نظمت السفارة المصرية بأديس أبابا معرضا للفنون التشكيلية لمجموعة من الفنانيين التشكيليين الاثيوبيين وكذلك ندوة حول "دور الظواهر اليومية في التواصل والتقارب بين الشعوب" تحدث خلالها مدير المركز الفرنسي للدراسات الاثيوبية بأديس أبابا الدكتور إيلوي فاكيت. وقد تحدث فاكيت حول الكثير من الظواهر اليومية العادية التي تربط بين إثيوبيا ومصر والتي لها خلفية ثقافية واجتماعية واقتصادية وكيف أنها اسهمت في تحقيق التواصل بين الشعوب وركز خلالها على أحد الطقوس الاثيوبية اليومية المهمة والشعبية الأصيلة وهي تناول مستحضر مشروب "القهوة" وكيفية انتشاره في إثيوبيا ومصر وانتقاله الى العالم العربي وخاصة اليمن وبعض الشعوب الافريقية.
وقال السفير المصري لدى إثيوبيا محمد فتحي إدريس في بداية اللقاء إن الفكرة من وراء عقد هذه الندوة وهي الثانية في اطار "الصالون الثقافي" الذي يعقد بشكل شهري بدار السكن بالسفارة المصرية هي أن مصر وإثيوبيا تحظيان بتاريخ طويل وحضارة ثرية وكبيرة وبالتالي فإن هذه اللقاءات تؤدي الى اكتشاف المزيد من المساحات الثقافية المشتركة وروابط أقوى بين الجانبين وبالتالي تعزيز الفهم المتبادل بين شعبي البلدين.
وشدد السفير إدريس على أهمية البناء على المساحة الثقافية المشتركة الكبيرة القائمة بين مصر وإثيوبيا وزيادة مساحة التواصل والتفاهم بين الشعبين وكذلك اشراك المجتمع الدبلوماسي في إثيوبيا والشخصيات الاثيوبية العامة والمثقفين الاثيوبيين في التعرف على هذه المساحة الثقافية الكبيرة المشتركة موضحا أن هذا المسار الثقافي يمثل أحد المسارات الهامة في العلاقات بين البلدين ويتعين الاستفادة منها وتعميقها وتطويرها.
وتركز النقاش خلال الندوة حول مشروب "القهوة" في مصر وإثيوبيا وانتقاله الى بعض المجتمعات العربية والافريقية وكيف أن هذه الظاهرة اليومية المعتادة كانت نتاجا للكثير من الافكار والتوجهات المجتمعية المختلفة وكيف أنها ربطت بين شعبي مصر وإثيوبيا وبين الشعوب والمجتمعات الافريقية وأخذت أشكالا مختلفة في كل مجتمع حسب ظروفه وبنيته الخاصة ووفقا لرؤى دينية وسياسية واقتصادية وثقافية.
وقال الدكتور إيلوي فيكيت مدير المركز الفرنسي للدراسات الاثيوبية بأديس أبابا خلال اللقاء إن مشروب القهوة في إثيوبيا ظل يوصف من جانب المسيحيين حتى أوائل القرن العشرين على أنه مشروب اسلامي وأن الكنيسة الأرثوذكسية الاثيوبية كانت تحظر هذا المشروب.
لكنه قال إنه مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين بدأ بعض المسيحيين الاثيوبيين في تناول هذا المشروب بعد تلاشي معارضة رجال الدين المسيحي تدريجيا لها وذلك بسبب تسامح رجال الدين المسيحيين الذين كانت الكنيسة القبطية المصرية توفدهم إلى إثيوبيا مع مشروب القهوة حيث كان هذا المشروب جزءا مهما من طريقة حياة الاقباط بمصر.
وأضاف أن ما ساهم بشكل أكبر في انتشار مشروب القهوة في المجتمع الاثيوبي هي تشجيع زراعة البن بوصفه محصولا مدرا للدخل في الاراضي التي غزتها جيوش الامبراطورية الاثيوبية المسيحية في أواخر القرن التاسع عشر موضحا أن هذا المنتج أصبح سريعا المكون الرئيسي في الصادرات الاثيوبية إلى الخارج وكذلك اندماج المجتمعات الاسلامية في الدولة التي هيمن عليها المسيحيون.
وأشار إلى أن مشروب "القهوة" أصبح يقدم بشكل خاص في اللقاءات المشتركة لاضفاء أجواء البهجة التي تساهم في الحفاظ على علاقات التجاور الطيبة بين المسلمين والمسيحيين.
وقال الدكتور فيكيت أن ما ساهم على انتشار مشروب القهوة بشكل كبير بين المسيحيين الاثيوبيين، هو اقبالهم عليه خلال المجاعة الكبيرة التي اجتاحت البلاد في الفترة بين 1888 و 1892 حيث أنهم لاحظوا أن المسلمين أكثر قدرة على مقاومة المجاعة والاوبئة واعتقدوا أن مشروب القهوة يساعدهم في زيادة القدرة على التحمل، وبعد ذلك شجع الامبراطور الاثيوبي مينليك الثاني تناول مشروب القهوة بهدف تعزيز المصالحة بين أطياف المجتمع والتغلب على الخلافات الدينية وتشجيع هوية سياسية وثقافية مشتركة نحو بناء الحداثة في المجتمع.
ووصفت الدكتورة الهام ابراهيم مفوضة الاتحاد الافريقي للبنية التحتية والطاقة وهي مصرية، هذه الندوة بأنها مبادرة عظيمة لانها تجمع المثقفين لمناقشة الارث الثقافي المشترك لمصر وإثيوبيا وتثير موضوعات مهمة مجددا، وتعيد الى الاذهان معلومات كثيرة وأشياء ثقافية كثيرة وتحدث تقاربا ثقافيا وتعيد مناقشة التاريخ والارث الثقافي المشترك بين مصر وإثيوبيا وتعزز من الترابط بين مصر ودول حوض النيل بصفة عامة.
وقال المستشار الإعلامي المصري في إثيوبيا مصطفى أحمدي إن هذه الندوة تسهم في تفعيل البعد الثقافي في العلاقات بين مصر وإثيوبيا خاصة وأن هناك قواسم مشتركة عديدة ثقافية وحضارية وانسانية تربط شعبي البلدين منذ القدم، مشيرا إلى أن إيفاد الكنيسة القبطية قساوسة مصريين حتي منتصف القرن الماضي ساهم في نشر ثقافة تناول القهوة بين الاثيوبيين.
وأضاف أن الآباء المصريين عملوا علي دعم الجوانب الروحية والانسانية بين شعبي البلدين بالنظر الي استخدام القهوة كعامل محفز للسهر في أوقات الليل لأداء الصلوات الخاصة.
وأوضح أن إهتمام السفارة المصرية باقامة معرض للفن التشكيلي لبعض كبار الفنانين الاثيوبيين المعاصرين وهم يوسف لولي و داويت أبيبي و وركنيه بيزو وماتياس لولو، في إطار الصالون الثقافي، وعرض لوحاتهم أمام الحضور يسلط الضوء علي مواهب إثيوبية حقيقية نأمل في تواصلها مع نظرائها من مصر من أجل تدعيم العلاقات الانسانية والروحية بين البلدين.
ومن جانبه قال السفير أحمد نوح ممثل جامعة الدول العربية لدى اثيوبيا والاتحاد الافريقي ولجنة الأممالمتحدة الاقتصادية لافريقيا إن هذا الصالون الثاني مناسبة جيدة للجمع بين الكثير من الدبلوماسيين من مصر وإثيوبيا والعرب والاجانب وخاصة انه تناول اليوم طقوس مشروب القهوة ودورها في إثراء التقاليد العربية والاسلامية والمسيحية وكيف ان هذه التقاليد ربطت كذلك بين مسلمي ومسيحيي اثيوبيا.
وأشار إلى أن مشروب القهوة والذي ساهم القساوسة الذين كانوا يأتون من مصر الى إثيوبيا في نشره بين المسيحيين في إثيوبيا عمل على إحداث تقارب ثقافي بين الشعبين وأصبح هذا المشروب أحد الموروثات الثقافية والاجتماعية المهمة بين البلدين وأصبح يستخدم بشكل مشترك في إستقبال الضيوف والترحيب بالغريب.
ومن جانبه قال الملحق الدبلوماسي بالسفارة المصرية كريم إسماعيل إن الجلوس على المقاهي في مصر والتي يقدم فيها مشروب القهوة بشكل أساسي ارتبط دائما بحركة الكثير من الادباء البارزين وبينهم الاديب العالمي نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل والمعروف انه كان يلتقي أسبوعيا بأحد المقاهي لتناول القهوة مع مجموعة من المثقفين وعقد ما يشبه بصالون ثقافي واقتبس في كتاباته شخصيات وأسماء كثيرة من المقاهي والشخصيات المارة بها.
وأشار إلى أن هذا يثبت أن مشروب القهوة حظي بأثر بارز ودور في الحركات الثقافية والسياسية في تاريخ مصر وإثيوبيا واتسم ببعد سياسي واقتصادي وثقافي.
وشارك في اللقاء أعضاء البعثة المصرية في أديس أبابا والبروفيسور اندريس إيشيتي مستشار رئيس الوزراء الاثيوبي وعدد كبير من الشخصيات العامة والاكاديمية المصرية والاثيوبية ومن أعضاء السلك الدبلوماسي والعاملين بالمنظمات الدولية بأديس أبابا وبينهم سفراء البرازيل والمغرب وفلسطين واليونان وغانا وبوتسوانا وممثل جامعة الدول العربية لدى إثيوبيا والاتحاد الافريقي وعدد من كبار المسؤولين بمفوضية الاتحاد الافريقي.