من السابق لأوانه أن يتعجل بعض الطامحين إلى مقعد الرياسة بدء حملاتهم الانتخابية، فى وقت ما زال الجدل فيه مستعرا بين الانتخابات أولا أم الدستور، وما زال البحث فيه عن بدايات متفق عليها تشغل كل القوى السياسية والائتلافات الشبابية. بل ولم يتحدد فيه مصير الرئيس السابق وأركان نظامه، علما بأن من مصلحة أى رئيس قادم أن يجد نفسه فى سياق مختلف عن السياقات التى أفضت إلى النهاية الكارثية لمبارك وأسرته ونظامه! مشاعر الناس تجاه الرياسة ومؤسستها ما زالت مشوبة بكثير من الشكوك والمحاذير، ولم يعد أحد يفضل أن يرى رئيسا فردا يمسك بين يديه بكل السلطات ويستبق الأحداث فيجعل كل شىء محسوما بإرادته وليس بإرادة الشعب. ولعل عمرو موسى هو أول من تسرع إلى خوض المعركة، وأعلن بدءها قبل أن تبدأ على أرض الواقع. وهو يتحرك بسرعة مثل النحلة فيثير طنينا قد يذهب تأثيره عندما تشتعل حرارة المعركة.. وربما تأثر موسى فى أسلوبه بالطريقة الأمريكية. ولعلها المرة الأولى التى يداعب فيها طفلا ويحمله أثناء تجوله فى شوارع الإسكندرية ويتسابق الجمهور للحصول على صورة مع «الزعيم الجديد»! وحتى هذه اللحظة ما زال التحدى الرئيسى أمام المرشحين المحتملين للرياسة هو كسب ثقة الناخبين عن طريق تقديم برامج عمل محددة للمستقبل ولا تقتصر على الوعود والأحلام. إذ يبدو أن نزول المرشحين إلى الميدان قبل أن تحسم كثير من الأمور قد فتح الباب أمام محاولات تقليب الأوراق القديمة وإثارة الهواجس حول تصرفات أو سياسات اتخذت فى ظل النظام القديم.. والذين يثيرون موضوع بيع الغاز لإسرائيل فى وقت كان العرب ينهجون فيه سياسة المفاوضات متعددة الأطراف لحمل إسرائيل على تمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم، ينهجون أسلوبا غير منصف فى الدعاية ضد عمرو موسى. ولهذا السبب جاءت الاستطلاعات التى أجراها المجلس العسكرى فى ظروف غير محايدة تماما. ولم يكن هناك داع لها. صحيح أن البرادعى احتل المركز الأول فى الاستطلاع يليه محمد سليم العوا، ثم اختلفت المراكز بعد ذلك. والبعض وضع عمرو موسى فى المقدمة والبرادعى بعده فى الترتيب. ولكن معظم هذه الاستطلاعات لا يستند إلى أساس علمى. يستوى فى ذلك استطلاعات الفيس بوك للمؤسسة العسكرية، أو تلك التى تجريها مجلات وصحف أجنبية مثل ديرشبيجل ولوس أنجلوس تايمز. ويقيس البعض القدرة التصويتية للإخوان فى معركة الاستفتاء على التعديلات الدستورية مع موقفها المحتمل من التصويت على مرشحى السياسة. وحيث لم تعلن الجماعة عن مرشح بعينه تؤيده حتى الآن، فإن تعدد المرشحين الإسلاميين مثل أبوالفتوح والعوا سوف يقلل من تماسك الكتلة التصويتية للجماعة. تفاجئنا كثير من الأصوات والآراء المستقلة لأفراد عاديين ومفكرين وكتاب وسياسيين يقولون لك إنهم لم يعثروا بين المرشحين حتى الآن من يفضلونه عن إيمان واقتناع.. بشرط أن يكون أصغر سنا! يقول أحدهم فى مدونته: مصر تحتاج لجيل من الشباب المدرك لعلوم العصر وتقنياته.. ولكم فى أردوغان أسوة حسنة. فأردوغان دارس للاقتصاد وعمل فى التجارة وهو فى سن العشرين وتولى قيادة تركيا فى سن ال45 وعمره الآن 56 سنة.. نحن لا نريد من أحد فى السبعين وكل المرشحين فى مصر اقتربوا منها أو تجاوزوها أن يبدأ تجاربه فى الإدارة ويتحدث عن مشروع نهضة إسلامية. لا نريد تجارب جديدة. فقد جربنا الاشتراكية والانفتاح والسداح مداح.. إلى آخره وانتهينا إلى الحضيض.. وأمامنا تجربة تركيا نحتاج إلى أن نطبقها مع بعض التعديلات فى مصر. أما الحديث عن مشروع نهضة إسلامية فليقل لنا الداعون لها أين هى التجرية الناجحة لمثل هذا المشروع؟ فى أفغانستان؟ انتهت طالبان لتكون أكبر مصدر للمخدرات فى العالم؟ أم غزة حماس؟ أم ليبيا القذافى؟ أم إيران؟ النموذجان الناجحان هما تركيا وماليزيا وكلاهما لم يتحدث عن مشروع نهضة إسلامى، بل فصلا بين الدين والدولة.. وعملا على نهضة بلديهما ولم يتاجرا بالدين للاستيلاء على الحكم!