نصح مستشار رئيس الوزراء التركى، جمال الدين هاشيمى، المصريين ب«الثقة فى بصيرة الشعب خلال المرحلة الانتقالية، وعدم الخوف من اختياراتهم فى المرحلة الانتقالية، محددا التحديات التى تواجه مصر فى هذه المرحلة فى الوصول إلى نموذج سياسى يضمن التعددية السياسية، وتمثيل الأقليات وإدماج جميع أطياف المجتمع». رافضا أن تسعى مصر ل«تقليد تجارب أخرى، بل عليها النظر إلى تجربتها الخاصة وتحديد مطالب الشعب، ومن ثم النموذج المناسب لها». وأكد هاشيمى على اهتمام بلاده بتطوير العلاقات مع مصر وتونس لتتجاوز الحكومات إلى مستوى الشعوب، مشيرا إلى أن منطقة الشرق الأوسط «تغيرت إلى الأبد ولن تعود إلى سابق عهدها». ●هل ترى أى نقاط مشتركة بين تركيا ومصر فى مراحلهما الأولى من التحول الديمقراطى؟ اعتقد أن المهم هنا ليس الاختلافات أو التشابهات الزمنية، بل علينا النظر للتطلعات. وفى هذا الإطار سنجد كثيرا من التطلعات المشتركة بين الشعبين المصرى والتركى، حيث إن كليهما يتطلع إلى نظام سياسى مستقر، وحر ومتعدد حيث تكون الدولة والنظام يمثلان رغبة الشعب بكل اختلافاته. هذا هو الطموح الذى يشكل المشتركات. وكل من مصر وتركيا لديهما خبرة سياسية طويلة مقارنة بدول أخرى فى المنطقة، حيث تمتلكان ليس فقط دولة تقليدية قوية، لكن أيضا مجتمع مدنى قوى. السياسة الداخلية لكلا البلدين، خاصة بعد الخمسينيات، وقعتا تحت تأثير قوى من التوازنات السياسية العالمية، التى نطلق عليها فترة الحرب الباردة، والتى عبرت عن نفسها بطرق مختلفة فى البلدين. وبشكل خاص، فإن العقد الأخير فى تركيا والعهد الجديد فى مصر يمثلان محاولات إعادة ترتيب النظام السياسى والدولة بشكل أكثر تمثيلا وديمقراطية. ●من وجهة نظرك ما هى التحديات التى قد تواجهها مصر فى بداية تحولها الديمقراطى؟ أعتقد أن التحدى الأكبر ليس لمصر فقط ولكن بالنسبة للتحول فى كل المنطقة، هو إيجاد نموذج سياسى يأتى بالاستقرار مع الحفاظ على التعدد السياسى. التحدى الثانى، فى مصر، هو مسألة الأقليات، خاصة الدينية منها. لابد من ترجمة الخبرة الاجتماعية، التى تعد نسبيا تعددية وسلمية رغم وجود بعض المشاكل، إلى خبرة سياسية ولغة. لابد أن نتعلم من خبراتنا الاجتماعية القوية والثرية لبناء لغة سياسية تقودنا إلى التعددية. أما التحدى الثالث فهو بناء نظام سياسى قائم على أساس إدماج مختلف الأطياف فى المجتمع بدون استثناء لأحد. ●عندما تقول إيجاد نموذج مناسب، هل تعنى أنه على مصر أن تنظر إلى نماذج الدول الأخرى أم أن نخلق نموذجنا الخاص؟ من الخطأ أن نضع خبرة الشعب المصرى، وقيم وعادات البلاد جانبا لنستورد نموذجا، كما أنه من الخطأ أن نتجاهل كل الخبرات المختلفة والتركيز فقط على تجربة واحدة من الداخل. المطلوب هو، حسبما اعتقد، أن تكونوا حساسين ومنفتحين كفاية للتجارب المختلفة، والتعلم منها مع ترجمتها حسب احتياجات الشعب المصرى. ما يهم فعلا هو الخبرة، وأحلام ومتطلبات المصريين، وعلى النظام أن يمثل هذا. ●تركيا لها خبرة فى مواجهة الإسلام السياسى بقوة، هل تعتقد أن فكرة إصدار قوانين تمنع الأحزاب السياسية ذات الخلفية الدينية، أو لمنع استخدام دور العبادة فى الخطاب السياسى، ستكون طريقة جيدة لخلق دولة مدنية؟ أعتقد أن المنع من المشاركة والتمثيل السياسى ليس حلا أو طريقا يمكن اختياره ولن ينجح، ولا أقول هذا عن الإسلام السياسى فقط لكن كل التيارات. وبقولى هذا، أعتقد أن السؤال يكون عن العلاقة بين الدين والسياسة، والذى يتطلب نقاشا أطول، إلا أننى ببساطة لا أعتقد أن المفاهيم الحالية أو طريقة فهمها، كالديمقراطية، والعلمانية، والدين، والسياسة مناسبة بالشكل الكافى لشرح أو بناء نظام ديمقراطى تعددى. ومثلما تمر الأنظمة السياسية فى المنطقة بحالة تحول، لابد أن نطور مفهومنا أو حتى كل مفاهيم ومفردات العلوم والنظريات السياسية، حيث إن أغلبها يعانى من المركزية الأوروبية وتعددية جديدة حقيقية، والنظام السياسى التعددى يحتاج، ليس فى مصر فقط لكن فى باقى المنطقة، إلى التحرر من هذه الافتراضات ذات الاتجاه الأووربى. هذه الثورات شديدة العمق والتاريخية لدرجة تجعلها بحاجة لتحديث فى معانى المفاهيم التى نستخدمها فى مناقشة السياسة. علينا أن ندرك أن ما يحدث فى المنطقة، خاصة فى مصر، هو حدث يشكل عصر، وليست مجرد نهاية دكتاتور. ودعونى أذكركم أن أكثر الأجزاء فاعلية فى سياستنا الخارجية هى طريقة وزير خارجيتنا أحمد داوود أوغلو فى تقديم واستحداث مفاهيم جديدة تناسب الحقائق السياسية. ●فى أول زيارة للرئيس التركى عبدالله جول لمصر بعد الثورة، التقى قيادات الإخوان المسلمين فى بادرة أثارت تساؤلات الكثيرين وفسرها البعض بأنها تشجيع لقيام دولة إسلامية فى مصر، فما دلالة هذه الزيارة من وجهة نظرك؟ أثناء زيارته التقى الرئيس جول بتيارات مختلفة، وقيادات وممثلى أحزاب سياسية وليس الإخوان المسلمين فقط. وبالتالى فإن الزيارة لم تقتصر على فصيل معين من المجتمع المصرى. لقد كان للزيارة معنى واحد، وهو التعبير عن التضامن مع شعب ودولة مصر، وإظهار دعمنا للانتقال. لقد دعمنا هذا وسنستمر فيه، والباقى فى يد الشعب المصرى. ثانيا، علىّ أن أضيف أنه إذا كان هناك ما يميز تركيا عن أى دولة أخرى، فهو قدرتها ونجاحها فى اللقاء والحديث مع الأطياف المختلفة فى كل دول المنطقة تقريبا، ونحن نعتقد أن مصر الجديدة لابد أن تقوم على الحوار والنقاش بين التيارات المختلفة بها. وكما قال الرئيس: «التطلع إلى بناء المستقبل أفضل من البقاء فى الماضى». لا يجب أن يتم إقصاء أى شخص من تدعيم الديمقراطية. هذا ما فعلناه فى تركيا، وهو ما يفسر نجاح نظامنا السياسى. ونحن نؤمن بأنه كلما زادت المشاركة السياسية، كلما أصبحت مصر أكثر استقرارا وحرية. ●ما هى أهم المعوقات التى واجهت حزب العدالة والتنمية كحزب ذى مرجعية دينية فى دولة مثل تركيا وكيف تمكن من تجاوزها؟ كثيرة، لكن بدلا من المصاعب أفضل الحديث عن استراتيجيات التعامل معها. أول استراتيجية كانت تعميق الديمقراطية ومشاركة مختلف أطياف المجتمع فى مناقشة وحل المشاكل، فبدون سماع أصوات الناس والتماشى معهم، وتحويل هذه الأصوات إلى سياسات صحيحة لن يتحقق شىء. ثانى استراتيجية كانت بناء اقتصاد مستقر، فبدون التوزيع العادل والناجح للثروات والتنمية، لن يكون هناك نقاش حقيقى حول الديمقراطية أو الحصول على دعم الشعب. أما الاستراتيجية الثالثة، وربما تكون الأهم، هى تحديد الأحلام من أجل المستقبل. ●من وجهة نظرك، ما مدى قدرة التيارات الإسلامية السائدة حاليا على الاندماج فى العملية الديمقراطية، خاصة أن البعض يرى أن تصرفات جماعة الإخوان المسلمين الآن بها بعض الأنانية؟ لن أتحدث عن مناقشات محددة فى السياسات الداخلية لمصر، لكن ما أود أن أقوله بشكل عام هو أن الخداع لا يجدى فى السياسة، وحتى إذا بدا كذلك فإنه سيكون لوقت محدود، لذا فما يهم هو الإقناع. وهذا يمكن تحقيقه فقط من خلال بناء الثقة. والإقناع الناجح يحتاج للاستماع والحديث مع التيارات المختلفة فى المجتمع، وطالما كانت هناك عملية مشاركة وتمثيل مستقرة وصحية. ●لكن هناك بعض المخاوف من أن 30 عاما من القمع وغياب المشاركة، والنظام التعليمى السيئ، جعل الناس فى حالة من عدم الوعى السياسى؟ لدينا فى تركيا كلمة هى نفسها فى العربية وهى «البصيرة»، وعندما يتعلق الأمر بمستقبلكم، ما تحتاجونه هو البصيرة وليس الشهادات العلمية، وما ترونه جيدا لكم، ولبلدكم، وأصدقائكم، وعائلتكم. لقد نجح الشعب المصرى فى المرور بتحول تاريخى، وتحرير نفسه من الدكتاتورية، وكل من المتعلمين وغير المتعلمين فى مصر وضعوا الأرضية من أجل مستقبل أفضل. مصر تدين بهذا إلى «بصيرة» شعبها الذى دعم التحول. «فثقوا ببصيرة هذا الشعب وليس شهاداته». بل إنه أحيانا يكون من الأسهل خداع المتعلمين، لكن هذا لا يمنع أن التعليم أمر حاسم فى تعديل العالم الجديد، ولابد من تطبيق فورى لسياسات تقلل هذه المعدلات المرتفعة من الأمية. وفى النهاية الديمقرطية تُبنى على أكتاف الشعب، ورغبته فى مستقبل أفضل، لذا فمن الافضل البحث عن الناس، والثقة فى خبرتهم وقراراتهم، واعتقد أن الشعب المصرى لديه الخبرة الكافية لذلك. ●كيف ترى تأثير الثورات العربية على الاستقرار فى الشرق الأوسط، ومدى تهديدها للكيان الإسرائيلى؟ لقد شددت تركيا منذ بداية الأحداث الثورية فى المنطقة على ثلاثة مبادئ رئيسية، أولا، ضرورة أن يكون هناك تغيير أو تحول. ثانيا لابد أن يعكس هذا التحول رغبة الشعب، بالاعتماد على الديناميكيات الداخلية دون أى تدخل خارجى. وثالثا لابد أن يحدث التحول بشكل سلمى قدر الإمكان. وقد حرصنا من البداية وسنواصل الحرص على دعم رغبة الشعب فى التحول بدلا من التدخل فى السياسة الداخلية، كما كنا نؤمن أنه من الصعب الحفاظ على الاستقرار فى ظل حكومات ظالمة، وفى ظل الدكتاتورية، والعنف. وقد بدا واضحا خلال العقد الماضى أن الشرق الأوسط أصبح من الصعب، وربما من المستحيل أن يواصل الاستقرار مع القمع والإقصاء والعنف. أما عن تأثير هذا على إسرائيل، فإن هذه التغيرات ستؤثر على السياسات الخارجية، وفتح معبر رفح هو مثال على هذا رغم المشاكل المصاحبة له. وعلى إسرائيل أن تدرك أن الشرق الأوسط القديم انتهى ولا يمكن أن تدعى أن شيئا لم يتغير. ما نراه هو منطقة جديدة قائمة على التحول، والمشاركة، والحوار، والحلول السلمية للمشاكل. ●كيف ترى تطور العلاقة بين تركيا من جهة وبين مصر وتونس من جهة أخرى بعد الثورة؟ أراها إيجابية وأعتقد أنها ستتحسن، لقد كان دائما هناك حوار رفيع المستوى بين المسئولين، قبل وبعد الثورة، واعتقد أن سفيرنا هنا يقوم بعمل جيد. لكن ما نحتاجه حقا هو اتصال أكبر بين الشعوب، على مختلف المستويات والمجالات، بما فيها الجامعات والصحافة وبيوت الخبرة. ●ما هى النصائح التى يمكن أن تقدمها لمصر خلال الفترة الانتقالية القادمة؟ حسنا، لقد أرسلتم بالفعل رسالة جميلة وقوية للعالم، والشىء الوحيد الذى أستطيع أن أقوله هو «مبروك»، وأتمنى أن يكون المستقبل أفضل وأكثر إشراقا. وفى رحلتكم، ستظل تركيا دولة وشعبا تدعمكم وتتضامن معكم.