قاموس الجيب الفلسفى لفولتير الذى ظهر منذ قرابة 250 عاما مازال يحرك الساكن ويثير الجدل وحتى الذكريات الدموية وقرارات الحظر التى اقترنت بهذا العمل الساخر للفيلسوف والكاتب والأديب الفرنسى فولتير الذى توفى عام 1778 عن عمر يناهز 83 عاما، فيما قام جون فليتشر بترجمة انجليزية جديدة لهذا العمل الذى ترجم من قبل مرارا. وفى سياق التعليق على هذه الترجمة الانجليزية الجديدة، يقول نيكولاس ليزارد فى صحيفة الجارديان البريطانية "ما زال قاموس فولتير يثير الدهشة بجسارته داعيا لاحتفالات مناسبة تليق بقيمة هذا العمل عندما يكمل عمره ال 250 عاما بعد نحو ثلاث سنوات . وواقع الحال ان ليزارد انما يعبر عن اراء الكثير من المثقفين الأوروبيين الذين ينظرون بتقدير واعجاب لقاموس فولتير كعمل صمد كل هذه السنوات الطويلة ومازال بمقدوره إثارة الدهشة والغبطة فى نفوس القراء حتى أن البعض يعتبر قراءته متعة تقدم الكثير من المسرات.
كما يحلو لبعض النقاد أن يصفوا القاموس بأنه نوع من البهجة الخطرة التى تشبه الجلوس فى حضرة كوميديان غاضب، لكن المؤكد أن فولتير عمد لتحدى الكثير من المسلمات فى العقل الأوروبى بصورة صادمة، فيما لم يتورع عن النيل من أمور تدخل فى باب المقدس لدى الأوروبيين عندما أعد هذا العمل المثير للجدل حتى اليوم.
وهكذا استحق فولتير لعنة الفاتيكان ودخل قاموسه الفلسفى قائمة المحظورات الفاتيكانية منذ ظهوره فى القرن الثامن عشر، واستمر الحظر التاريخى حتى عام 1966، فيما كان ضبط هذا القاموس بحوزة شخص ما يعنى جريمة تستحق العقاب الشنيع فى بعض الحقب البعيدة نسبيا.
وهذا ما حدث فى عام 1776 بعد نحو عامين من ظهور قاموس الجيب الفلسفى لفولتير، عندما ضبطت نسخة من هذا العمل المحظور مع فارس يدعى دو لابار فكان الجزاء قطع لسانه قبل أن تقطع رأسه ويحرق على خازوق مع القاموس الوقح.
ولعل موهبة السخرية لدى فولتير التى تجلت فى قاموس الجيب الفلسفى كانت أحد أهم أسباب رواج هذا القاموس العجيب الذى كتبه وهو فى السبعين من عمره وكأن الأديب الفذ أراد أن يبرهن ضمنا على أن الزمن ليس بمقدوره النيل من موهبته وروحه الوثابة.
ولايجوز تناسى أهمية عامل الترجمة فى رواج قاموس فولتير، بعد أن جذب هذا العمل الجسور ثلة من المترجمين تولوا نقله للغات مختلفة ليحظى بالانتشار، رغم كل قرارات الحظر والمنع والعقوبات الشنيعة. وها هى الدوائر الثقافية فى بريطانيا تبدى حفاوة بالترجمة الجديدة التى نهض بها جون فليتشر. واعتبرت الترجمة الانجليزية أكثر دقة وأمانة للعمل الأصلى الذى نشر بالفرنسية، فيما نجح فليتشر فى التماهى مع روح النص وجسده فجاء العمل وكأن فولتير كتبه أصلا بالانجليزية وتلك براعة المترجم وحرفيته وفنه.