عنوان «الإرادة الشعبية» الذى ترفعه اليوم التيارات الإسلامية ولا تتحفظ عليه بقية القوى الوطنية التى اعتمدته فى بياناتها التوافقية وأضافت إليه عبارة «وحدة الصف» إن كان المقصود به رفض جميع أشكال الوصاية على إرادة المصريين والتأكيد على أن القرارات المصيرية فى السياسة والاقتصاد وشئون الدولة لن تحتكر مجددا لا من فرد ولا من قلة ولا من جماعة، فلا يمكن أن يكون محل اعتراض من أحد. عنوان الإرادة الشعبية إن كان المقصود به رفض فرض مبادئ حاكمة للدستور الجديد أو وثيقة إعلان مواطنة أو وثيقة حقوق أساسية على المصريات والمصريين دون حوار حقيقى يهدف لبناء التوافق المجتمعى ويدمج الآراء والاجتهادات المحتلفة، فلا يمكن أن يكون محل اعتراض من أحد. أما إن قصد بعنوان الإرادة الشعبية الرفض المسبق لفتح حوار حقيقى حول فكرة المبادئ الحاكمة للدستور تشارك به التيارات الإسلامية مع جميع التيارات الأخرى ووصم الفكرة بصفة الاستعلاء على الشعب ومصادرة إرادته دون اعتبار لكون الدعوة للحوار حول مبادئ الدستور هى فى الجوهر محاولة للتوافق قد تنجح وقد تفشل ولا يحمل مجرد اختبارها طالما لن يستبعد أى فصيل وطنى مضامين استعلائية، يصبح الاعتراض على العنوان مشروعا لكونه يصادر مسبقا على إمكانية أن نتوافق ديمقراطيا على مبادئ الدستور. أفهم جيدا أن التيارات الإسلامية تتحفظ على وثائق المبادئ الدستورية المختلفة لأنها لم تشارك فى صياغتها، وأتفهم أيضا رفض الإسلاميين لوثائق تقيد عمل اللجنة التأسيسية التى سيشكلها البرلمان القادم. إلا أننى لا أفهم الإصرار على رفض مجرد الشروع فى حوار حول المبادئ الدستورية يضمن طابعه الديمقراطى بتمثيل ومشاركة جميع التيارات دون استبعاد أو إقصاء وكذلك بالالتزام الصريح بالعودة إلى الشعب مصدر السيادة والسلطات وصاحب الإرادة الحقيقية فى استفتاء على المبادئ بعد صياغتها التوافقية إن نجحنا فى مهمة الصياغة التوافقية وهى ليست باليسيرة. على مدى الأيام الثلاثة الماضية تداولت القوى الوطنية حول مظاهرات اليوم وتلاقت فى بياناتها على إبعاد الخلافات عن ميادين الحرية فى مصر والالتزام برفع شعارات تعبر عن مطالب توافقية تتعلق باستكمال أهداف الثورة كمحاكمة رموز النظام السابق وتطهير مؤسسات الدولة من أتباعهم وحقوق أسر الشهداء والمحاكمات العادلة للمتورطين فى قتل المصريين ورفض المحاكمات العسكرية. ابتعدنا عن جمعة الشريعة والهوية والدولة الإسلامية، وابتعدنا أيضا عن الدستور أولا. التوافق فى البيانات عبر بوضوح عن الالتزام برفع شعار الإرادة الشعبية دون إشارة لقضية المبادئ الدستورية على منصات الجمعة وفتح المنصات لمتحدثين من مختلف التيارات. فى اجتماعات القوى الوطنية كان الحديث واضحا عن أن المبادئ الدستورية هى قضية خلافية ومحل تنازع بين مؤيدين ورافضين وأن الأفضل للحفاظ على التوافق العام الامتناع عن الحديث عنها لا بالسلب ولا الإيجاب. على الرغم من حديث بعض ممثلى التيارات الإسلامية خلال الساعات الماضية عن إصرارهم على توظيف اليوم لإعلان رفضهم للمبادئ الدستورية، إلا أننى مازلت أتمنى أن تسود الروح التوافقية ويلتزم الجميع بالحديث عن عنوان الإرادة الشعبية ووحدة الصف وبترك القضايا الخلافية وقضايا التفاصيل لساحات الحوار والإدارة السلمية للاختلاف خارج ميدان التحرير.