فرضت الأحداث الحالية والتي تشهدها مصر، خاصة شارع القصر العيني بميدان التحرير حيث توجد فئة من أطفال الشوارع تخرب وتحرق، على الجميع إعادة النظر في ملف ظاهرة أطفال الشوارع والتي حذر من خطورتها على المجتمع الكثيرون باعتبارها فئة موجودة فعلاً بل، وتمثل ظاهرة بحكم عددهم الكبير في الشوارع والمناطق المختلفة، وتجاهل النظام السابق لهم، الأمر الذي جعلهم بالفعل قنبلة موقوتة ولذلك هو المسئول عن صنعهم، وهم ضحية الجهل والفقر والتهميش والبطالة ما رسّب داخلهم عدم الانتماء لهذا البلد. حيث أكد عدداً من الباحثون الاجتماعيون أن أسباب تواجد هذه الفئة وكيفية التعامل معهم على المستوى الرسمي من خلال الدولة وعلى المستوى الأهلي من خلال الجمعيات الأهلية المخصصة لرعايتهم، الأمر الذي قد يمثل تحديات لمنظمات المجتمع المدني الذي يخدم هذه الفئة ودور القطاع الخاص الذي تخلى وتقلص عن تقديم التبرعات والإمكانيات لهذه الجمعيات، لكي تستطيع القيام بمسؤولياتها تجاه هؤلاء الأطفال، فكانت النتيجة أن تم تسريحهم من الجمعيات وعودتهم إلى الشوارع مرة أخرى.
وأبرز ما تم رصده لظاهرة أطفال الشوارع، أنهم من صنع النظام السابق، وكان الإبقاء عليهم بهذا الشكل مستهدفاً لكي يتم تحريكهم واستخدامهم بسهولة في توقيت معين، وهو ما يحدث الآن، لأن هؤلاء الأطفال من السهل استقطابهم وتوجيههم للقيام بأعمال غير مشروعة لعدم وجود انتماء لديهم تجاه الوطن، فبداخلهم حقد تجاه المجتمع وتجاه الناس، وهو معذورون بسبب نشأتهم والظروف الصعبة التي عاشوها وخرجوا بسببها للشارع ونظرة الناس لهم".
وقد ساهمت ثورة 25 يناير المجيدة في زيادة عددهم علي كافة الأصعدة والمستويات، حيث كان هناك خيمة خاصة بهم في ميدان التحرير أثناء الثورة، وقد تم رصد العديد من ردود الأفعال الإيجابية النابعة منهم خلال فترة الثورة، وذلك لسعادتهم لوجودهم بين الثوار ومشاركتهم في حدث بهذه الضخامة، ولأنهم يشاركون فيها كمصريين وليسوا كأطفال شوارع، وهذا ما بدا جلياً من خلال عدة تصريحات لهم منها: "نشعر الآن بالأمان، لقد حصلنا على مصر التي نحبها ونتمنى أن تكون مصر كلها ميدان التحرير"
والدليل علي ذلك إنه لم يرتكب واحد منهم حالة سرقة واحدة، أو قام بتعاطي أي نوع من أنواع المخدرات، معللين ذلك قائلين: "لماذا نسرق ونحن نجد الطعام مع الثوار، وكنا نتعاطى المخدرات لكي ننسى آلامنا، والآن لا نعاني من آلام بل نحن سعداء لأننا نعامل هنا باحترام".
وقد ساهمت ثورة يناير في زيادة عددهم بالمجتمع، وفي تناقض سلوكياتهم وفي تغير الخصائص المكانية أي الأماكن التي يتركزون فيها زاد عددهم لتسريحهم من الجمعيات لعدم توافر الإمكانيات للجمعيات الأهلية، وهم يتواجدون بعد الثورة في الأماكن القريبة من ميدان التحرير وبعضهم له سلوكيات إيجابية والبعض الآخر سلوكياتهم سلبية.
وعن أسباب وجود أطفال الشوارع.. تقول ابتسام حبيب، عضو مجلس الشعب السابق: "قمت ببحث عن أطفال الشوارع خلص إلى أنهم نتاج تراكمات سنوات طويلة من الإهمال، وهم نتاج ظروف صعبة للأسر والمجتمع ككل، هم نتاج أسر فاشلة مفككة ينفصل فيها الزوج عن الزوجة ويتزوج الأب بزوجة أخرى، وكذلك الأم ويتشرد الأطفال في الشوارع".
وأضافت: "منهم من يعمل كباعة جائلين يبيعون المناديل وفي إشارات المرور يمسحون السيارات وينامون تحت الكباري وعلى الأرصفة، وأصبح تواجدهم ليس مرتبطًا بالعشوائيات والمناطق الفقيرة فقط بل يتواجدون الآن في كل المناطق حتى الراقية منها".
وعزت حبيب الظاهرة إلى "ظروف المجتمع التي جعلت هذه الفئة موجودة وضحية معروفة وأهمها الفقر والأمية والبطالة التي جعلت الأب يترك أطفاله للشارع، وأيضاً معتقدات خاطئة تقول إن الأطفال رزق وإن كثرة الإنجاب ليس خطأ، ويعجز بعد ذلك الأب عن الإنفاق عليهم فيتسولون في الشوارع ويتحولون عند الكبر إلى بلطجية".
وأكدت أن الدولة لا تقوم بدورها في رعايتهم وإنشاء جمعيات أهلية كافية لاستيعابهم، ومنهم من يهرب من هذه الجمعيات ويعود للشارع وحتى من يستمر ينتهي دور الجمعية تجاههم عند سن معينة ويعودون للشارع مرة أخرى.
وترى الدكتورة إيمان بيبرس، رئيسة مجلس إدارة جمعية النهوض بالمرأة، أنه من الصعب التعميم بين البلطجية وأطفال الشوارع، فالبلطجية صنعهم النظام السابق ويستخدمهم بعد تدريبهم وتأهيلهم وهم يعرفون ماذا يفعلون، لكن أطفال الشوارع مغيّبون وعندما يتم تأجيرهم للتخريب بمقابل يقومون بهذه الأعمال وهم يتصورون أنها من قبيل البطولة، وهم معذورون فهم ضحية للمجتمع.