة مهمة المراقبين وتوضيح للمنتقدين من العرب والصحفيين الأجانب كيف يمكن أن تتحول الامور إلى فوضى إذا زادت الضغوط على الأسد.
وفي محاولة لتكثيف الضغط على سوريا قال أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لقناة سي.بي.اس الأمريكية إنه يجب إرسال بعض القوات إلى هناك لوقف القتل.
ولم يذكر تفاصيل عن الشكل المحتمل لتلك القوة لكن مصادر في الجامعة العربية تضفي شكوكا حول ما إذا كان مثل هذا التصعيد سيلقى تأييدا من دول خليجية أخرى هذا فضلا عن لبنان والعراق البلدين المجاورين لسوريا واللذين يعارضان أي إجراء ضد الأسد.
وقادت قطر التي كانت واحدة من الدول العربية المشاركة في الحرب ضد القذافي في ليبيا جهود انتقاد الأسد. كما أنه من بين الدول التي تتخذ موقفا المملكة العربية السعودية التي يقول محللون إنها ترغب بشدة في إضعاف إيران من خلال عزل الأسد الحليف الرئيسي لطهران بين الدول العربية.
ويمكن لقطر والسعودية في العادة أن تعتمد على تأييد من دول أخرى بمنطقة الخليج. لكن مصدرا في الجامعة العربية قال إن عمان والبحرين بدأتا في "إعادة النظر في موقفيهما" في ضوء احتجاجات في الداخل. وأضاف مصدر آخر الكويت إلى قائمة دول الخليج التي بدت غير متحمسة.
ويقول محللون إن الحكومات العربية التي لا تسمح بالكثير من المعارضة غير راضية عن ممارسة الضغوط على حاكم شمولي يشبه أنظمتها حتى لا يواجهوا في النهاية المصير ذاته.
وقال مصدر مقرب من الجامعة "السعودية وقطر اللتان تبدو كلاهما معارضتان للنظام السوري في حاجة إلى دعم كل دول الخليج تقريبا حتى يتسنى لهما استصدار موافقة على إجراءات أكثر صرامة ضد سوريا وهو أمر صعب المنال نظرا للتوترات المتصاعدة داخل بعض تلك الدول الآن مثل...البحرين والكويت."
ومن الممكن أن تقرر الجامعة العربية بعد حالة من الإحباط في النهاية أن تفرض عقوبات لوحت بها في نوفمبر عندما رفض الأسد التوقيع على خطة السلام العربية. لكن العقوبات لا تحدث تأثيرا إلا بعد فترة كما أن كثيرين يشككون في مدى فاعليتها.
وقال مسؤول عربي "العقوبات لا تفعل شيئا. ماذا فعلت العقوبات في الحالة العراقية؟ قل لي أي نظام للعقوبات أحدث نتائج فورية."
ومع تذبذب العزيمة لدى الدول العربية يمكن أن يساعد تحدي الأسد لخطة السلام العربية إلى إعادة الأزمة مرة أخرى للساحة الدولية.
وتقول الولاياتالمتحدة إنه لا يمكن ان يبقى المراقبون في سوريا للأبد بينما العنف مستمر. وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون يوم الأحد إن "النظام القديم" لحكم الرجل الواحد في العالم العربي أوشك على النهاية.
لكن حتى الآن لم يبد الغرب أي مؤشر على استعداده لتدخل عسكري على غرار ما حدث في ليبيا مع القذافي. ففي ليبيا كانت الضربات الجوية التي شنها حلف شمال الأطلسي بموافقة من الجامعة العربية وتفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
كما منعت روسيا والصين حتى الآن أقل الخطوات التي يمكن أن يتخذها مجلس الامن ضد سوريا.
ورفض اقتراح سابق من قطر بأن يعزز مراقبو الأممالمتحدة فريق المراقبين العرب ليصبح أكثر ثقلا وذلك خلال الاجتماع الأخير للجامعة في وقت سابق من الشهر الجاري.
ولمح مندوب آخر في الجامعة لرويترز الأسبوع الماضي بأن قوة تدخل مسلحة من الممكن أن تعزز فريق المراقبين المدنيين بحيث تتكون هذه القوة من جنود ليس فقط من الدول العربية بل أيضا من دول مسلمة أخرى.
ويريد المجلس الوطني المعارض في سوريا أن تحيل جامعة الدول العربية الملف السوري إلى مجلس الأمن الدولي. لكن المسؤول العربي الذي شكك في جدوى العقوبات قال إنه إذا كانت القوى العالمية ترغب في اتخاذ خطوة فإن الجامعة العربية ليست العنصر المعوق لذلك.
ومضى يقول "قانونيا وسياسيا مجلس الأمن لا ينتظر توجيهات من الجامعة العربية... ما يجري التلميح به وهو أن الجامعة العربية هي التي تحول دون اتخاذ مجلس الأمن إجراء ما ليس صحيحا."