إن الناس الذين توقعوا رؤية تركيا عن أوباما، أو سلطانا عثمانيا، أو قائدا عسكريا يعلن الحرب على إسرائيل، خاب أملهم. فالرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، الذى وصل إلى القاهرة مع وفد مرافق ضم 280 وزيرا ومستشارا ورجل أعمال، وقع اتفاقيات تجارية مشتركة مع مصر، وأعلن دعمه إقامة دولة فلسطينية، منتقدا بشدة إسرائيل «لأنها لا تعرف طريق السلام». فى الأمس، كان لأردوغان ظهوران عامان: الأول، عندما ألقى خطابا فى الجامعة العربية فى القاهرة أمام وزراء الخارجية العرب، والثانى، خلال مؤتمر صحفى كان معدا لمخاطبة الأمة العربية، لكنه اقتصر على الإجابة عن بعض الأسئلة.
وظهرت إسرائيل خلال اللقاءين كأبرز عقبة فى وجه السلام فى المنطقة، إذ حرص أردوغان على ذكر المواطنين الأتراك التسعة الذين قتلوا فى أثناء مهاجمة الكومندوز الإسرائيلى سفينة مافى مرمرة فى طريقها إلى قطاع غزة، كما ذكر الجنود المصريين الذى قتلوا عقب العملية الإرهابية قرب إيلات.
وقال أردوغان: «إن عقلية الحكومة الإسرائيلية هى عقبة فى وجه السلام». ولم يأت على ذكر العقوبات التى فرضتها تركيا على إسرائيل، لكنه كرر المطالب التركية لإعادة العلاقات الطبيعية مع إسرائيل، وهى: رفع الحصار عن غزة، وتقديم اعتذار عن قتل المواطنين الأتراك على سفينة مافى مرمرة، ودفع تعويضات لأسرهم. واعتبر أردوغان الدول التى لا تساعد فى رفع الحصار عن غزة «شركاء فى الجريمة»، وكان يقصد فى كلامه الدول الأوروبية والولايات المتحدةالأمريكية، والتى كان أدان قبل أيام تجاهلَها مقتل المواطنين الأتراك. كما لمّح إلى بعض الدول العربية التى لا تفعل ما فى وسعها لرفع الحصار.
وشدد أردوغان على أن الاعتراف بدولة فلسطينية «ليس خيارا بل هو واجب».
وعلى الرغم من مقاطعة وزراء الخارجية العرب خطاب أردوغان بالتصفيق مرارا، لوحظ اصفرار بعض الوجوه عندما قال أردوغان: «تربط الأتراك والعرب صلات الأخوة منذ مئات الأعوام، والثقافة والإيمان نفسهما».
لكن ما لم يقله أردوغان هو بأهمية ما قاله، فهو لم يغلق الباب فى وجه ترميم العلاقات مع إسرائيل، ولم يحدد نيات تركيا إزاء حماية حرية الحركة فى البحر الأبيض المتوسط، ولم يتبجّح بشأن طرد السفير الإسرائيلى من أنقرة، كذلك لم يضع الملح على جروح مصر فى مسألة اقتحام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة.
ومع ذلك، فإنه من الخطأ التركيز على تقويم زيارة أردوغان لمصر، أو على أهمية تركيا فى المنطقة، وحرىّ بإسرائيل التركيز على مشكلتها «الشخصية» مع تركيا التى ينبغى أن تجد لها حلا.