●● عقد مجلس السوفييت الأعلى اجتماعا، وتحدث الرفيق ليونيد إيلييتش بريجينيف، الأمين العام للحزب الشيوعى، طارحا التصويت على إقالة وزير الخارجية أندريه جروميكو بعد 28 عاما تولى فيها هذا المنصب، وفى فترة من أعنف فترات الحرب الباردة بين الشرق والغرب.. وكانت المفاجأة هى أن جروميكو شخصيا سارع برفع يده أو إصبعه بالموافقة على إقالته.. ولو لم يفعل ذلك لربما قطعت يده أو رأسه فى ذاك الوقت. ●● تذكرت تلك القصة التى وقعت فى عام 1982 حين أعلن الرئيس الروسى الحالى ديمترى ميدفيديف ترشيحه لرئيس الوزراء الحالى والرئيس الأسبق بوتين لتولى منصب رئيس الجمهورية بعد فترة استراحة قضاها كرئيس للوزراء، حيث دافع الرئيس الروسى الحالى دميترى ميدفيدف عن قراره بعدم خوض الانتخابات الرئاسية لولاية ثانية، قائلا إن رئيس الوزراء فلاديمير بوتين أكثر شعبية منه.. كأنه مثل أندريه جروميكو يرفع يده أو إصبعه موافقا على إقالته من منصبه..!
وقال ميدفيدف أيضا خلال مقابلة تليفزيونية: «يجب أن ألفت انتباهكم إلى حقيقة أن رئيس الوزراء بوتين دون شك هو أكثر سياسى مؤثر فى بلادنا، وأن وضعه أعلى إلى حد ما».
●● وقال بالنص أمام مؤتمر حزب روسيا الموحدة: «أرشح فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين لخوض انتخابات الرئاسة المقبلة». ولحظتها اهتزت القاعة بالهتافات، وبدوى وصراخ أكف 11 ألف شخص من المنافقين.
●● النكتة الطريفة، إن كان فيها أى طرافة هى أن بوتين بدوره أوصى بتولى ميدفيدف منصبه الحالى كرئيس للوزراء، (المنصب الحكومى رقم 2) عقب الانتخابات الرئاسية التى تجرى فى 4 مارس المقبل.
●● يمكن للمهتمين بالشأن الروسى كتابة عشرات المقالات حول العلاقة بين بوتين وميدفيدف، فهما أصدقاء منذ فترة طويلة، وتخرجا فى نفس مدرسة القانون بجامعة لينينجراد فى سان بطرسبرج وعمل ميدفيدف مع بوتين فى مؤسسة الرئاسة. وفى الانتخابات الرئاسية السابقة قال بوتين إنه سيقبل منصب رئيس الوزراء إذا أصبح صديقه رئيسا.. هكذا يتبالادن قيادة التكية الروسية، بتلك الديموقراطية أو الشرعية المهترئة والكذابة، على الرغم من النصوص الدستورية التى تقضى بتولى مقعد رئيس الجمهورية لفترتين متتاليتين (كانت الفترة 4 سنوات ثم أصبحت 6 سنوات) وبالفعل أمضى بوتين ثمانى سنوات رئيسا وأربع سنوات رئيسا للوزراء. ومن المتوقع أن يحكم الكرملين 12 عاما أخرى بعد أن طالت فترة الرئاسة الواحدة.. وهو ما يعنى أنه بالدستور والديمقراطية سيحكم روسيا لمدة 20 سنة.
●● النصوص سهلة الصياغة، لكنها لا تساوى شيئا حين لا تحترم أو يتم التحايل عليها.. النصوص وحدها لا تحمى الديمقراطية والحرية والعدالة والوطنية والمصلحة العامة، ولا تحمى الشعوب أيضا من ديكتاتور يولد من بطن الديمقراطية.. ما يحمى هذا كله حقا هو الضمير، والتخلى عن شهوة الحكم، والإيمان بتداول السلطة.. وأن تكون نصوص الدستور مقدسة ولا تحتمل الالتواء ولا يمسك بها رجال سياسة يتمتعون بقدر كبير من الانتهازية..
●● على الرغم من نصوص الدستور الروسى.. يتساءل المرء: أى دستور هذا.. أى ديموقراطية تلك؟!