تتفاوض الهيئة العامة للثروة المعدنية مع المجلس العسكرى وعدد من الجهات الحكومية لإيجاد مخرج قانونى لتفعيل اتفاقيات التنقيب عن الذهب فى الصحراء الشرقية، والتى تم توقيعها قبل الثورة، بما يسهم فى استغلال الإمكانيات التعدينية لإنعاش الاقتصاد القومى، إلا أن عدم وضوح الرؤية يعرقل محاولات الهيئة والمستثمرين لتحقيق أى تقدم فى هذه المسألة، الأمر الذى دفع المستثمرين للتهديد بسحب استثماراتهم. وقد وقعت مصر فى بداية عام 2010 ثلاث اتفاقيات للكشف عن الذهب فى 3 مناجم بالصحراء الشرقية، لشركتين كندية وسويسرية، بشرط التصنيع المحلى للذهب المنتج. وقد راجع مجلس الدولة الاتفاقيات من الناحية القانونية، لكن حل مجلس الشعب أوقف العمل بها لعدم إصدار قانون بها، وهو ما يعرقل العمل فى التنقيب عن الذهب، حتى الآن رغم مرور ما يقرب من عام من توقيعها. ومن جانبه قال جوزيف تادرس، الممثل التجارى للسفارة الكندية بالقاهرة ل«الشروق»، إن عدم وجود قرار حازم لتحديد مصير هذه الاتفاقيات سيعطل مجهود الهيئة العامة للثروة المعدنية والتعدين، خاصة أن هذا المجال كان مهملا لسنوات طويلة. وأضاف تادرس أن شركة زيد جولد، إحدى الشركتين اللتين وقعتا الاتفاقيات، هى الشركة الكندية الوحيدة التى تعانى مشكلات فى مصر، مؤكدا أنها لم تجد حلاً حتى الآن بعد أن حول المجلس العسكرى أمر اتفاقيات الذهب لوزارة البترول، بدلا من أن يتخذ قرارا بشأنها، ونفى تادرس أن يكون السبب فى هذه العرقلة هو البيروقراطية، ولكن «عدم إدراك أهمية هذه الاتفاقيات فى ظل الأوضاع الحالية والكم الهائل من المشاكل الداخلية فى مصر». وشملت الاتفاقية الأولى مع شركة زيد جولد الكندية إعطاء الحكومة المصرية نسبة 7% من الإنتاج نظير استغلال المنجم، بالإضافة لنصيب يتراوح بين 52 و 55% من حجم الإنتاج بعد استبعاد النسبة المخصصة لاسترداد النفقات التى تكبدها الشريك الأجنبى، والبالغة 30%. أما الاتفاقية الموقعة مع شركة جيرتيكس السويسرية فنصت على إعطاء الحكومة 5% من قيمة الإنتاج نظير استغلال المنجم، بالإضافة لدخولها كشريك بنسبة 65% من الإنتاج، وهى النسبة الأعلى فى اتفاقيات الذهب الدولية، حسب تأكيد الهيئة العامة للثروة المعدنية. ودافع عبدالعال حسن، نائب رئيس الهيئة العامة للثروة المعدنية، عن النسبة المقررة لمصر فى تلك الاتفاقيات والتى تعطى لمصر 7% كحق لاستغلال المنجم، بالإضافة لدخول الحكومة كشريك مع الشركة المنفذة بنسبة 55% وهى نسبة كبيرة بالمقارنة بحجم المخاطرة التى سيتحملها المستثمر وحده، لافتا النظر إلى أن السعودية تفرض على المستثمر نسبة 22% تحت مسمى ضريبة الركاز، واليمن والسودان تأخذ نسبة 17% من الأرباح بعد تشغيل المنجم، وهناك بعض الدول الأفريقية مثل غانا لا تأخذ نسبة، وتكتفى بتحصيل رسوم إيجار المنجم فقط. وتعتبر هذه الاتفاقيات أفضل بكثير من الاتفاقية التى تمت قبل سنوات والخاصة بمنجم السكرى، الذى بدأ الإنتاج بالفعل، تبعا لحسن، والتى يبلغ فيها حق استغلال المنجم 3% فقط من قيمة الإنتاج، وتصل نسبة المشاركة فى الإنتاج فيها إلى 50%. يؤكد حسن أن الاتفاقيات الثلاث ستحقق مكاسب هائلة للاستثمار فى مجال التعدين والصناعات التعدينية، فى الوقت الذى لا تمتلك فيه الدولة الإمكانات الفنية والمادية الكافية للإنفاق على أبحاث التنقيب، موضحا أن ما تمتلكه الهيئة هو بعض المؤشرات فقط لأماكن وجود هذا المعدن الثمين، «نحن لا نمتلك رفاهية الإنفاق لكى أتأكد من وجود الذهب من عدمه»، بينما شركات القطاع الخاص التى تدخل هذا المجال لديها الإمكانات المادية للصرف على هذه الأبحاث والدراسات، كما يقول حسن لافتا النظر إلى أن الشركة ستتحمل وحدها المخاطرة كاملة. وتتكلف فترة البحث فقط نحو 20 مليون دولار. وأكد عبدالعال أن الاتفاقيات مع الشركتين تتضمن إنشاء مصنع لإنتاج الذهب باستثمارات أولية تبلغ 100 مليون دولار، فضلا عن إعطاء هيئة الثروة المعدنية ست منح مدفوعة مقدما لتدريب العاملين بالهيئة. ومع الأخذ فى الاعتبار أن تلك الصناعة كثيفة العمالة، فإن توقفها يضيع على مصر فرص عمل لعدد كبير من العمال. وأوضح جوزيف تادرس أن ما يزيد من الصعوبات التى تواجهها الشركة الكندية انها لا تزال فى طور التأسيس، وهو ما يجعلها تحت المساءلة، ولا بد أن تحقق قدرا من الشفافية مع بداية طرح أسهمها فى البورصة، وبالتالى فإن استمرار الوضع الحالى وعدم تمكنها من الإنتاج سيتسبب لها فى العديد من المشاكل، محذرا من أن تعطى هذه الشركة رسالة سلبية أمام الشركات التى تعتزم دخول السوق المصرية سواء فى هذا المجال، أو المجالات التى لا تزال بحاجة إلى الخبرة الأجنبية. ومن الناحية القانونية قال الخبير القانونى، السفير ابراهيم يسرى، إن هناك إمكانية لاستصدار مرسوم بقانون من المجلس الأعلى للقوات المسلحة للتصديق على الاتفاقيات التى وقعتها وزارة البترول مع المستثمرين، موضحا أن سبب التحفظ على اصدار هذا القانون حتى الآن قد يكون بسبب بعض عمليات التهريب لخام الذهب التى تم الكشف عنها فى الأشهر القليلة الماضية، مؤكدا ترحيبه بوجود قانون جديد يضع ضوابط فنية وقانونية تكون ملزمة للشركات العاملة فى هذا المجال، خاصة أن هناك عمليات استخراج للذهب بالمخالفة للقانون تمت خلال الفترة الماضية. بينما اعتبر أستاذ القانون الدولى، حمدى عبدالرحمن، أن هذه الاتفاقيات تدخل فى نطاق اتفاقيات حق الامتياز والتى تشترط موافقة البرلمان المصرى عليها قبل دخولها حيز التنفيذ، مؤكدا أن توقيع الحكومة عليها لا يكفى وحده لتطبيق بنودها، لكن من الممكن أن يتعامل المجلس العسكرى مع هذا القانون بصفته «التشريعية» فى هذه الفترة الانتقالية، لعدم تعطيل العمل وضياع الاستثمارات على مصر. ونفى عبدالرحمن إمكانية تراجع الحكومة المصرية عن أى بنود تم إدراجها فى الاتفاقيات التى وقعتها مع المستثمر الأجنبى، مؤكدا أن الإخلال بأى بنود فى الاتفاقية قد يعرض الحكومة للمساءلة القانونية الدولية فى حالة لجوء المستثمر إلى القانون الدولى، مؤكدا من جهة أخرى أنه لا يحق للمستثمر الاعتراض حاليا على تأخير تنفيذ الاتفاقية، لأنه يعلم شرط موافقة وتصديق البرلمان على اتفاقيات حق الامتياز.