الوفد الثقافى الفلسطينى الذى يجوب المؤسسات الثقافية المصرية هذه الأيام، كان حريصا على زيارة جريدة «الشروق» الاثنين الماضى. والمسألة تأتى، كما قال يحيى يخلف وزير الثقافة الفلسطينى، بهدف: «التواصل مع الحركة الثقافية المصرية والمؤسسات الثقافية والمثقفين المصريين، وتهنئة الشعب بإنجاز الثورة التى أشعلت الربيع العربى كله بما فيه ربيعنا، الثورة التى انعكست على الشعب الفلسطينى فى طريقه لإنهاء الانقسام والاحتلال.
اللقاء ضم عددا من الأدباء والشعراء والمفكرين الفلسطينيين، هم: محمود شقير، أكرم مسلم، غسان ذقطان، يوسف الناتشة، إسماعيل تلاوى، أحمد الرويضى، محمد الخليلى، عاطف أبوسيف، إبراهيم الزنطرى، والفنانة التشكيلية لطيفة يوسف. وحضر اللقاء الكاتب محمد المخزنجى، المهندس إبراهيم المعلم، الكاتب الصحفى وائل قنديل، أحمد الزيادى مسئول النشر بالشروق، وأحمد بدير مدير عام الدار.
بطبيعة الحال، تفرض أبعاد وأهمية القضية الفلسطينية نفسها على اللقاء، فيكمل يحيى يخلف حديثه عن أثر الثورة المصرية على الشعب الفلسطينى، فيقول إن: «إنهاء الانقسام كان فيه خطوات إيجابية ولعبت مصر دورا مهما فى هذا الأمر، بينما سرع ربيع الثورات العربية عموما من الوصول إلى الوفاق الوطنى، خصوصا بعد اشتعال الوضع فى سوريا، وصار هناك تضارب فى المصالح بين حماس والإخوان المسلمين فى سوريا».
ورغم أن أغلب جوانب القضية المطروحة مفهومة للجميع، إلا أن يخلف أثار نقطة مهمة ربما لا تأتى فى ذهن البعض، وهى أن القضية الفلسطينية من وجهة نظر إسرائيل هى قضية «شأن داخلى إسرائيلى، وبالتالى كان ذهاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبومازن إلى مجلس الأمن مثيرا للجدل والضيق، إضافة إلى الضغط غير المسبوق الذى مورس عليه».
ألم تكن هناك ضغوط من دول عربية؟. يجيب يخلف عن سؤال الكاتب وائل قنديل بأن المسألة لم تصل من الدول العربية إلى حد الضغوط، ولكن كانت هناك بعض النصائح، فهم لا يستطيعون الضغط أكثر من اللازم فى هذه الظروف التى تمر بها المنطقة. يكمل: « كنا نتوقع أن يخضع أبومازن إلى هذه الضغوط، أو ألا يذهب بعيدا فى عناد أمريكا، ففى لقائه مع الرئيس الأمريكى باراك أوباما، قال له بصرامة: «إننى مفوض من شعبى ولا أستطيع أن أخذله». وكان من الأمور التى أثارت انتباه الحاضرين هو أن هناك نحو 500 مثقف إسرائيلى وقعوا بالموافقة على فكرة إقامة دولة فلسطينية.
حصار الوعى
ويشتكى المثقفون الفلسطينيون من حظر انتشار الوعى الثقافى بين الفلسطينيين، وعزلهم عن الثقافة العربية بشكل عام، عن طريق منع دخول الكتب العربية لفلسطين، وكان يحيى يخلف تحدث فى هذه النقطة مع مدير اليونسكو السابق كويشيرو ماتسورا فى هذه المسألة عندما كان فى فلسطين لحضور الاحتفال بمدينة بيت لحم: «طلبنا منه التدخل لحل هذه الأزمة الثقافية فلم يصدق، وعندما سأل لجنة اليونسكو بفلسطين، أرسلوا له تقارير مرعبة، وصدم عندما علم بأنه لا توجد كتب أو مراجع حتى للجامعات، وراح يصارع بضراوة حتى تمت الموافقة على دخول الكتب أثناء معرض فلسطين للكتاب، بشرط أن تكون تحت رعاية وإشراف اليونسكو، وألا تكون كتبا محرضة بأى شكل، وهى مسألة بالطبع تخضع لمعاييرهم، وبعد انتهاء هذا الحدث عادت الأمور إلى طبيعتها، وراحوا يمنعون دخول كل الكتب التى تصدر فى الوطن العربى ما عدا الكتب الصادرة فى مصر والأردن!»
هذه النقطة تحديدا أثارت سخرية الحضور، متوقعين أن موافقة السلطات الإسرائيلية على دخول الكتب المصرية إلى إسرائيل تشير بشكل ما إلى حسن العلاقة بين النظام المصرى السابق والحكومة الإسرائيلية.
لم يقف الأمر عند منع الكتب، بل إن المناهج الدراسية تم تعديلها خاصة فى مادتى التاريخ والدين وزوروا فى بعض القصائد الشعرية، وانشأوا مدارس تتبع دائرة المعارف الإسرائيلية مباشرة.
وهو الأمر الذى استفاض فيه الكاتب الفلسطينى محمود شُقير: «كنت أعمل بالتدريس فى 1967، وقتها قمنا بإضراب لشهرين كاملين لمناهضة هذا التزييف، وكان الإسرائيليون غير معنيين بأمرنا، قمنا بتشكيل اتحاد معلمين سرى، واستطعنا فرض بعض المناهج، فى وقت كانوا هم يحذفون فيه كل ما له علاقة بالوطن وبالتاريخ، لدرجة أبيات شعر لابن الرومى رغم أنه من العصر العباسى».
ويرى شقير أنه حتى الآن لم يتم التعبير عن القدس كما ينبغى فى الأدب العربى، بل إن هذا متحقق بشكل كبير فى الأدب العبرى، وتذكر قصة موجعة حكاها الروائى العراقى على بدر، عندما تحداه أحد الكتاب الإسرائيليين، قائلا إن الأدب العبرى به مائة رواية عن القدس، وتساءل عن حجم وجودها فى الأدب العربى، فراح على بدر جامعا كل ما استطاع من معلومات عن القدس، وعمل عليها حتى أنجز روايته «مصابيح أورشليم» عن القدس التى لم يزرها أبدا.
الشاعر الفلسطينى غسان ذقطان، والحاصل على جائزة محمود درويش هذا العام، لم يبتعد كلامه كثيرا عن فكرة الثغرة الثقافية الواقعة بين فلسطين وبقية الدول العربية، ولكنه ركز على الأجيال الجديدة التى لم تتح لها فرص التعرف على إنتاج الدول الأخرى، كما أن الجيل الجديد فى معظم الدول العربية، وهذه نتيجة طبيعية لهذا الحصار الثقافى.
أنفاق التهويد
وعملية التهويد التى تتم لمدينة القدس، ليس أمرا جديدا أو مبتكرا على ساحة النقاش العربى الفلسطينى، وأصدر الباحثون عدة كتب لتوضيح هذا الأمر، إلا أنه من الموضوعات التى لا يمكن تجاوزها فى أى نقاش حاصل.
وهذه المسألة تعرض لها يوسف الناتشه الذى عدّد جوانب المعركة الخاصة بالارتباط التاريخى بين البلدين، فلسطين وإسرائيل، فهو يرى أن خطورة حفر الأنفاق الحقيقية ليست على المسجد الأقصى كمبنى، ولكن المعركة الحقيقية فكرية بالدرجة الأولى، ليست على الحجر، بل على ما يرتبط به من أفكار، وضرب مثلا بالجواب الذى تطرحه إسرائيل عندما تسأل عن توقيت بناء الهيكل الثالث، فيأتى الجواب: نريد أن نبنى الهيكل فى عقول الناس أولا.
يرى أيضا أن لليونسكو موقفا سلبيا جدا فى مسألة الحفريات والأنفاق التى هى إحدى الوسائل فى تسويق الفكر الصهيونى، وأن هناك خطورة فى ربط الوجود الإسرائيلى بالفكر التوراتى، بفكر العسكرة.
وهو الكلام الذى صدق عليه الباحث فى شئون القدس أحمد الرويض: ف «البلدة القديمة لها بُعد إسلامى، بينما الفكرة التى ينشرونها فيها بُعد يهودى.. والآن الفكرة إنهاء مفهوم البلدة القديمة ووضع الحوض المقدس، وبالتالى تدريجيا كنيس تم بناؤه بحجم الأقصى».
إسماعيل تلاوى أمين عام اللجنة الوطنية واليونسكو بفلسطين، علق على ما قيل فى توصيف ما يحدث فى القدس، وعلى موقف اليونسكو، بأنهم بصوب إعداد تقرير ودراسة واضحة تستند إلى الأبحاث الدقيقة لتناقش فى المؤتمر العام لليونسكو المقبل، وهذه المسألة سوف تكون على جدول الأعمال بالتعاون مع الوفود مع المجموعة العربية بباريس. هذا التقرير سيخرج عن مجموعة من الخبراء. ويعترف تلاوى بأنه: «كان هناك بالفعل تقصير من اليونسكو ولكن الأمور فى طريقها الآن إلى تحسين الوضع، وتم إصدار خمسة قرارات لأول مرة فى تاريخ اليونسكو بهذا الشأن، وهى نقلة نوعية فى الاعتراف بالمدينة القديمة، وتم تصحيح بعض القضايا التى سقطت فعلا من خلال تقصير ما من خلال الدورة الحالية».
فى نهاية اللقاء، قال المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة الشروق: «كلنا شاعرون بالتقصير والحماس فى الوقت نفسه، وللأسف كنا مقصرين فى حق أنفسنا أيضا، ولكن بدأنا منذ 25 يناير بقوة، والشعور العربى كان واضحا، وفلسطين منذ أيام الفراعنة هى الجهة التى يأتى أمن مصر من ناحيتها»، يكمل: «إن وصول الكتاب مشكلة لابد من حلها فعلا، ولكن لابد أيضا من التغلب على التزوير الذى يحدث، والذى تحدثت فيه من قبل مع أبوعمار».
بينما يشعر د. محمد المخزنجى أنه أمام محاسبة ضمير تجاه فلسطين، وقال إن الفضول كان دفعه لدخول جناح إسرائيل فى معرض فرانكفورت للكتاب، ليجد أن كل كتب التراث التى يقدمونها هى تراث فلسطينى مسروق.