ما الذى سيقوله الرئيس الأمريكى لمواطنيه؟ ما الذى سيقوله لمواطنى العالم؟ كيف سيبرر معارضة بلده إعلان الدولة الفلسطينية؟ كيف سيفسر موقفه الذى يتعارض مع موقف العالم المستنير والأقل استنارة أيضا؟ الأهم من ذلك، ماذا سيقول باراك أوباما لنفسه قبل ذهابه إلى الفراش؟ هل سيقول إن الفلسطينيين لا يستحقون دولة؟ أم أن لديهم فرصة للحصول على دولة عبر المفاوضات مع إسرائيل؟ أم أنه ليست لديهم حقوق متساوية فى العالم الجديد الذى اعتقدنا أن أوباما سوف يؤسس له؟ هل سيعترف لنفسه بأنه نتيجة لاعتبارات انتخابية انتهازية نعم، يبدو أوباما الآن انتهازيا على نحو واضح سيقوم باتخاذ مواقف تضر بمصلحة بلاده، بل وبالمصلحة الحقيقية لإسرائيل نفسها، والتصرف على عكس ما يمليه عليه ضميره؟
أصبح من الصعب الآن فهم أمريكا أوباما. ذلك أن الرجل الذى وعد بالتغيير تحول إلى أبى الأمريكيين المحافظين. وفيما يخص إسرائيل، لا يوجد اختلاف بينه وبين كهنة حركة حفل الشاى. لم نتوقع الكثير من هيلارى كلينتون التى مازال بوسعها الاستمرار فى ترديد الكلام الأجوف حول المفاوضات. لكن ماذا عن أوباما؟
حتى أنت يا بروتس؟ فقبل كى شىء، كنت قد وعدت فى الخطاب الذى ألقيته من القاهرة بفجر جديد للعالم الإسلامى، ووعدت بأمريكا جديدة بالنسبة إلى العالم العربى. وماذا نتج عن ذلك؟ نجد أمامنا الذئب الأمريكى العجوز نفسه الذى يدعم بصورة آلية عمياء كل نزوة تصدر عن إسرائيل، إلى حد لم يعد واضحا أى منهما القوة العالمية وأى منهما المحمية التى لا تلبس ثوب الحملان. ومازال اللغز بدون حل: كيف يمكن لأمريكا الجديدة الاستمرار فى ترديد الأغنية القديمة نفسها التى تعود إلى الماضى اللعين؟ كيف يتصرف أوباما وكأنه لا يفهم أن الفلسطينيين لن يوافقوا بعد اليوم على العيش أربعة عقود أخرى دون حقوق مدنية؟
لا يزال اللغز بدون حل لأنه من الصعب أن نفهم كيف يمكن لرئيس أسود يؤمن بالعدالة والمساواة الرضوخ بهذه السهولة أمام حكومة إسرائيل اليمينية، والاعتبارات الانتخابية الضيقة فى الداخل، وجماعات الضغط اليهودية والمسيحية. يصعب علينا أن نفهم كيف لا تدرك أمريكا أوباما أنها تصوب نحو قلبها رصاصة الموت عندما تدعم إسرائيل فى رفضها للسلام. وفى كل الأحوال، يعلم الرئيس الأمريكى فى أعماق قلبه أن المطلب الفلسطينى مبررٌ لأنه من حق الفلسطينيين أيضا التمتع بالاستقلال فى نهاية المطاف. كما يعلم أن إسرائيل تؤيد الاحتلال. فلماذا يتعين على المرء الانتظار إلى اليوم الذى سيكتب فيه مذكراته وهو بالقطع سيفعل ذلك كى يرى ذلك الإقرار بحق الفلسطينيين فى الاستقلال؟ ويعلم أوباما أن الربيع العربى الذى ظهر إلى حد ما فى أعقاب الوعود الذى قطعها فى خطاب القاهرة، سوف يوجه الآن غضبه نحو أمريكا، لأنها ببساطة تصر على الوقوف ضد تحرر الفلسطينيين.
كما يُفترض أن يعلم أوباما أن الحرص على مستقبل إسرائيل والصداقة الحقيقة نحو هذا البلد يجب أن تتضمن تأييد إقامة دولة فلسطينية مستقلة، لأن هذه هى الطريقة الوحيدة لنزع الفتيل القابل للانفجار فى المنطقة برمتها ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة. ويعلم أيضا أن الموقف الأمريكى المضاد لموقف العالم أجمع يثير عداء العالم ضد قائد الولاياتالمتحدة كما حدث مع سلفه. ولأجل ماذا يحدث كل ذلك؟ لأجل حفنة أصوات فى الانتخابات المقبلة. لا يمكننا اعتبار ذلك عذرا مقبولا تجاه شخص رأينا فيه زعيما واعدا للغاية، ذا وعى متطور بالتاريخ. إن شخصا على استعداد لبيع مصالح بلاده وبيع أيديولوجيته ذاتها خلال فترة رئاسته الأولى يمكن أن يُظهِر انتهازية مماثلة فى فترة رئاسته الثانية.
كم هى مثيرة للشفقة رؤية المبعوثين الأمريكيين اليوم يجوبان المنطقة ذهابا وإيابا كى يوزعا التهديدات. وعلى من؟ على الفلسطينيين الذين يشرعون فى السير فى طريق دبلوماسى جديد، وليس على الحكومة الإسرائيلية التى تتمسك بالرفض المدمر. كم هى مثيرة للشفقة رؤية دينيس روس، رجل المفاوضات الأمريكى الأبدى الذى عمل لدى جميع الإدارات الأمريكية تقريبا، يتجول بين رام الله والقدس دون أن يكون لديه شىء ليفعله، مثلما كان يتجول فى الماضى. إنها أمريكا القديمة والرديئة نفسها، كما لو أن أوباما لم يأت.
لدى الرئيس الأمريكى فرصة تاريخية لتحسين وضع بلاده، وإثبات أنه كان يستحق جائزة نوبل للسلام التى منحت له، وإظهار التزام حقيقى بفرض السلام فى المنطقة الأكثر خطورة بالنسبة إلى مستقبل للعالم، والتعبير عن حرص أصيل على رخاء إسرائيل لكن ما الذى سنحصل عليه بدلا من ذلك؟