انتابت عواطف متباينة الكثير من المصريين اليوم الخميس، وهم يستعرضون الصور التي نشرتها الصحف وأذيعت مرات عديدة على شاشات التلفزيون لرئيسهم المخلوع العجوز بعد يوم من تقديمه للمحاكمة، بعدما أمضى 30 عاما في موقع القيادة. وجاء العنوان الرئيسي لصحيفة الاخبار أعلى صورة لحسني مبارك وهو يرقد على سرير طبي خلف قضبان القفص في المحكمة "مبارك في القفص .. الآن نجحت الثورة". وكتبت صحيفة الأهرام، الصحيفة التي كانت في وقت ما تشيد بكل إجراء لمبارك في عنوانها: "مبارك ونظامه في قبضة العدالة حضوريا". وقال بعض المصريين الذين رأوا مشهد المحاكمة إن ظهوره في سرير طبي كان الهدف منه استدرار العطف، وقال آخرون إن هذه ليست الطريقة التي يعامل بها رجل عجوز، غير أن الكثيرين ممن طلب منهم أن يعبروا عن رأيهم أبدوا تعاطفا، لكنهم قالوا إن العدالة بجب أن تأخذ مجراها. وقال ميشيل عاطف، وهو محاسب عمره 27 عاما، إنه شعر بالأسف من أجله، لكن هذا لا يعني أنه يجب عدم محاسبته على ما فعل. وأضاف أن هذه المحاكمة ضرورة. أما الذين كانوا في المحكمة، فقد فتحوا أفواههم دهشة عندما شاهدوا مبارك (83 عاما) قائد القوات الجوية الأسبق، يرقد في سرير طبي داخل القفص حيث يحتجز عادة المتهمون في قضايا جنائية. والمرة الاخيرة التي ألقى مبارك فيها كلمة، كانت في أكاديمية الشرطة التي تقع على مشارف القاهرة حيث تجري محاكمته حاليا، وكان آنذاك مازال في السلطة وأشاد وقتها بدور قوات الشرطة. وكان ذلك في الثالث والعشرين من يناير. وبعد يومين تفجرت الثورة ضد حكمه. وفي الايام التي أعقبت ذلك استخدمت الشرطة الذخيرة الحية والطلقات المطاطية والغاز المسيل للدموع لمحاولة قمع الاحتجاجات. واستشهد نحو 850 مصريا في ثورة 25 يناير، التي استمرت 18 يوما. ويواجه مبارك الان اتهامات بقتل محتجين وقد يواجه عقوبة الاعدام. والكلمات الوحيدة التي قالها يوم الأربعاء من سريره كانت "أفندم أنا موجود. كل هذه التهم أنا أنكرها كاملة". وبالنسبة للبعض فإن رؤية رئيسهم وقد وهنت قوته لم تخفف غضبهم. وقالت سمية سعد (63 عاما) وهي امرأة متقاعدة إنها تفضل أن يكون لديها رحمة بكلب أو قط ولكن ليس بهذا الرجل. وأضافت أن هذا المشهد كله الذي يرقد فيه على سرير طبي هو تمثيل وكان يمكنه أن يجلس ويتحدث. وقالت إنها محاولة لكسب عطف الامة. ومضت تقول إنه سبب الكثير من القمع لهذا البلد طوال الأعوام الثلاثين الماضية ويجب عدم نسيان ذلك. وبالنسبة لآخرين فان صوره، وهو يرقد في سرير ويرفع رأسه من وقت لآخر لمتابعة الإجراءات، يمثل قدرا كبيرا من الإهانة لرجل قاد القوات الجوية لمصر ضد اسرائيل في حرب عام ،1973 وأشاع الاستقرار في بلاده بعد اغتيال سلفه أنور السادات في عام 1981. وقال بدر الدين جبر (56 عاما) الذي يعمل في مجال الإعلانات إن دموعه سالت وهو يشاهده عاجزا على ذلك النحو، وأضاف أنه يجب عدم نسيان الصفات الجيدة التي تحلى بها عندما كان رئيسا. وقال إنه ما كان يجب أن يوضع في القفص بينما العالم كله يشاهده وأن هذه اهانة لمبارك واهانة للمصريين. والمحاكمة التي أذيعت تلفزيونيا في أنحاء العالم أذهلت المصريين والعرب الذين أمضى معظمهم حياتهم في ظل النظم الاستبدادبة التي اهتزت بفعل "الربيع العربي" هذا العام. وألقوا باللائمة على مبارك الذي أحدث انقساما بالغا في الامة بين الغني والفقير وبين النخبة القوية والغالبية التي لاحول لها. وقالت أمل عبد الحليم وهي زوجة عمرها 40 عاما إنه سلوك بشري أن يخطيء المرء ولأننا بشر يجب ان تكون لدينا رحمة في مثل هذا المشهد، وإنها لا تتمنى هذا حتى لألد اعدائها. لكنها أضافت أن هناك فرقا بين تعاطف القلب والايمان بضرورة تحقيق العدالة والحساب. والشيء الذي اتحد المصريون بشأنه هو الغضب من ابني مبارك؛ علاء: الابن الاكبر الذي اهتم بمصالحه التجارية، وجمال الذي كان ينظر إليه على أنه يجري إعداده لخلافة والده في الرئاسة. ويشعر كثيرون أنهما استخدما والدهما في تكوين الثروات والنفوذ. وقال وائل بدر وهو محام يبلغ 40 عاما إنه لا يتعاطف مع ابني مبارك وإنهما يدركان ما تسببا فيه لوالدهما. وأضاف أنهما اهتما فقط بمصالحهما على حسابه من خلال تركه يحكم في سن متقدمة من أجل يحققا فوائد.