صدرت رواية "وشم وحيد" للكاتب المصري سعد القرش، و فيها ثورة مستمرة على الظلم وعلى ازدراء الإنسان ودعوة صارمة إلى تقويم ما أعوج أو استوحش من التصرف البشري الذي يظهر من خلال التحكم بمصائر الناس. إلا أن الثورة في الرواية هي ذات مدى طويل وكفاح مستمر وقد لا تؤتي ثمارها للمناضلين إلا بعد زمن، وربما جاء التعويض في شكل أجيال جديدة تولد من رحم العذاب.
تدور الرواية وتجري الأحداث مع بطلها "وحيد" خلال حفر قناة السويس؛ المشروع كبير ووراءه مصالح كبرى ومن يعمل فيه مثل وحيد وأبيه يتحمل السياط والعذاب والموت دون دفن يليق بالإنسان وكرامته.
في الدين الإسلامي تشديد على إن إكرام الميت دفنه، وفي القصص الأسطوري اليوناني القديم تواجه "انتيجوني" (او انتيجونا) العذاب والآلام الرهيبة لأنها رفضت أن تترك جثة أخيها دون دفن كما أمر قريبها الحاكم الطاغية.
السؤال هنا هو هل نترك الميت دون دفن فنرتاح أم نتحدى القانون الظالم والحاكم الطاغية وندفنه فيحكم علينا بعذاب لا مثيل له. انتيجوني اختارت الدفن مع ما يستتبعه ذلك من العذاب وفي الوقت نفسه استسلمت لقدرها بعناد.
وبطل سعد القرش اتخذ القرار نفسه، لكنه لم يستسلم لقدره بل بدا كأنه يسعى إلى كتابة هذا القدر بيده هو.
حمل جثة أبيه من مكان إلى مكان هربا من الطغاة الذين قرروا رمي الجثة وغيرها من الجثث في الفلاة دون دفن حقيقي لائق. وقد كافح الظلم وارتكب القتل دفاعا عن النفس في سبيل هذا الهدف. الأثر الديني في هذا الموقف أكيد ويبدو مسلما به، لكن العنصر الدرامي لا يقل عنه قوة بالنسبة إلى هذا العمل الروائي. الدفن هنا فعل محبة وفعل انتصار على الظلم واللإنسانية.
في الإهداء نقرأ ما كتبه سعد القرش "قال ابن بطوطة حين زار مصر:يستبد العسكر والشعب يئن تحت وطأة الحكم ولا يهتم الأقوياء بذلك. والعجلة تدور." إهداء خاص إلى شهداء ثورة يناير 2011" في مصر.
تبدأ الرواية على الشكل التالي وبتأثير في النفس وكثير من الإيحاءات عبر وصف الحدث. "حمل وحيد أباه. رفعه بين يديه ودفء الحياة لم يتسرب تماما من الجسد الهزيل. لم يصدق ما جرى. حدثته نفسه أن أباه مجهد أتعبه العطش وحمل الرمال مع ألاف لا يعرف لهم حصرا ممن يحفرون القناة.