هل اتخذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرارا بالبقاء فى السلطة وأنه يبحث الآن عن الأساليب التى تقوده إلى هدفه؟!. هذا سؤال يتردد بقوة هذه الأيام خصوصا بعد تفعيل قانون الطوارئ. أكثر من شخص موقفهم إيجابى جدا من المجلس الأعلى سمعتهم مؤخرا يقولون إنهم لأول مرة بدأوا يشعرون فعلا بالخوف، وان صورة المستقبل الوردية التى حلموا بها بعد نجاح الثورة مباشرة، لم تعد أكيدة. قلت لواحد من هؤلاء: ولكن المجلس العسكرى يصرح صباح مساء، ويكاد يقسم فى كل مرة بالأيمان المغلظة بأنه لا يطمع أو يطمح فى الحكم، وأنه يريد تسليم التركة اليوم قبل الغد، وأنه الأكثر إصرارا على إجراء الانتخابات فى موعدها خلافا لرغبة بعض القوى التى تطالب بتأجيلها لفترة تصل لعامين لاتاحة الفرصة للأحزاب الجديدة، وبناء نظام سياسى جديد يشمل إعداد دستور عصرى، فإذا كان المجلس يفعل كل ذلك فكيف نتهمه بأنه يريد البقاء فى السلطة؟!.
هذا الشخص المتشكك فى نوايا المجلس عاد ليتفق معى فى كل ما قلت، لكنه أضاف ان ما يقوله المجلس مجرد تصريحات تخديرية والمهم هو ما يحدث على الأرض.
وبدأ الزميل يسرد مؤشرات تقود كلها من وجهة نظره إلى أن المجلس يريد البقاء فى الحكم مثل قرار تفعيل قانون الطوارئ، وتشجيع انقسام قوى الثورة بين علمانيين ومتدينيين، وعدم اتخاذ إجراء حاسم ضد وزارة الداخلية «المتلكئة»، فى العودة بكامل قوتها، ثم وهذا هو الاهم أنه يبدو مرتاحا لعودة الحزب الوطنى للساحة السياسية عبر أحزاب غيرت فقط اللافتة، بل ربما أنه صار يستخدم هذه الأحزاب كفزاعة للايحاء بوجود انقسام بين الأحزاب مثلما اتضح فى مسألة نظام الانتخاب.
قلت لصديقى: ولكن كل هذه المؤشرات وجهات نظر وليست حقائق، ثم إن قانون الطوارئ يراه كثيرون هذه الأيام مطلوبا من أجل منع البلطجة وضبط انفلات الشارع، وبالتالى فإن كل ما تسوقه من أدلة هو مجرد نبش وتفتيش فى نوايا وضمائر المجلس العسكرى ولا يمكننا أن ندينهم على مجرد الظنون والهواجس.
عاد الصديق ليرد أن النوايا مهمة للغاية فى الحياة السياسية، وعندما يفقد طرف الثقة فى الطرف الآخر تصبح هناك مشكلة كبرى ينبغى علاجها بكل الأدوية اللازمة.
قلت لصديقى: المسألة بسيطة والمجلس الأعلى يفترض أنه سيدعو خلال ساعات أو أيام قليلة إلى الانتخابات البرلمانية والتى يفترض أنها ستجرى فى نوفمبر المقبل وبالتالى علينا ألا نقلق، فإذا حدث وأجريت الانتخابات صار يجب عليك الاعتذار للمجلس العسكرى الذى يريد تسليم السلطة لحكومة منتخبة.
الصديق «المتشكك» عاد ليقول لى: الانتخابات ليست المشكلة والمجلس الأعلى يريد برلمانا صوريا «مفصل على الجاهز» حتى يحكم من وراء الستار وهذا هو سر إصراره على وجود المستقلين و«أحزاب الفلول» كى يضمن وجود «الشريك المخالف او الثلث المعطل» فى المجلس ليلاعب به الإخوان وبقية قوى الثورة.
عند هذه اللحظة لم اتحمل «فوبيا» المجلس الأعلى المصاب بها هذا الصديق وانهيت معه النقاش قائلا له انه يفترض بنا أن نصدق الجيش الذى حمى الثورة وساعد على نجاحها، لكن الضمانة الرئيسية لنجاح الثورة، هى ألا ييأس انصارها، وان يتحدوا ويخوضوا الانتخابات بقوائم موحدة وان معركتهم ليست فيما بينهم أو حتى مع المجلس الأعلى.
معركتهم أن ينزلوا الشارع أولا، ليدخلوا البرلمان وبعدها يبدأون فى مواجهة المستقبل.