تأكد للشعب المصرى أخيرا ما كان شبه مؤكد من قبل، وإن انتقل من حالة الحدس إلى اليقين.. بأن الرئيس القادم سوف يظل هو الرئيس حسنى مبارك. على عكس كل التوقعات والتكهنات التى حاولت أن تنشر جوا من الاحتمالات والظنون التى تسبق عادة فى الدول الديمقراطية فترات التغيير بين انتهاء ولاية وبداية أخرى. أو خسارة حزب فى الانتخابات وفوز حزب منافس بما يوحى بتداول السلطة. وقد بدا فى وقت من الأوقات أن مصر مقبلة على شىء من التغيير وأن البحث جار عن الشخصية القومية المناسبة التى يمكن أن تتحمل المسئولية بعد نظام استمر 30 عاما. وسارع بعض المقربين والمنتفعين إلى البحث عن هذا الشخص المناسب داخل الأسرة الرياسية، وخاصة بعد الوعكة الصحية التى تعرض لها الرئيس. واقترنت بحضور إعلامى وسياسى مكثف غير مسبوق للابن جمال، تجاوز فى بعض الأحيان دوره كأمين للجنة السياسات. مما روج بقوة لاحتمال ترشيح جمال لمنصب الرئيس خلفا لوالده وذلك فى بلد اعتاد أن تكون السلطة فيه أبوية. وأسهم الصمت والتكتم الذى ساد فى الدوائر السياسية المصرية فى الاعتقاد بصحة هذا التوجه وإمكان حدوثه. وخصوصا بعد مشاركته فى مهمات رسمية أو شبه رسمية داخل مصر وخارجها. ولم يجد المسئولون تفسيرا لها حين سئلوا إلا بأنه نوع من بر الابن بأبيه!! ربما كان الحزب الوطنى الحاكم هو أكثر المستفيدين من أجواء التكتم والسرية التى أحاطت بتحديد اسم المرشح الرياسى القادم، عن طريق إطلاق تصريحات متضاربة تثير الشكوك أكثر مما تقطع باليقين.. إلى أن يتم «تستيف» البيت الحزبى من الداخل وإرساء التنظيمات اللازمة لإجراء انتخابات «مضمونة» النتائج. يمكن البناء عليها فى إجراء انتخابات رياسية «مضمونة» النتائج أيضا بعد عام، منزوعة من المشاحنات والمنافسات غير المرغوبة.. خصوصا أن أنظار العالم أخذت تتابع بكثير من القلق والاهتمام ما سوف يجرى فى الانتخابات المصرية هذه المرة سواء البرلمانية أو الرياسية، مقارنة بانتخابات 2005 و2006 ثم انتخابات التجديد النصفى للشورى هذا العام. وتلح على ضرورة توفير الضمانات الكافية لنزاهتها وعدم تكرار عمليات التزوير التى شابت سابقتها. وهو ما انعكس بوضوح فى الملاحقة الإعلامية الحثيثة من كبريات الصحف الأوروبية والأمريكية ومراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية. وما طالبت به الحكومات الأمريكية والأوروبية صراحة من رقابة دولية على الانتخابات.. قابلتها الحكومة المصرية بوعود وتعهدات بتوفير سلامة الانتخابات ونزاهتها. ويبدو أن قيادات الحزب الوطنى قد انتهت الآن بالفعل، إلى أنها أصبحت تتحكم فى العملية الانتخابية ونتائجها، بعد أن سيطرت على مرشحيها من خلال ما سمى بالمجمعات الانتخابية. حيث أوشكت عمليات تصفية المرشحين وتسكينهم فى الدوائر الانتخابية أن تنتهى. وفرضت وضعا يحتم على من يريد ترشيح نفسه أن يضمن موافقة الحزب عليه، بشرط أن يمر عبر سلسلة من المنافسات والاختبارات التى تضمن ولاءه للحزب. بل إن هيمنة الحزب الوطنى على الملعب الانتخابى وصلت إلى درجة التنسيق مع بعض أحزاب المعارضة لعدم ترشيح منافسين فى دوائر بعينها. وبذلك يتحكم الحزب الوطنى فى أعداد الفائزين من كل حزب. كما تكتمل عملية إقصاء مرشحى الإخوان بعد أن اعتقل من اعتقل وأبعد من أبعد. وقد بدأت التوقعات مع بدء العد التنازلى تتحدث عن أعداد الفائزين من أحزاب المعارضة الثلاثة. وأغلب الظن ألا تزيد نسبتهم على خمس عدد المقاعد وربما أقل نتيجة كوتة المرأة. وبعبارة أخرى فإن تصريحات على الدين هلال أمين الإعلام فى الحزب، بأن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب الوطنى حتى قبل إعلان ذلك رسميا تعنى أن عملية ترتيب البيت الحزبى من الداخل أوشكت أن تنتهى وأن كل السيناريوهات الأخرى التى طرحت بما فيها سيناريو ترشيح جمال مبارك لم تكن غير مناوشات «للغلوشة» على الأحزاب المعارضة والجماعات المطالبة بالتغيير وعلى القوى السياسية المناهضة للتوريث سواء داخل مصر أو خارجها. ولكنها تبقى فى الوقت نفسه بمثابة إرهاصات لما يمكن أن يحدث فى المستقبل إذا تغيرت الظروف، وطرأ طارئ غير متوقع. فلا أحد فى مصر يتخلى عن طموحاته إذا وجد ثمار شجرة الحكم دانية القطاف إلى هذه الدرجة.