منذ ظهور الربيع العربى، يتطلع الكثيرون هنا إلى خريف أمريكى. وكل ما حصلنا عليه حتى الآن هو حركة «احتلوا وول ستريت». على مدى أسبوعين اعتصم أعضاء حركة مقاومة بلا قيادة، قوامها نحو مائتى شخص (يعتمد تقدير العدد على من تتوجه إليه بالسؤال) احتجاجا على الجشع والفساد ضمن أسباب أخرى للسخط. وفى البداية صدرت الدعوة فى يوليو من مجلة «أدباسترز» التى تطلق على نفسها «شبكة عالمية للناشطين والمبدعين فى الثقافة»، إلى الاحتجاجات. وكما ذكرت مجلة نيويورك فى اليوم السابق على بدء الاحتجاج، أن المتظاهرين سوف يعقدون اجتماعا أولا فى بولينج جرين بارك، من أجل إعداد برنامج يتضمن ممارسة اليوجا، ومعارك بالوسائد، وطلاء الوجوه. غير أن شرطة نيويورك أحبطت هذه الخطط.
ومع ذلك، يبدو الحدث كما لو كان مهرجانا للإحباطات، جلسة تنفيس جماعية بدون حد أو استعجال، توضح مدى بعد المسافة بين وسط مدينة مانهاتن عن دمشق حيث لا توجد عدوانية الشرطة المفرطة. غير أنها اجتذبت مؤسسات معارضة مثل مؤسسة مايكل مور وكورنيل وست، ويبدو أن كليهما يتطلع إلى انتفاضة تناسب رواياتهما عن أسباب استيائهما بشكل شخصى.
●●●
وفى حين أن هذه الاحتجاجات لا تتسم بالوضوح والحجم اللذين شهدناهما فى هذا البلد، ناهيك عن البلدان الأخرى، فإنها تبرز شعورا متناميا بخيبة الأمل بين الأمريكيين، وما يشعرون به من إخفاقات الحكومة الحالية وعدم فاعليتها فى معالجة مشكلاتهم.
وفى الواقع، أظهرت سلسلة من استطلاعات مؤسسة جالوب، نشرت هذا الأسبوع، معدلات قياسية للاستياء من الحكومة، من بينها مايلى:
● ذكر 81 فى المائة من الأمريكيين أنهم غير راضين عن الأسلوب الذى تحكم به البلاد.
● وصل معدل الثقة فى الكونجرس إلى معدل انخفاض قياسى جديد الشهر الماضى.
● شهدت ثقة الأمريكيين فى المرشحين للمناصب الرسمية، أو الذين يشغلونها، مستوى انخفاض قياسيا جديدا أيضا.
● تعتبر موافقة الأمريكيين على الكونجرس بنسبة 15 فى المائة أعلى بنسبة اثنين فى المائة فحسب عن أدنى مستوياتها على الإطلاق الذى شهدته مرتين فى العام الماضى.
● قال 43 فى المائة وهى نسبة أقل من أى وقت سبق فى العقود الأربعة الأخيرة إن لديهم ثقة كبيرة أو معقولة فى قدرة الحكومة الفيدرالية على معالجة المشكلات المحلية.
● سجل إحساس الأمريكيين بأن الحكومة الفيدرالية تفرض تهديدا مباشر لحقوق وحريات الأفراد مستوى ارتفاع جديدا أيضا.
● من المحتمل أن يزيد على الأمريكيين الذين يقولون إن أداء الرئيس أوباما والكونجرس الحالى سيئ فيما يتعلق بالتعامل مع أهم مشكلات الأمة بأكثر من ضعف من يقولون إن أداءهما جيد. بل إن الغالبية تعتقد أن أداءهما أسوأ من أداء الإدارات السابقة.
●●●
ولكن، حتى مع ارتفاع مستوى الاستياء، ومشاركة النجوم فى الاحتجاج، يوجد شىء فى حركة «احتلوا وول ستريت» يبدو كما لو كان شرارة أشعلت فى عشب رطب: يصعب أن تعرف كيف تشتعل فيها النيران. (من المتوقع أن تنضم للاحتجاجات فى الأسبوع المقبل بعض كبريات النقابات والجماعات الليبرالية فى المدينة. وربما يفيد ذلك).
هذا الأمر الذى بدأ كرسالة يصعب على أية حال الاختلاف مع فكرة مكافحة الجشع والفساد أقل من أن يكون له جدوى. ففى حين يعانى العديد من الأمريكيين من آلام هذه الأزمة المالية، يتعامل قادتنا بلا عقل أحيانا وبلا قلب أحيانا أخرى مع الأزمة، ولم يجد العديد من بين الأكثر تضررا وسيلة لتوجيه آلامهم ضمن وجهة سياسية. والكثيرون لا يرون المعركة بالطريقة التى يطرحها العديد من الناشطين: التعادل بين من يملكون ومن لا يملكون فى فرض الضرائب أو التقشف.
وفى الواقع، أوضح استطلاع للرأى نشره يوم الخميس مركز بيو للأبحاث، عدم وجود توافق واضح بشأن ما إذا كانت البلاد منقسمة بين من يملكون ومن لا يملكون. بل إن ثلث أولئك الذين فى أدنى مستويات الدخل من يحصلون 30 ألف دولار سنويا أو أقل يعتبرون أنفسهم بين من يملكون.
كما أظهر استطلاع للرأى أجرته نيويورك تايمز وسى بى إس، إن ثلث من يحصلون على 30 ألف دولار سنويا أو أقل لا يعتقدون أن على الحكومة أن ترفع الضرائب على الأثرياء من أجل تخفيض عجز الموازنة.
فضلا عن أن الاحتجاج يعتبر حركة غير حزبية، وقالت مجلة نيويورك فى عرضها إن أحد المنظمين قال إن حركة «احتلوا وول ستريت» مقصود بها توجيه لوم إلى الاقتصاد الليبرالى الجديد، وردا يساريا يقوده الشباب على حركة حفل الشاى.
غير أن حركة حفل الشاى لديها أجندة سياسية، وهو ما يفتقر إليه هذا الاحتجاج. وقد أدت حركة حفل الشاى دورا مهما فى توجيه الغضب إلى نتائج انتخابية وتغيير المشاعر الانتخابية.
وقد أظهر استطلاع للرأى نشرته مؤسسة جالوب يوم الجمعة، أنه، بداية من 2010، زاد للمرة الأولى خلال عشر سنوات على الأقل عدد من يعتقدون أن الجمهوريين سيكونون أفضل من الديمقراطيين فى الحفاظ على ازدهار البلاد.
ومنذ 2010، زاد عدد من يعتقدون أن الجمهوريين سوف يكونون أفضل من الديمقراطيين فى معالجة المشكلات التى يعتقدون أنها الأهم بالنسبة لهم، وهو ما عكس هيمنة الديمقراطيين على الأمر منذ 2004.
●●●
فما هى النتيجة السياسية التى يهدف إليها هذا الاحتجاج؟ سيكون مضيعة بالنسبة لهم صد الشركات الأعداء من دون طرح أبطال سياسيين. وهو ما قد يضعف الحماس الضعيف بالفعل نحو اليسار.
كما أظهر استطلاع آخر للرأى أجرته مؤسسة جالوب هذا الأسبوع أن الحماس الديمقراطى للتصويت فى انتخابات 2012 كان فى أدنى مستوياته خلال عشر سنوات بالنسبة للحماس الجمهورى. فقد تفوق الجمهوريون ب27 نقطة مئوية.
وفى الربيع الفائت، أظهرت دراسة أجراها باحثون فى مؤسسة بايلور ونوتردام نشرتها مجلة دراسات السعادة، أن التعساء أقل إقبالا على التصويت من الراضين عن حياتهم. وربما تكون حركة «احتلوا وول ستريت» بداية لشىء ما، وربما تتبدد كإحدى غرائب سبتمبر وأكتوبر. ولكن لا شك أن هناك دائرة من الساخطين تتوق بشدة إلى شىء تحتشد حوله. حيث ينتظر الناس بفروغ صبر صيحة النفير، وهى الصيحة التى يئسوا من سماعها تصدر من واشنطن.
وعلينا أن نرى ما إذا كانت الخطط التى تتضمن معركة بالوسائد سوف تتحول إلى معركة سياسية.