قام زميلنا كريم المصور في وحدة الأخبار في بوابة الشروق برواية ما جرى له في الليلة السوداء التي أمضاها معتقلا بسبب تغطيته لأحداث ميدان التحرير أمس الثلاثاء. وهذا هو بالضبط ما قاله لي، أو بمعنى أصح ما استطعت أن أجمعه من الكلمات القليلة التي قالها وهو منهار.. فكما سوف ترون، فإن سبب انهياره ليس ما لاقاه من اعتقال وضرب وإهانة، وإنما بسبب تحطم الكاميرا التي كان يحملها بعشق كبير. الكاميرا المحطمة كانت بالفعل "حياة كريم". وإليكم كلماته.. "أنا كنت بأغطي احتفالات الليلة الكبيرة في مولد السيدة زينب والفعاليات المرتبطة بها. وأنا هناك، طلب مني الذهاب إلى ميدان التحرير لتصوير القلق هناك، خاصة وأن ومحدش عارف اللي بيجرى بالظبط ... أول ما روحت التحرير ووصلت تقريبا الشارع بتاع الجامعة الأمريكية، لقيت الموضوع هناك كبير خالص... كثير من جنود الأمن المركزي أصيبوا.. ووجدت أن الناس تتداول قصص وروايات متضاربة. على العموم أنا مصور وشغلتي التصوير، وزملائي الآخرين المتواجدين والذين لم أراهم حتى هذه اللحظة سيكتبون هم التقرير. المهم كنت بأصور اللي بيحصل من جانب الأمن المركزي، يعني اللي بيحصل معاهم. فجاء إلىّ أحد الأشخاص وكان بيحكي لي أنه من أهالي حي عابدين وأنه هو وأصحابه جاءوا يدافعون عن ميدان التحرير من البلطجية. وفجأة لقيت جنود الأمن المركزي بيجروا للأمام على شكل متفرق بعد ما الضباط بتوعهم أمروهم بذلك .. وشعرت أنني لو دخلت ميدان التحرير سيكون الموقف خطيرا، وشعرت بسخونة الأحداث وشاهدت قنابل مولوتوف بتترمي من كل الجهات... والناس ترجع للخلف ناحيتي، وجدت أن جنود الأمن المركزي يتراجعون هم أيضا.. فقمت بالتصوير وأنا رافع الكاميرا إلى فوق علشان أصور اللي بيحصل بشكل أفضل. ثم وجدت شابا يقول لي: هوّ ده وقت تصوير؟؟ ولقيت الثاني بيقول هوّ وقته ده؟؟ والثالث وجدته بيشتم وخطف منى الكاميرا وضربها في الأرض وحطمها أمامي على الأسفلت. وتجمع حولي الناس بيضربوا في أنا وأنا مش عارف ولا قادر أعرف دول مين؟؟ بلطجية؟ ناس متظاهرين؟ وفيه حد فهمهم إنني مصور لوكالة أجنبية أو جاسوس ... كل ده حصل وأنا بأقول أنا مصور في الشروق.. أنا مصور في الشروق... بس محدش كان مهتم يسمع.. وكانو بيضربوا فيّ بشكل غريب في رأسي وظهري ولقيت اللي بيهددني بعصا كهربائية .. ثم المعجزة الكاذبة.. لقيت واحد بيسحبني وقال لهم: خلاص خلاص سيبوه، ده معايا. وكنت فاكر إنني كده خلاص حد لحقني.. بس وجدته أدخلني في شارع جانبي وقعد هو والذين معه وآخرين ملتفين حولي ويشتموتي وعايزين يضربوني تاني وأنا بأحاول أقنعهم إن أنا مش جاسوس.. أنا مصور بوابة الشروق.. أنا مصور بوابة الشروق.. بس لقيت الأمن يفتش شنطة ظهري وكل ما يشوف حاجة غريبة يفتكرها جهاز تجسس وقعدوا يشتموا ويضربوا فيّ من أول وجديد.. وأخدوني داخل سيارة الترحيلات الزرقا وكانت فاضية.. ظلام دامس من جوه. قعدت أدعي ربنا كثيرا... قعدت فيها شوية وأنا أحاول أصرخ لأي شخص يسمعني ... شوية وواحد فتح الباب عليّ، وأخدني من سيارة الترحيلات وأدخلني في سيارة بوكس .. ولقيت ناس بيركّبوني وبيقولوا لي: ما تتكلمش خالص! وأنا بأتحايل على أي حد يسمعني ويفهم موقفي. استمريت في الدعاء في سري وقلت أنت يا ربنا قادر إنك تفك اللي أنا فيه وتظهر الحقيقة.. عرفت بعدين إنهم تحريات عسكرية .. وصلت قسم شرطة وعرفت بعد شوية إنني في قسم الموسكي. ووقفوني وجهي للحائط، واستمروا يصرخون في وجهي ويهددوني أنهم سيضربونني لو لم أسكت.. ثم قاموا بتفتيشي تفتيشا ذاتيا وأدخولني حجرة الضابط النوبتجي. واستسلمت تماما وأنا وجهي في الحائط عندما سمعت أحدهم يقول لي: آدي آخرة اللي ما يسمعش كلام بابا وماما !!! بعد شوية وأنا واقف لقيتهم وضعوا الكلابشات على يدي الإتنين وجابوا لي الشنطة أشوف اللي فيها.. الحقيقة لم أهتم: ما خلاص، الكاميرا اتكسرت.. طبعا كنت حاسس إنه ممكن أن أتعرض للضرب في أي وقت.. ثم وجدت ضابط شرطة برتبة ملازم أول يقول لي: ما تخافش، إحنا مش زي الناس اللي جابتك هنا، ومش حنعمل زيهم.. وقام بفك الكلابشات وأدخلني الحجز.. في الحجز وجدت ناس قالوا أنهم متظاهرين .. أنا الحقيقة لا أعلم مين المتظاهرين ومين البطلجية. جاء آخرون من التحرير مثلي، وأنا شخصيا رفضت أن أتكلم مع أي حد فيهم لأني لم أعد أثق في أحد ولا أعرف من معي ومن ضدي.. بعدها وجدت أمين شرطة في القسم دخل غرفة الحجز ووضع الكلابشات من جديد في إيدي من خلف ظهري. وبعدها لقيتهم طلعوني من الحجز وقالوا لي حتتكلم دلوقتي مع قيادات في الداخلية... دخلت مكتب المأمور ووجدت شخصين يسألوني ما الذي يجرى؟ شرحت لهم: أنا كنت فين وبصور مين وإيه، قالوا لي: هذا هو عملك فعلا، ومحدش يقدر يغلطك ...بس الناس هناك متحفزين وأصبحوا يشكون في أي حد وأي حاجة. المهم واحد منهم بص للتاني وقال له: بيتهيألي يطلع!! أصله ما عملش حاجة ولا فيه عليه حاجة.. التاني قال له: فعلا يخرج ..راحوا بعدها دخلوني حجرة الضابط النوبتجي.. وبعد فترة لقيت المأمور يعرفني بنفسه، ويقول لي إني أعمل محضر عشان الكاميرا اللي اتكسرت وأقول أن المتظاهرين أخدوها وأنا أخدت صورة منه. ولما لقيت الموضوع كده استأذنت منهم إنني أكلم والدي أطمئنه وأقول له أنني لازلت أصور في مولد السيدة زينب وأنني سوف أتأخر ... بعد المكالمة عرفت أن كل الذين جاءوا من التحرير للقسم تحولوا للنيابة العسكرية، ووجدت من يقول لي: حظك حلو عشان أنت نفدت من الموضوع بجد، واتكتب لك عمر جديد.. " وبعد روايته هذه قال لي عندما اتصلت به للاطمئنان: عمر إيه اللي اتكتب لي من جديد؟ الكاميرا راحت..