هذا هو واقع حالنا فى مصر الآن، سياسة وانتخابات بإيقاع يومى وتغيرات متسارعة وغياب شبه كامل لحسابات الزمن فيما وراء دائرة ال24 ساعة. والحصيلة هى الكثير من التخبط والتردد وإعلانات من أحزاب وأفراد بمواقف سياسية وانتخابية سرعان ما يتم تجاوزها، والأخطر من هذا هو هدر منظم للطاقات الجماعية والفردية للمشتغلين بالسياسة وإضعاف لثقة المواطنات والمواطنين بهم. والحقيقة أن مسئولية التخبط والتردد لا تقع على الأحزاب والسياسيين بمفردهم. فالبيئة القانونية والتنظيمية التى تدار بها السياسة فى مصر تعانى باستمرار من تغيرات فجائية أو من ترويج لشائعات بشأن تغيرات وتقلبات قادمة، وهو ما يرتب تغير فى أولويات الأحزاب وترتيبها لأوراقها الانتخابية قد يصل إلى حد التخبط. نعم تتردد الأحزاب طويلا ويعيد بعض المرشحين المحتملين حساباتهم الانتخابية أكثر من مرة (ولا أستثنى نفسى)، فالانفتاح والسيولة الحاضرة فى المشهد السياسى المصرى يفرضان على الأحزاب والأفراد تحديات لم تختبر من قبل واختيارات ليست بالسهلة. إلا أن البيئة القانونية والتنظيمية بتغيراتها وتقلباتها هى الأخطر هنا.
أمس الأول، على سبيل المثال، وضعت اللجنة العليا للانتخابات على موقعها الإلكترونى تقسيما للدوائر الانتخابية يختلف عن التقسيم الذى أعلن عنه وعملت على أساسه التحالفات والتكتلات الانتخابية والأحزاب لوضع قوائمها واختيار مرشحيها للمقاعد الفردية. وفقا لما وضعته اللجنة العليا على موقعها الجمعة الماضية ونشرته عنها صحيفة اليوم السابع، ارتفع عدد دوائر القائمة فى القاهرة من 4 إلى 9 وتضاعف فى الجيزة والإسكندرية والعدد الأكبر من بقية المحافظات. ما إن نشر الخبر حتى توالت اتصالات قيادات الأحزاب ومخططيها الانتخابيين للتأكد من صحة الخبر والتفكير فى تداعياته الكارثية على مجمل التنسيق على القوائم والمقاعد الفردية الذى كان قد تم وفقا للتقسيم المعلن. وبعد ساعات من إعادة الحسابات والتقديرات الانتخابية، بل ومن تفكير البعض فى ضرورة مقاطعة الانتخابات فى ظل تغيرات فجائية مستمرة، اتضح أن ما نشر على موقع اللجنة العليا الإلكترونى لم يكن التقسيم المعتمد للدوائر وأن الأمر كان مجرد خطأ إجرائى. يوم كامل أهدر وطاقة جماعية ضاعت لخطأ إجرائى قد يكلف بعض التحالفات الانتخابية ثمنا باهظا، الانهيار.
وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى على تخبط يصل إلى حد العبث تعانى منه البيئة القانونية والتنظيمية التى تتفاعل بداخلها الأحزاب والشخصيات السياسية انتخابيا. فالتحالفات لا تعلم إلى اليوم إن كانت قوائمها ستعتمد بمسميات التحالفات أم بمسميات الأحزاب، والمرشحون على المقاعد الفردية يتحرجون من ذكر انتماءاتهم الحزبية خوفا من شبح المادة الخامسة من قانون الانتخابات على الرغم من تعديلها، إلى غير ذلك من الأمور.
تتحمل الأحزاب بعض المسئولية عن التخبط والتردد المسيطر اليوم على الحياة السياسية المصرية، خاصة عندما تغلب مصالحها الضيقة وحساباتها الانتخابية على المصلحة العامة والوطنية وهو أمر يلمح بوضوح لدى الكثير من الأطراف. إلا أن البيئة المحيطة بتغيراتها الفجائية هى المسبب الأول للتخبط والتردد ولهدر الطاقات. أرجو أن تهدأ الأمور قليلا خلال الأيام المقبلة.