البعض لم يجد تبريرا مقنعا لأحداث يوم الأحد الدامية، إلا فى الأخطاء التى ارتكبها الإعلام الرسمى. فوجهوا سهام النقد إلى وزير الإعلام الذى كان بالأمس زميلا لهم من أهل المهنة، وللتغطية التليفزيونية الفقيرة التى تعرضت لأحداث ماسبيرو وعرضتها بأسلوب بالغ الفجاجة، فى ظروف ملتبسة بالغة الدقة، وفى حالة عجز عن رؤية الحقائق كاملة.. وبينما ترتعش أيدى الحكومة والمجلس العسكرى والنظام بأسره، فإن من الهزل أن نبحث عن كبش الفداء فى الإعلام الرسمى وحده. ونحن ندرك أن إعلام الفضائيات وهواة الإثارة ومحترفى النفاق والتهويل، يتحملون جانبا من المسئولية فى أجواء التعصب والتحريض التى تتكفل بتقويض العلاقة بين الأقباط والمسلمين.. فالإعلام الرسمى بما يرتكبه من «عك» والإعلام الخاص بما يتجاهله من حقائق شريكان فى تشويه الصورة. ما نقصده ليس دعوة للدفاع عن الإعلام الرسمى ووزيره، أو إلقاء العبء كاملا عليه فيما حدث.. ولكنه دعوة إلى القراءة الموضوعية للأحداث. وتحميل المسئولية لكل طرف بقدر ما أسهم فيها من إثارة. ونحن نرجو حين ينتهى تقصى الحقائق إلى الكشف عمن أشعل الشرارة.. ثم من صب عليها الوقود لترتفع ألسنة اللهب وتقتل فى محرقتها 25 مصريا.. ثم من حاول أن يهيل التراب لإزالة آثار الجريمة أو التشويش على مرتكبيها، أن يقتص القانون بدون رحمة وبكل شدة ممن أسهموا فيها وأشعلوها. سواء كانوا قادة تيارات سياسية، أو رجال أعمال، أو رجال دين مسلمين أو مسيحيين!
من أسهل الأمور أن يوضع عصام شرف وحكومته موضع المساءلة، وأن تتهم قوات الجيش بأنها أخطأت فى التعامل مع المتظاهرين. ولكن هذه الحلول السهلة ليست كافية. فتغيير عصام شرف بآخر كما يطالب كثيرون لن يحل تعقيدات الفتنة الطائفية. ولا يوجد شخص فى الوضع الراهن يستطيع قبول المسئولية فى هذه الظروف، بدون تغيير فى التركيبة الحاكمة حين يتم نقل السلطة بطريقة قانونية دستورية.
ويكفى أن نستمع إلى خطباء المساجد والدعاة الذين حاولوا صب الزيت على النار.. لندرك أن أخطار التغطية التليفزيونية المشوهة لا تعتبر شيئا إلى جانب خطبة يلقيها الشيخ المحلاوى فى مسجد القائد إبراهيم، الذى اعترض على إصدار قانون العبادة الموحد. وقال محذرا: «أيها النصارى أفيقوا فلن تنفعكم أمريكا كما لم تستطع حماية الرئيس السابق.. فالمسلمون وحدهم هم القادرون على حماية الأقليات فى مصر..».
وفى أكثر من مسيرة للم الشمل من المسلمين والمسيحيين، عقب صلاة الجمعة.. اعترضت مجموعة من السلفيين وأهالى المنطقة فيما بين الأزهر والعباسية المسيرة وقذفوها بالحجارة.. وبدا طبقا لوصف جريدة التحرير، وكأن الطرفين على وشك الاشتباك، بعد أن هتف بعضهم ضد المشير وتبادلوا السباب والشتائم.
فالمتشددون الإسلاميون ليسوا وحدهم فى الميدان. ولكن على الجانب الآخر وربما ليس أقل تطرفا هناك قساوسة سلفيون فى الكنيسة القبطية. وقد شاهدنا بعضهم على شاشة التليفزيون يوم الأحد الدامى يقود المتظاهرين فى الطريق من شبرا إلى ماسبيرو وعلى رأسهم القس فلوباتير والقس متياس نصر راعى كنيسة مارمرقس بعزبة النخل.
وفى تحقيق نشرته «روزاليوسف» أن فلوباتير هذا هو مؤسس اتحاد شباب ماسبيرو عقب حادث كنيسة أطفيح. ولذلك لم يكن مستغربا أن يكون والقس ماتياس الداعيين لمسيرة الأحد الدامى التى بدأت سلمية وانتهت كارثية!
وفى كل الأحوال فإن الأفكار السلفية المتشددة، سواء على الجانب الإسلامى أو الجانب المسيحى هى التى خلقت وغذت أجواء الفتنة الطائفية، وأسهمت فى صناعة التطرف، القادر على أن يحول بمنتهى البساطة مسيرة سلمية إلى ضرب نار وسقوط ضحايا أبرياء.. وإلى توريط الجيش فى وقيعة كبرى وضعته موضع الريبة.. وإلى زلزلة أركان الحكم والنظام بدرجة لا يتمناها لمصر غير أعدائها.
تبقى ملاحظة أخيرة، وهى أن التصريحات التى أدلت بها هيلارى كلينتون لوكالة رويترز، اتسمت بقدر كبير من الفهم والتعاطف مع صعوبة الأوضاع فى مصر.. فهمها الكثيرون على وجهها الصحيح. وقرأها آخرون بطريقة الإعلام المقلوب.. وهى حالة مرضية فى الإعلام المصرى!