الغناء دائما يلعب دورا مهما فى نهضة الأمم ورقيها. وهو أحد عوامل البناء. دول كثيرة تعرضت لمحن كبيرة وكان للغناء دور فى إعادة البناء. ولن نذهب بعيدا فهذا الدور لعبته السيدة أم كلثوم خلال حروب مصر ضد إسرائيل لتحرير الأرض. وذهبت بغنائها إلى خارج حدود الوطن من أجل هذا المجهود الحربى. ونجحت فى لم شمل المصريين والعرب كانت بمثابة زعيم يحاول انتشال وطنه من أى كارثة. ومنذ رحيل السيدة أم كلثوم لم يلعب هذا الدور فنان مصرى. رغم أننا مررنا أيضا ببعض الأزمات وحتى الذين حاولوا لعب هذا الدور فى بعض المواقف كان الغرض منها الشو الإعلامى وكان هذا هو الواضح فى لغة حوارهم. لكن على مستوى العالم العربى وجدنا أسماء أخرى تلعب هذا الدور بجد ودون النظر للشو الإعلامى. ربما أبرز الذين لعبوا هذا الدور النجمة الكبيرة ماجدة الرومى مع وطنها لبنان. فهى فى كل حفل ومناسبة تحاول أن توحد الصف اللبنانى وتركز على أمن لبنان. فى حفلها الأخير الذى أقيم مساء السبت الماضى ضمن مهرجان جونيه حضر الحفل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، وقائد الجيش العماد جان قهوجى، ورئيس الهيئة التنفيذية فى «القوات اللبنانية» سمير جعجع وحشد من النواب والسياسيين إضافة إلى أكثر من خمسة آلاف شخص من محبى الفنانة الرومى. وافتتحت الحفل بأغنية «لبنان سوف يبقى» على أنغام فرقتها الموسيقية بقيادة المايسترو ايلى العليا وسط ديكور مميز بحقل من سنابل القمح يتوسطه العلم اللبنانى. وفى ختام الأغنية قالت كلمة أعربت فيها عن فرحتها بالحضور من مختلف المناطق وفى مقدمتهم رئيس الجمهورية وقالت: «قلبى كبير وقلبكم كبير وقلب السيدة العذراء المطلة فوقنا من تله حريص أكبر وأكبر، وأنا مسرورة جدا بوجود سياسيين كبار من مختلف التوجهات، فهذا هو العيد أن تكونوا مع بعضكم وهذا يعنى لى الكثير ولكل لبنانى عندما يراكم مع بعضكم البعض». هذا هو دور الغناء الحقيقى كما عرفناه وتعلمناه من رموزنا الموسيقية والغنائية. لكن مصر لم يعد بها من يقوم بهذا الدور. كل فنان مشغول بمصلحته. وما هو العائد من أى عمل يقوم به. وحتى الذين لديهم الرغبة فى المشاركة سواء بفنهم أو فكرهم لا يبادرون بالعمل بل يتركونها للظروف. بصراحة أكثر لا يوجد لدينا فى الوسط الموسيقى من يقوم الآن بدور ماجدة الرومى فى لبنان. رغم أن لدينا أسماء كبيرة لا تقل عنها مثل هانى شاكر أو أنغام أو على الحجار أو محمد منير. هذه الأسماء كبيرة ولها علاقات شاسعة تستطيع أن تجمع الناس حولها. لكن أغلبهم يكتفى بمتابعة الأحداث. نريد فنانا يجمع الناس حوله. لديه القدرة أن يجبر كبار رجال الدولة إلى النزول من منازلهم لحضور حفل غنائى فى مهرجان من أجل صالح البلد. نريد أيضا مسئولينا ألا يظلوا «منشيين» من نوعية المسئولين السابقين الذين كان تحركهم للمشاركة فقط فى المناسبات التى يريدون حضورها ولأسباب خاصة بهم. لكننا لم نشاهد رئيس جمهورية أو حتى رئيس وزراء يذهب للمشاركة فى حفل فنى. حتى حفلات مارينا التى كان يحضرها بعض الوزراء بالشورت. كان حضورهم للترفيه عن ذويهم وعائلاتهم. وكان فى الغالب حضورهم معرقلا للجماهير العادية. الغناء فى مصر طوال ال30 سنة الأخيرة من عمر مصر كان مهمشا والمطربون الذين ظهروا خلال هذه الفترة استسلموا للأمر والواقع وجميعهم بعد سقوط النظام تفرغوا لإظهار المعاناة التى كانوا يتعرضون لها. وهو أمر جيد لكن النظام سقط. وهذا يطرح السؤال أين هم الآن؟ ماجدة الرومى أضاءت سماء لبنان بغنائها وفكرها. وجمعت كل الأطراف التى ربما تعجز مائدة المفاوضات السياسية عن جمعهم. ويبقى السؤال هل يتحرك أحد من بيننا للقيام بهذا الدور خاصة أننا الآن فى أمس الحاجة لمن يدعم استقرار مصر. ولمن يغنى «مصر سوف تبقى» على طريقة ماجدة الرومى التى غنت أغنيتها الشهيرة «لبنان سوف يبقى» فى بداية حفلها الذى اختتمته بأغنية «بيروت ست الدنيا».