قد لا ينتصف نهار اليوم ويكون استاد مدينة نصر (ناصر سابقا) قد امتلأ عن آخره بجموع من الفلاحين، الذين تركوا غيطانهم من «صباحية ربنا، وجاءوا بسيارات مديريات الزراعة فى كل محافظات مصر فى مظاهرة أعدت مسبقا. والإعداد تم بتجهيز من وزارة الزراعة، وبتمويل من الجمعيات الزراعية وبتجييش من الحكومة للاحتفال بالعيد الرسمى للفلاح. وقد ينتصف نفس النهار على الفلاحين، الذين سيأتون إلى تظاهرة ميدان التحرير المليونية اليوم فيما سمى بثورة الغضب الثالثة دون أن يملأوا لا الميدان، ولا نصفه، ولا حتى ربعه. لأن نقابة الفلاحين، التى دعت إلى النزول لميدان التحرير أعلنت أنها ستحتفل بالعيد على طريقتها الخاصة. وهى الاحتفال بشكل رمزى، كما أكد ل«الشروق» محمد عبدالقادر نقيب الفلاحين. ولكن ما بين المشهدين (الحكومى والرمزى)، من المؤكد أنه سيأتى فلاحون آخرون لا هم مع الحكومة ولا مع النقابة ليطالبون بحقهم فى اقتطاف جانب من ثمار الثورة أو على الأقل سيطالبون برد اعتبارهم، الذى فقدوه على مدى الثلاثين عاما الماضية. هؤلاء هم ذات الفلاحين الذين كانوا يبيتون على أسفلت ميدان التحرير طوال الأيام الينايرية بدون حشد من أحد. وربما الكل يتذكر واحدا منهم، وكان يقف بالساعات حاملا يافطة كتب عليها (أسقطوا مبارك عدو الفلاح). «نحتفل بإيه؟» نحتفل بأن الفلاح يطفح الدم فى غيطه، ولا يجد السماد إلا بطلوع الروح، وبأضعاف أضعاف سعر تكلفته، مع أن الحكومة تدعم الغاز الذى تنتج به مصانع الأسمدة، إلا أنها تبيعه بأسعار مغالى فيها دون ضابط من الحكومة. نحتفل بأن الفلاح أصبح يستخدم مبيدات معظمها مغشوش يؤثر على المحصول. نحتفل والفلاح حتى الآن لا يجد أى وسيلة للتأمين الصحى مثله مثل غيره من فئات المجتمع. ثم كيف نحتفل ودم شهداء ميدان التحرير لم يجف بعد، فالفلاح اعتاد ألا يقيم فرحا وجاره لديه مآتم. مع ذلك الحكومة مصممة تحتفل يقول عبدالقادر. بينما كان كبار المسئولين فى وزارة الزراعة يعقدون اجتماعا يوم الثلاثاء الماضى فى مقر الوزارة لوضع اللمسات النهائية للاحتفال، الذى سيعقد فى مدينة نصر اليوم، كان البعض يسرب تفاصيل الخطة المعدة للحفل عبر (سى دى) للاجتماع يتناقله البعض، وينسخونه رغبة فى توزيعه على أوسع نطاق. وهو ما زاد من غضب العاملين المعتصمين منذ أيام على الأرصفة أمام وداخل الوزارة للمطالبة بتثبيتهم. دون أن يعيرهم المسئولون المنهمكون فى الإعداد للحفل الحكومى أى اهتمام. هل معقول أن تدفع كل جمعية زراعية 5000 جنيه، ولدى الوزارة 6000 جمعية. يعنى تكلفة الاحتفالية الحكومية، التى ستشارك فيها كل المحافظات بالأمر ستصل إلى ملايين دون أن يستفيد الفلاح بشىء. «على العموم نحن سننزل ميدان التحرير حتى لو بفلاح واحد. المهم أن نمثل فى هذا اليوم وفى هذا المكان»، تبعا لنقيب الفلاحين. «الفلاحون ليسوا مثل زمان. الآن هناك شريحة واسعة من أبناء الفلاحين المتعلمين، الذين حصلوا على دبلومات زراعة. وأصبح لديهم الوعى، وهم بالأساس الذين أسسوا هذه النقابة الوليدة منذ شهور. هؤلاء لديهم الآن أراضٍ فى قرى الخريجين فى مناطق كثيرة مثل النوبارية والبستان فى البحيرة وبعض مناطق بالقرب من الإسكندرية، وليسوا من بين مزارعى هذه المناطق آميين على الإطلاق. فهؤلاء هم الذين أقنعوا آباءهم بالانضمام إلى نقابة الفلاحين. لأنه كان من الصعوبة بمكان أن تنشأ نقابة للفلاحين من كبار السن لأنهم لا يجتمعون مع بعض إلا فى الأفراح والمآتم. بعكس العمال الذين يجتمعون فى العنابر بالمصانع مما يسهل تجميعهم فى تنظيمات نقابية. هكذا يوضح أحمد محمد عبدالرحيم المستشار القانونى للنقابة طبيعة النقابة، والتى يرى أنها يمكن بالفعل أن تحسن من أوضاع الفلاحين. «حنعمل زى طلعت حرب» يقول عبدالرحيم. يعنى النقابة سوف تتبنى فكرة إنشاء شركات أسمدة بمساهمات من الفلاحين. ويكون الحد الأدنى للسهم 100 جنيه. وبذلك سوف نكسر احتكار شركات الأسمدة، التى تحصل على دعم للغاز من الحكومة، ومع ذلك ترفع أسعار الشيكارة إلى 180 جنيها. وأهم مشروع بالنسبة لنا هو توفير التأمين الصحى للفلاح. الفلاح لا يجد من يدعمه. هل من العدل أن تقدم الحكومة دعما للصادرات بالمليارات لكبار التجار، الذين يحتكرون الفلاح ولا تعطى دعما للفلاح، الذى يزرع الأرض ويقضى عمرة فيها؟ وقال عبدالرحيم إننا ضد ما سمعناه مؤخرا من تقديم أوراق لتأسيس نقابة فلاحية للإخوان المسلمين. كيف هذا و«ليس هناك فلاح واحد فى مصر إخوان مسلمين». الفلاحون ليسوا من أهل اليمين ولا اليسار هم بطبيعتهم وسطيين. البطاطس ده أكل الخواجات ويبدو أن الحكومة لا تعرف أن المصريين لا يستطيعون العيش بدون أكل الأرز. وإلا لماذا تترك هذا المحصول المهم تحت رهن ألاعيب التجار، الذين يحتكرون هذا المحصول الحيوى. وتبدأ الحكومة تستورد من الخارج. الأرز ليس شيكولاته ولا هو تفاح يمكن الاستغناء عنه. ولا حتى يمكن الاستعاضة عنه بالبطاطس. فالبطاطس دى أكل الخواجات. والحكومة تضع رقبة الفلاح تحت يد التجار. ليس هذا فقط، بل تعطيهم دعما لمكافآتهم على احتكار الفلاح. هكذا أراد نقيب المحلة الكبرى بدير حمد أن يوصف أزمة الفلاح مع محصول الأرز.