قبل عامين من الثورة أصدرت نادية رمسيس، أستاذة الاقتصاد السياسى بالجامعة الأمريكية، كتابا مهما تناول تاريخ الرأسمالية المصرية منذ نشأتها فى عهد محمد على وتطورها فى عصر إسماعيل وصدامها مع عبدالناصر ثم إعادة تكوينها فى عصر الانفتاح الاقتصادى، «الشروق» سألتها عن تصوراتها للتطور الجديد للرأسمالية المصرية بعد ثورة يناير. ● هل كنت تتوقعين حدوث حراك اجتماعى فى مصر بحجم ثورة 25 يناير؟ نعم كان هذا متوقعا بالنظر الى التداعيات السلبية للسياسات الاقتصادية المتبعة منذ عام 1991 على المواطن المصرى، فقد أسقطت الولاياتالمتحدة وقتها نصف ديون مصر بعد اشتراكنا فى حرب الخليج، وذلك مقابل تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة، وهى لم تكن فقط سياسات لتحرير الاسواق ولكنها نوع من الرأسمالية المتوحشة، حيث تراجع دور الدولة فى تقديم الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وتم تصفية القطاع العام، وذلك بهدف فتح الاسواق للشركات الكبرى التى هى السلطة الحقيقية فى الغرب، إلى جانب تدبير الموارد لسداد الديون المصرية ولكن على حساب حياة المواطن العادى. وبالرغم من أن الرئيس السابق كان معارضا فى البداية لهذه السياسات لأنه عايش انتفاضة 1977 وكان يدرك جيدا مخاطر تلك السياسات التحررية، إلا أن الولاياتالمتحدة قدمت إغراء كبيرا بإسقاط 25 مليار دولار من الديون المصرية. ● ما هى أبرز الضغوط التى عايشها المواطن من وراء تلك السياسات وقادتنا إلى حالة الغضب الاجتماعى؟ سياسات تجميد الأجور والمرتبات، وهى سياسات كان هدفها تقليل الواردات والاستهلاك لتخفيض العجز وتدبير الموارد لسداد الديون، لذلك لم يتعد نصيب الأجور من دخل القطاع العام فى نهاية التسعينات 9.5% ومن دخل القطاع الخاص 7.5%، وهو ما قادنا فى تلك الفترة الى حالة من الركود الاقتصادى. الواقع أن أصحاب تلك السياسات الليبرالية الجديدة كانوا يتطلعون إلى إعادة توزيع الدخول من «أسفل إلى أعلى»، حيث يرون أن الطبقة العليا التى تقود الاقتصاد تحتاج الى زيادة مدخراتها واستثماراتها لتحقيق التنمية وهذه فكرة مغلوطة، لأن معظم دول العالم الثالث تعتمد على الانفاق الحكومى، والاستثمار الذى يذهب إليها لا يحبذ تحمل المخاطر، وهو ما قادنا إلى خلق قطاع خاص غير كفء وشره إلى حد كبير، يتطلع الى استثمارات طفيلية تحقق أرباحا من خلال الاستفادة من موارد الدولة التى توفرها له الحكومة المهيمنة بدورها على عملية توزيع تلك الموارد. وهو الوضع الذى دفع رجال الاعمال للدخول بكثافة فى الحزب الوطنى والمناصب الوزارية، بهدف حماية مصالحهم، وأصبحت تطلعاتهم للربح تتفوق على الرأسمالية الغربية، فالرأسمالى الغربى إذا حقق أرباحا ب15% أو 20% يعتبر انه حقق ارباحا ضخمة، إلا أن الرأسمالى فى مصر يتطلع لتحقيق أرباح 100%، فى الوقت الذى لا يزال الاقتصاد المصرى يعيش فيه على البنية الصناعية التى أنشأناها فى الستينيات. ● كيف انعكست سياسات التحرر الاقتصادى على مستويات الفقر فى مصر بتقديرك؟ فى عام 1970 كان معدل الفقر لدينا 24%، والواقع انه كان انخفض من مستوى 35% بسبب الاصلاحات الاشتراكية فى الحقبة الناصرية، أما الآن فأنا شخصيا أقدر معدل الفقر فى مصر بأنه يتراوح بين 55% و60%. ● بعد الثورة تصاعدت حركة الاحتجاجات العمالية ورأى البعض أنها مطالبات أنانية تضر بالثورة، فما هو رأيك فى هذه القضية؟ هذه الاحتجاجات لا تضر بالثورة ولكنها تضر النظام الاقتصادى المرتبط بالنظام السياسى السابق، فهذا الحراك الاجتماعى يعبر عن رغبة فى إعادة هيكلة النظام الاقتصادى، وهذا هو الدور الطبيعى للثورات، صحيح أن لدينا أزمة اقتصادية ولكن سببها الرئيسى فى رأيى هو أن السياسات الاقتصادية للحكومة الحالية لا تختلف عن سياسات الحكومة السابقة. ● هناك اعتراضات كبيرة من مجتمع الأعمال على زيادة الضرائب خوفا من هروب الاستثمار؟ رجال الأعمال سيحتجون على أى شىء يخفض أرباحهم حتى لو بنسبة 1%، وكما رأينا فقد اعترض العديد من رجال الاعمال على الحد الادنى للاجور ب700 جنيه، وطالبوا بإعفائهم من التأمينات فى مقابل ذلك، أنا لا أطالب بتأميم الاستثمار ولكن لدينا رأسمالية متوحشة، ورجال أعمال كانوا جزءا من النظام السابق، ولديهم نظرة شديدة السلبية تجاه ارتفاع صوت الشعب الآن، من المستحيل أن نعتمد على هذه الطبقة فى بناء التنمية التى نتطلع إليها فى مرحلة ما بعد الثورة، يجب أن نؤسس نظاما اقتصاديا جديدا، وإذا لم ترض به تلك الرأسمالية فلترحل. ● وما هى الفئة التى يجب أن تعتمد عليها الدولة فى تحقيق هذا النظام التنموى برأيك؟ لدينا طبقة متوسطة من مجتمع الأعمال، وهى طبقة عانت كثيرا من حيتان السوق الذين يرفضون أن يكون الاقتصاد تنافسيا، واحتكاراتهم تمنع رجال الاعمال المتوسطين من تنمية أعمالهم. هؤلاء الحيتان كانوا يعتمدون على النفوذ السياسى للنظام السابق، الآن هذا النفوذ سقط ولدينا الفرصة لخلق طبقة رأسمالية وطنية جديدة، تقدم لها الدولة حوافز مثلما فعلت حكومات جنوب شرق آسيا، كتقديم قروض منخفضة السعر ومساعدات للتصدير، ولكن مقابل الالتزام بقواعد المنافسة والخضوع للقانون.