جمال هلال واحد من أقرب الأشخاص ارتباطا بملف التفاوض الفلسطينى الإسرائيلى، حيث شارك فى أهم الاجتماعات التى عقدت برعاية ومشاركة أمريكية منذ انطلاق التوقيع التاريخى لاتفاقية أوسلو فى البيت الأبيض بواشنطن فى سبتمبر 1993. وهو حفل توقيع الاتفاقية الذى جمع ياسر عرفات وإسحاق رابين وشيمون بيريز ومحمود عباس ووزير الخارجية الامريكى وارن كريستوفر ونظيره الروسى برعاية الرئيس بيل كلينتون. شهد هلال مئات الاجتماعات والمفاوضات بين الجانبين الفلسطينى والاسرائيلى طيلة ستة عشر عاما. وقبل ان يترك عمله بالحكومة الامريكية كمستشار الرئيس لشئون الشرق الاوسط، شارك هلال فى الاجتماع الذى جمع الرئيس الأمريكى باراك اوباما بكل من محمود عباس وبنيامين نتنياهو على هامش اعمال الجمعية العامة فى نيويورك فى سبتمبر عام 2009. ومنذ ذلك التاريخ حافظ هلال على علاقة متواصلة بالقضية رغم اتجاهه إلى العمل الاستشارى الخاص. الصورة الأشهر لهلال تجمعه مع عرفات وكلينتون وايهود باراك فى كامب ديفيد فى يوليو 1999، فى هذا الاجتماع سعى الرئيس الأمريكى الأسبق للتوصل لاتفاق نهائى بين الفلسطينيين والاسرائيليين، واقترب كثيرا من هدفه، ولكنه لم يستطع أن يحقق ما يريد، ولم يدخل التاريخ بوصفه السياسى الأمريكى الذى أنهى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. ويقول مستشار الرؤساء الأمريكيين فى حواره مع «الشروق» عبر الهاتف من واشنطن «إن التسوية السلمية لهذا الصراع لن تتحقق إلا عندما تتوافر الإرادة السياسية لدى الطرفين فى نفس الوقت، وقناعة بإمكانية التعايش السلمى وإنهاء النزاع، بينما تواجه آفاق التفاوض الفلسطينى الإسرائيلى عدة عراقيل لا يمكن إنكارها، ومنها استمرار الاستيطان الذى يرفضه الطرف الفلسطينى وعدم التوصل إلى مبادئ محددة ومتفق عليها لاستئناف المفاوضات وتحديد ما يتعلق بحدود 1967 كنقطة لبداية المفاوضات». يضيف هلال أن «هذا القدر من الجمود فى المفاوضات قد يدفع السلطة الفلسطينية إلى التوجه لمنظمة الاممالمتحدة لإعلان الدولة الفلسطينية. وهو ما أعلنت الولاياتالمتحدةالامريكية رفضها له، كما تعمل إسرائيل على عرقلته». أسباب الفشل يعتبر هلال أن «نجاح المفاوضات عادة ما يتعدى قدرات المفاوضين أنفسهم، بمعنى انه عندما تتسع دائرة الضغوط السياسية من أجل التوصل إلى حلول، فإن ذلك يسهل احيانا على المفاوضين قبول القرارات الصعبة»، مشيرا على سبيل المثال انه فى عام 1977 قام أنور السادات بزيارته الشهيرة للقدس مما أدى إلى خلق قطاعات فى الشعب الإسرائيلى مؤيدة لموقفه الداعى إلى السلام، وبذلك تمكن السادات من فرض ضغوط على المفاوض الاسرائيلى بما فى ذلك مناحم بيجن نفسه. وبزيارته تلك دحر السادات فكرة ان الاطراف العربية لا تسعى إلى السلام مع اسرائيل، وكانت هذه الفكرة مسيطرة على الرأى العام الاسرائيلى لفترة طويلة، وبكسبه للرأى العام الاسرائيلى شكل السادات ضغطا حقيقيا على الحكومة الإسرائيلية حيث أصبح هناك شعب مستعد لأن يقبل بما يطرحه السادات». ثم يقول هلال: «نفس الفكرة تكررت خلال اتفاقية أوسلو، التى بدأت بتفاوض سرى بين وفدين فلسطينى وإسرائيلى برعاية النرويج، حيث التزم الطرف الفلسطينى بنبذ العنف والاعتراف بدولة اسرائيل والتعهد بالوصل إلى حل نهائى من خلال المفاوضات السلمية، كل هذا خلق رأيا عاما مؤيدا للسلام داخل الشارع الإسرائيلى. وساعد ذلك على الاستمرار فى التفاوض وصولا إلى توقيع الاتفاق المبدئى فى 1993». وعندما يتعلق الحديث بالدور الأمريكى فى عملية السلام، فإن هلال يقر بأن «الوصول إلى مفاوضات ناجحة يحتاج فى كثير من الاحيان لدور أمريكى فعال»، مؤكدا ان هذا الدور «لا يمكن أن يكون السبب الوحيد لنجاح المفاوضات، ولكنه يمكن أن يسهم فى تحقيق زخم لإنجاحها». من أسباب الفشل فى التوصل إلى سلام إسرائيلى فلسطينى، حسب ما رواية هلال التى لا تتفق بالضرورة بكاملها مع الرواية العربية هو «فقدان الثقة بين الطرفين، وعدم وضوح النية الإسرائيلية فيما يتعلق بمقدار الانسحاب من الاراضى الفلسطينية، اضافة إلى الاستمرار فى استخدام العنف من قبل «حماس» واطلاق الصواريخ لترهيب الإسرائيليين رغم انسحاب اسرائيل من غزة، وفشل حماس فى تحويل غزة إلى «سنغافورة الشرق الأوسط» كما وعد الفلسطينيين على مدار سنوات قبيل الانسحاب الاسرائيلى. ويأتى فوق ذلك قضيتا القدس واللاجئين وكلتاهما ممتلئة بالعراقيل والحساسية المفرطة لدى الطرفين». ويشير مستشار الرؤساء الأمريكين إلى أن عملية الفصل بين الشعبين الفلسطينى والإسرائيلى خاصة فى بعض مناطق القدسالشرقية وضواحيها (حيث يتداخل السكان ويصعب الفصل الجغرافى بينهم) سيتطلب أفكارا مبتكرة حول مفهوم السيادة ووظيفتها. مسدس عرفات فى البيت الأبيض عشية توجه الوفدان الفلسطينى والاسرائيلى إلى البيت الابيض للمشاركة فى توقيع اتفاق اوسلو بحضور دولى مهيب، تلقت مراسم البيت الابيض معلومات تفيد بأن عرفات يعتزم ان يأتى للتوقيع وقد وضع مسدسه الشهير فى حزام سترته العسكرية التى دائما ما يرتديها، حسبما يتذكر هلال ويقول «بالطبع كانت تلك مشكلة كبيرة جدا لأن حرس الرئيس (الامريكى) لن يسمح ابدا تحت اى ظرف، شأنه فى ذلك شأن حرس أى رئيس فى العالم، ان يدخل ضيف مسلح إلى البيت الأبيض». وفى العاشرة مساء ليلة التوقيع، حسبما يروى هلال، توجه مع كل من دنيس روس وآرون ميلر، إلى مقر اقامة عرفات فى واشنطن لإبلاغه باستحالة ان يدخل على كلينتون مدججا بالسلاح. «وبدأت الطريقة العرفاتية الشهيرة فى طرح الحلول المقترحة مبتدئا من اقتراح ان يذهب بالمسدس وقد افرغت خزينته من الطلقات، ثم اقتراح اخر ان يذهب بالحافظة الجلدية للمسدس دون أن يكون بها المسدس ذاته، وبالطبع فإن هذه الحلول المقترحة لم تكن لتقبل بها اجهزة امن الرئيس كلينتون». ويتابع هلال: «اخبرت عرفات بصورة مباشرة ان الحل الوحيد هو ان يتخلى عن المسدس واشرت إلى ان الامر لا يتعلق فقط بإجراءات التأمين فى البيت الابيض ولكن ايضا بما يمكن ان يرمز إليه توجه عرفات لتوقيع اتفاق سلام وهو يحمل مسدسا» وبعد جهد جهيد اقتنع عرفات. أوباما مذاكر نظرى ويقول مستشار الرؤساء الأمريكيين، الذى عاصر خمسة رؤساء منذ نهاية عهد الرئيس ريجان، أن كل رئيس امريكى كان له نهجه الخاص فى تناول القضية الفلسطينية، فالرئيس كلينتون اعتمد على الخوض فى كل التفاصيل بحيث تخدم التفاصيل الصورة الكلية للاتفاق، بينما ركز الرئيس جورج بوش الابن على الصورة الكلية بحيث تخدم الصورة الكلية التفاصيل التى تندرج تحتها. اما الرئيس اوباما فهو يتصرف احيانا انطلاقا من كونه رجل قانون له تصور يؤمن به ويسعى للاسترشاد به فى التوصل لحلول عادلة للقضايا الدولية. ويضيف هلال: «ان التعامل مع القضايا المعقدة لعملية السلام يتطلب ادراكا من الرئيس الأمريكى بأى الحلول ستكون مقبولة للطرفين وأيها سيكون مرفوضا» مشيرا إلى ان الرئيس باراك اوباما ربما ينظر للامور من الناحية القانونية بدرجة تتجاوز الواقع السياسى. وفى النهاية فإن الحلول الدبلوماسية هى قدرة التوصل لما هو ممكن بحيث تتعادل كفتا الخسارة والمكسب لكل طرف فى الوقت نفسه وبنفس القدر». ويأخذ هلال على الجانب العربى ما يصفه ب«كثرة الانتقاد للدور الذى تقوم به الولاياتالمتحدةالأمريكية، واتهامها بأنها لا تقوم بدور الوسيط النزيه للتفاوض، بينما هذه الاطراف لا تبذل الجهد الكافى من الناحية السياسية للعمل للتوصل لاتفاق ممكن». ويقول هلال: «ان الولاياتالمتحدة لن تفرض السلام على اى طرف من الاطراف، واذا فرض السلام فإنه لن يقبل ولن يدوم». ويضيف مستشار الرؤساء الامريكيين «أن الطرف الفلسطينى فى أشد الحاجة لدعم الاطراف العربية له بدلا من انتقادها المتكرر لأدائه، لأنه سيكون صعبا على الطرف الفلسطينى بمفرده ان يتخذ قرارات صعبة خاصة بالنسبة لقضية القدس، كذلك الامر بالنسبة لقضية اللاجئين». كلينتون ينفعل على نتنياهو ويؤكد مستشار الرؤساء الامريكيين انه فى عهد الرئيس كلينتون ارتفعت الآمال للتوصل لحل نهائى للصراع الفلسطينى الاسرائيلى اثناء مفاوضات واى ريفر فى اكتوبر 1998، ويروى واقعة يعتبرها من اكثر اللحظات التى سادها التوتر والانفعال الحاد، حيث كانت المفاوضات قد اوشكت على التوصل لحل، وفى اللحظات الاخيرة تراجع رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتنياهو عن وعد اعطاه للرئيس كلينتون بإطلاق عدد كبير من السجناء الفلسطينيين، مما فجر غضب كلينتون وقال لنتنياهو «يبدو اننى كنت اضيع وقتى فى هذه المفاوضات». ويؤكد هلال «إن ما عرف بمبادئ كلينتون (التى تم طرحها فى ديسمبر 1999 قبيل نهاية الولاية الثانية لكلينتون) كانت أفضل شىء يمكن تقديمه للقضية الفلسطينية فى ذلك الوقت، مضيفا أن «الحلول تكون جيدة فى توقيت معين وليس فى المطلق، لأن تغير الاوضاع على أرض الواقع يغير من فرص تحقيق هذه الحلول المقترحة». ويقول هلال: «الحلول السياسية مرتبطة بالزمن والتوقيت وما كان ممكنا فى 1947 (مع صدور قرار تقسيم الاراضى الفلسطينية التاريخية من قبل الاممالمتحدة لدولتين اسرائيلية وفلسطينية) لم يعد ممكنا اليوم، وكذلك فإن فرص تنفيذ مبادئ كلينتون لم تعد قائمة بنفس الدرجة اليوم، ولا ما كان السادات يقترحه بالنسبة للحقوق الفلسطينية فى الضفة الغربية خلال مفاوضات كامب ديفيد (1978) لأن عدد المستوطنين فى ذلك الوقت كان نحو 5000 شخص بينما يقترب عدد المستوطنين اليوم من نصف مليون». مبارك لم يكن مستعدًا للقبول بأى شىء وعن الدور المصرى يقول هلال وبدون تردد فى رده على اسئلة الشروق ان الحديث عن ان الرئيس السابق حسنى مبارك كان مستعدا لأن يقبل بأى شىء يطرحه الإسرائيليون إذا كان مدعوما من امريكا طوال السنوات من 1993 إلى 2009 بأنه «كلام فارغ». وبحسب هلال، فإن مبارك كان يقبل الطرح الاسرائيلى عندما يكون منطقيا ويرفضه مرات اخرى، وكذلك يقبل الطرح الفلسطينى او يرفضه عندما يتسق او يتناقض مع المنطق، وهناك امثلة عديدة على مدار عملية السلام والبعض يعود إلى القصة المشهورة عند توقيع اتفاق غزة اريحا اولا، عندما قرر عرفات يوم التوقيع الذى جرى فى صيف 1995 فى القاهرة أن «يختلق مشكلة حول الخرائط» ويرفض التوقيع بحجة ان الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق حولها، رغم ان هذه الخرائط كانت قد تم اقرارها من قبله، ومن قبل اسحاق رابين فى الليلة السابقة للتوقيع. فى هذا الموقف ايد الرئيس مبارك موقف رابين لأنه كان يعلم تماما وكذلك عرفات ان الاتفاق على الخرائط قد تم التوصل إليه. وينفى هلال بشكل قطعى فى حدود ما تابع وعرف ان مبارك كان يعلم بالتوقيت الدقيق لشن الحرب الاسرائيلية على غزة فى نهاية ديسمبر 2008 والتى استمرت 18 يوما ويقول ان الاقوال بأن مبارك كان يعلم بتوقيت الحرب هو «كلام ليس له اساس من الصحة» مؤكدا ان اسرائيل لا تخبر احدا (بما فى ذلك واشنطن) بمواعيد عملياتها العسكرية حتى لا تتعرض لمعارضة او لطلب تأجيل العملية، ورغم ذلك يوضح ان الكل كان يعلم ان هناك نية اسرائيلية للقيام بعمل عسكرى لأن ايهود اولمرت كان يقول انه لا يستطيع كرئيس لوزراء اسرائيل ان يقبل استمرار اطلاق الصواريخ من غزة على أراض إسرائيلية، ولذا كانت هناك توقعات بأن الحرب حتمية. ويقول هلال ان «العلاقة الجيدة» التى كانت تجمع بين مبارك ورابين لم تكن خافية على احد ويرجع اسبابها إلى الثقة بين الطرفين، حيث كان رابين يلتزم بتنفيذ ما وعد به، وهذه الثقة كانت موجودة ايضا بين رابين وعرفات وبين رابين وكلينتون.