سعر جرام الفضة اليوم الأحد 8 يونيو ثالث أيام عيد الأضحى 2025    وزير دفاع إسرائيل يأمر الجيش بصد السفينة مادلين    موعد صرف مكافآت الفوز بكأس مصر للاعبي الزمالك    رياضة الأقصر: انطلاق مبادرة "العيد أحلى بمراكز الشباب" احتفالًا بعيد الأضحى    استعدادًا لكأس العالم للأندية.. الهلال يطارد نجم مانشستر سيتي    إقبال كبير على حديقة حيوان الإسكندرية    خلال أيام العيد.. ضبط 1670 كيلو لحوم ودجاج فاسد بالمطاعم في الدقهلية    وسط أجواء مبهجة.. قصور الثقافة تطلق احتفالات عيد الأضحى في شرم الشيخ والطور وأبوزنيمة    متفوقا على "ريستارت".. "المشروع X" يتصدر إيرادات دور العرض السينمائي    الدفاع المدني بغزة: الاحتلال يمنع إنقاذ الأحياء في القطاع    إقبال جماهيري على عروض البيت الفني للمسرح في عيد الأضحى (صور)    جولات ميدانية مكثفة لمديري مستشفيات قصر العيني للاطمئنان على سير العمل ودعم المنظومة الطبية    مصرع طفلين بحادث تصادم مروع بطريق أجا في الدقهلية    وزير الخارجية يبحث مع نظيره التركى تطورات الأوضاع فى غزة وليبيا    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    زيزو: "تمنيت اللعب مع أبو تريكة وأتذكر هدفه في كلوب أمريكا"    جولة مفاجئة لرئيس جامعة المنصورة بالمستشفيات والمراكز الطبية    متحف شرم الشيخ يطلق فعاليات نشاط المدرسة الصيفية ويستقبل السائحين في ثالث أيام عيد الأضحى    روسيا: إسقاط 10 مسيرات أوكرانية استهدفت مقاطعة بريانسك    صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتحول إلى مقابر خلال 48 ساعة    وزير الزراعة: نستعرض الخطط الاحترازية لحماية الثروة الحيوانية من الأمراض العابرة للحدود    لم تحسم.. حقيقة تعاقد الزمالك مع المدافع الجزائري زين الدين بلعيد (خاص)    ضبط عاطلين بحوزتهما حشيش ب 400 ألف جنيه    مراجعة نهائية متميزة في مادة التاريخ للثانوية العامة    بعد تعدد حدوثها l سرقة سيارة أو توك توك تقود للقتل أحيانًا    تقديم الرعاية ل2096 مواطنًا بقريتي السرارية وجبل الطير البحرية في المنيا    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    التأمينات الاجتماعية تواصل صرف معاشات شهر يونيو 2025    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه    موعد عودة الوزارات للعمل بعد إجازة عيد الأضحى المبارك 2025. .. اعرف التفاصيل    منافذ أمان تضخ لحوم بأسعار مخفضة في كافة محافظات الجمهورية (صور)    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    بعد عيد الأضحي 2025.. موعد أول إجازة رسمية مقبلة (تفاصيل)    أمين الفتوى: أكل "لحم الجِمَال" لا يَنْقُض الوضوء    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    وزارة العمل تعلن عن فرص عمل بمرتبات تصل إلى 15 ألف جنيه .. اعرف التفاصيل    انفجار في العين.. ننشر التقرير الطبي لمدير حماية الأراضي المعتدى عليه خلال حملة بسوهاج    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد أعمال الحفائر الأثرية بعدد من المواقع الأثرية بالأقصر    في حديقة حيوان الزقازيق.. إعفاء الأيتام وذوى الهمم من رسوم الدخول    «البدوي»: دعم الرئيس السيسي للعمال حجر الأساس في خروج مصر من قوائم الملاحظات    الصحة: فحص 7 ملايين و909 آلاف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف السمع    مجلة جامعة القاهرة لعلوم الأبحاث التطبيقية «JAR» تحتل المركز السادس عالميًا (تفاصيل)    الدكتور محمد الخشت: 11 شرطا لتحول القادة المتطرفين إلى قيادات مدنية    محافظة الشرقية: إزالة سور ومباني بالطوب الأبيض في مركز الحسينية    مجلة الأبحاث التطبيقية لجامعة القاهرة تتقدم إلى المركز السادس عالميا    رونالدو ينفي اللعب في كأس العالم للأندية    أسعار البيض والفراخ اليوم الأحد 8 يونيو 2025 في أسواق الأقصر    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    غزة.. السودان.. ليبيا.. سوريا.. المعاناة مستمرة عيدهم فى الشتات!    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة الثورة: سؤال القطيعة
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 07 - 2011

إذا كان من اسم ثان للثورة فهو القطيعة. والقطيعة هى مع بنية مركّبةِ الأبعاد والمستويات والمجالات والآليات، تسمّى نظاما. وهى، من منظور الثورة، تاريخيّةٌ، فى معنى التقدّم، وجذريّةٌ، فى منزعها إلى تجاوز الأوضاع والحلول الوسطى التى تتخذ أسماء كثيرة: منها الاعتدال والوسطية، ومنها الإصلاح الذى له وظيفة تفكيك المنزع الثورى، مع بقاء «المصلحين» وكسبهم رضى الناس. وما دام للقطيعة هذا التركيب وهذا المنحى فهى ليست خطّا أو حدّا نقطعه وإنما هى صيرورة أو مسافة تقصر أو تطول، بحسب فاعلية الفعل. قلّما يتسع الخطاب أو التناصّ الفكرى إلى تعقّد هذه الصيرورة وإلى ما يُمفصل الواقعُ من عناصرها. وإذا كنا لا نعرف ما سيكون عليه هذا التمفصل فى التجارب الثوريّة العربيّة فإن فى تجارب الثورات الكبرى ما يدلّ على صعوبته، ربطا بين مستويات الواقع، بالرغم مما كان، فى بعضها، من تزامن وتفاعل بين تحوّلات قطاعية. هذا يعنى، نهاية الأمر، أن القطيعة محصّلةُ قطائع متساندة ومتراكمة، فى المسار الطويل للفعل الثورى.
يسهل قول هذا، نظريا، ولكنه يصطدم، فى تاريخ المجتمع العربى الاسلامى، وتخصيصا فى تاريخ فكره، بغياب مفهوم القطيعة. ولأن التاريخ الفعلى، لا الخيالى، كان تاريخ تسلّط مستمرّ، توالدا واستنساخا، فقد قضى على نوايا القطع، فى السياسة والدين، وإنْ ترك صيغا من اختلاف فيه رحمةٌ، أى لا يخيف. هكذا، مثلا، أتاح غيابُ القطيعة هيمنةَ ما سميتُه، قبل سنوات، «برادايم الطاعة» الذى ساد وتواصل، عبر القرون، بدعوى الخوف من الفراغ والفتنة، وجعل ممكنا قولُ: «ستون سنة تحت سلطان جائر أفضل من ليلة بلا سلطان»، وهو قول تناقلته قرونُ ثقافة لا تستوعب القطيعة ولا تتحمّلها. ولعلّ من أوضح الظواهر، فى هذا الاتجاه، ما لا يزال سائدا من ثقافة تتداخل فيها الأزمنة، مهما تباعدت، وأنساق الفكر، مهما تناقضت: حدود «البراديغمات» مفتوحة دائما بعضها على بعض، وقد يكون فى الخطاب أو المقال الواحد تداخل ٌبينها، لا يرى صاحبه حرجا فيه وإنما ثراء وروافدَ مُتآلفة. والمهم فى هذا ما وراءه من رؤية تستبطن ماضيا لا ينقطع، ماضيا يُرعبه «انقطاع السند». فى هذه الرؤية، لا يكون التحوّل من وضع إلى وضع وإنما ارتدادُ وضع إلى وضع أو استمرارُ وضع فى وضع. من هنا كانت ثنائيات مشهورة، ولكنها فارغة، لا جدليّةَ فيها، ومعضلتها أنه لا تنازل عنها ولا قدرة على حلّها: الماضى والحاضر، التراث والحداثة، الأصالة والمعاصرة، الدين والعلم، الهوية والذوبان، وهلّم جرّا. والغريب أن هذا العطب الثقافى يجد «تخريجات» له فى «خصوصيّة».
يرفعها العرب والمسلمون فى وجه الحلول التى اهتدى إليها غيرهم، وكأنهم الوحيدون، فى العالم، ممن لهم خصوصيّة.
هكذا تبدو أولى صعوبات القطيعة فى غياب ثقافتها. إنه غياب يُكسب الارتداد «جهوزيّة» دائمة، متربّصة، لا تحتاج لغير رصيد جاهز، منذ زمن طويل. كلّما عجز المجتمع عن السير، فى اتجاه تقدّمه، قويت هذه «الجهوزيّة»، فى اتجاه الماضى: تهجر إليه أو تجلبه إلى حاضر وتوطّنه فيه. من الطبيعى، إذا، أن يواجه مشروعُ القطيعة العربى ارتدادا كثّفه وسيّسه المنعطفُ الثورى. هذا الارتداد قد يتبنّى، هو أيضا، شعار «القطيعة» مع الوضع القائم. من الطبيعى، كذلك، أن يخاف من سند الارتداد وقوّته مشروعٌ لا يسنده امتدادُ قطائعِ التنوير ومتاريسه، إلاّ ما تناثر منه وتباعد فى الزمان والمكان والذاكرة. هذا ما يجعل خوف الثورة من سلفية الارتداد أكبر من خوفها مما يرتدّ منها، عليها، فى مسار تقدمها. وليست السلفية محصورة فى العلاقة بماضى الدين، فهناك، فى السياسة، سلفيون جدد يشدهم حنين المصَالح إلى سلف طالح.
على أن المفهوم، أى مفهوم، لا وزن له ولا جدوى خارج استعماله وسياقه. ما تداولته الثورات العربية الجارية من معنى القطيعة، بقطع النظر عن المترادفات، يشير إلى أولوية القطع مع نظام سياسى وأمنى وقانونى سابق. ما حدث فى تونس ومصر يؤشّر على إمكانية هذا القطع، باجراءات عملية، لعلّ أكثرها حسما ذهاب التونسيين إلى مجلس تأسيسى وإلى صياغة دستور جديد، لا معدَّل، اضافة إلى هيئات متابعة ومراقبة، أوجدوها «لحماية الثورة» و«لتحقيق أهدافها». المؤجَّل الأكبر هو، تحديدا، ما يبدو مسكوتا عنه، حتى الآن: طبيعة النظام الاجتماعى الاقتصادى الذى يبدو وكأنه من المسلّم به أن الثورة لا تمسّ أساسَه الرأسمالى. هذا النظام (وليس النظام السياسى فقط) هو الذى سيواجهه الفعل الثورى، فى المدى البعيد، وهو الذى له الصبر الطويل فى بناء التناقضات وفى فرز الفاعلين، فى هذا الاتجاه أو ذاك.
اختصارا، للقطع، حتى الآن، مكتبساتٌ هى مداخِله، ولكنّ مساره لا تُرى خواتيمه. ظهرت تعابير الشكّ والتشكيك وملامح الإحباط، باعتبار ما تراءى، لحظةَ البدء، من انجازات الزمن القصير. بدأ سؤال: إلى أين؟ وهو سؤال الثائرين، قبل غيرهم، سؤال من رأى أن القطيعة التى هبّت به وهبّ بها لم تحسم أمرها، حتى مع النظام السياسى القديم، فما بالك بالحسم مع ما هو أقدم.
هذا «داخليا»، وإن غابت، اليوم، حدود الداخل والخارج. لكنّ العرب كغيرهم، لا ينسجون مشروع قطيعتهم فى مجتمع مغلق. هناك قوى، فى الخارج، لا تقبل مسارا لا يضمن لها المصالح. وهى عندما ترفع شعار مساندة شعب ثائر ضد حكّامه، كما تفعل اليوم مع ما تختار من ثورات عربيّة، فليس ذلك «تضامنا» مع شعب عربى فهذا آخر همّها وإنما لتقديرها أن مآل مصالحها سيصبح بين أيدى سلطة «مضمونة». هذه قاعدة وليست رأيا. للثورة، عند هذه القوى، معنى الإصلاح، لا أكثر، ولها حدودُه. ما تجاوزه، هو، عندها، فوضى غيرُ خلاّقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.