كنت في حيرة كبيرة من كثرة خضم المرشحين للرئاسة، وكنت بالفعل أقوم بدارسة كل مرشح، تاريخه، ماذا قدم، نضاله، مشروعه الثقافي والفكري، وأخيراً كنت سأختتم ببرامج المرشحين التي من المفترض أن يعلنوا عنها، ولكن يوم السبت الماضي 18-6-2011 أعلن الدكتور محمد سليم العوا من مقر جمعية الثقافة والحوار ترشيح نفسه للرئاسة رسمياً، ومن ثم إستتبعها لقاء مع الإعلامية منى الشاذلي في العاشرة مساءاً مساء اليوم التالي لإعلانه الأحد. وما يثير دهشتى بالفعل ما نقدمه نحن بعض أبناء الثورة من سهام تنطلق من اليمين إلى اليسار إلى أي مرشح جديد للرئاسة، وهنا أخص الدكتور محمد سليم العوا في الحديث، كرجل مقتنع بموروثه الثقافي والفكري، حيث يعد من أعلام ورموز الإسلام الوسطي مع أبناء فكره كأمثال: " الشيخ الغزالي، الدكتور القرضاوي، الدكترو محمد عمارة، الإستاذ فهمي هويدي، الدكتور عبد الوهاب المسيري،.."، وكنا بالفعل منذ زمن نتعلم منهم معنى الوسطية في الإسلام، قيم الرحمة، العدالة، المواطنة، والمشاركة، كنت أنتظر أن يستقبل قرار الدكتور العوا بترشيحه لرئاسة الجمهورية إما بفرح مؤيده، أو حيادالعاقلين، أو سهام الشامتين، وما لاحظته هو ظهور سهام الشامتين بطريقة غريبة لا أجد لها تفسيراً، إلا أننا تحولنا لمسرح للتجريس السياسي بإختزال الفكر السياسي والمناقشة السياسية لمناقشة الهوامش السطحية التي ترد عند كل المرشحين، ولا أجد في ناقلي هذا المبدأ الغريب سياسياً سوى قلة فهم معاني كثيراً ما يتدشدقون بها ك " الديمقراطية، الحرية، حرية الرأي والتعبير، قراءة البرامج أولا، معرفة ما الغرض وكيفية التنفيذ" ووجدت سيلاً من الهجوم للأسف أجده من بعض المثقفين والمنفتحين فكرياً، بالرغم من أن أفعالهم لا تدل إلا عن إنغلاق فكري وتعميق لفكرة ديكتاتورية الرأي وسلطوية التفكير. الغريب في الأمر بأن ما بدر من هؤلاء كانوا كثيراً ما يستشهدون بكلام ومقالات العوا أمام أي تعصب، لإبراز قيم الفكر الإسلامي الوسطي السمح، ولكن وجدت هؤلاء يشاركون في اللعبة غير الأخلاقية التي تحاك على العوا، كنت أنتظر منهم أن يقفوا موقف الحياد التام، أو حتى مناقشة فكر العوا للخروج بإيجابياته وسلبياته، ونقد هذه النقطة ومدح غيرها، فكنت وقتها لاستبشرت خيراً لمستقبلنا، ولكن أن يعلن أحد الترشح وتكون أيدلوجيته أو فكره غير فكر الشخص كونه ليبرالياً أو علمانياً فسهام النقد يجب أن تصيب، بالرغم من أنها تعكس بأن من يفعل ذلك ينقلب على الليبرالية بمبادئها رأساً على عقب لكي ينصر فكرته بأي طريقة حتى لو بعكس مبادئه، وهنا أقول لهم نقدتم من يتحدث من الإسلاميين بتشدد، ومن ثم الآن تنتقدون شخصاً عرف بوسطيته وأنتم أول الشاهدين عليها، ولذلك بأي فكر إسلامي تؤمنون به ؟ لا أدري. ومن هاجم الدكتور العوا هاجمه بعدة نقاط أهمها: 1-إعلانه منذ فترة قديمة أنه لن يترشح (بالرغم من أن الآراء السياسية دائماً ما تتعرض للتغير حسب المواقف والتوقيت والمعايير وآراء التابعين لنفس الفكر حين يبادروا بآرائهم للرمز السياسي ولنتذكر جميعاً بأنه نفس موقف البرادعي عقب سقوط مبارك صرح بأن مهمته انتهت ولا يريد الترشح للرئاسة ثم غير رأيه). 2-مقالة لإبنته نشرت على موقع العوا نفسه كتبت "لماذا البرادعي" ونسي الصحفيون الذين أعادوا نشر المقالة عبر المواقع الإلكترونية فور علمهم بإعلان العوا الترشيح عدة أشياء، أهمها بأن المقالة كتبت في عام 2009 قبل الثورة وذلك في خضم ما تجمع عليه القوى السياسية حول البرادعي في الجمعية الوطنية للتغير، وأن المقالة منشورة في موقع الدكتور العوا نفسه، يعني إن وجد فيها غضاضة أو سلبية لأزالها قبل إعلانه عن الترشح، وهو ما يدلل عن تفتح الفكر الإسلامي وإنفتاح الدكتور العوا الذي قبل نشر مقالة لإبنته تروج للدكتور البرادعي ليبرالي الفكر وهو لا أشاهده في عكس هذا الموقف أبداً. وبعض المهاجمين أجدهم داعمين للدكتور محمد البرادعي، والمشكلة بأن الهجوم يأتي وكأنه بعبارة كيف يتقدم أحد أمام البرادعي، فهم سلبوا حق التعبير والديمقراطية من خالف رأيهم، بالرغم من إعتزازي بالدكتور البرادعي، وكنت من المؤيدين له قبل الثورة فقد كنت أدعو الناس للتوقيع على بيان التغيير، حيث وضعت فيه النقاط التي أيدتها جميع القوى السياسية وأيدها المصريون للتغيير، كنت مدافعاً عنه أشد الدفاع في أي سهم كذب يرسل ليطعنه في ظهره كأنه باع العراق ودافعت عنه في الإتهامات الملفقة لصور أسرته الخاصة وزواج إبنته، وغير ذلك من الإفتراءات التي قام بنشرها أتباع النظام السابق، وكنت معه كشخصية تجمعت حولها كل القوى الوطنية ضد النظام البائد، وكان الهدف على لسان البرادعي نريد المساعدة لإسقاط النظام، وبالفعل أسقط النظام فمن ينادي اليوم بأن لا أحد يجب أن ينتخب إلا البرادعي ما هي إلا ردة ديمقراطية، لأن الهدف حول الإجماع حوله انتهى بانتهاء النظام، عقبها نتيح الحرية للترشح ونتيح للمصريين حرية الإختيار كلٌ وفقاً لرأيه أو اتجاهه السياسي، أو وفقاً لتقديره البسيط، وأجد أن ما يقومون به من هجوم مثل ما فعله النظام السابق في البرادعي، لأنها كانت حملة المقصود بها التشويه لا أدبيات التنظير. من هنا أفتح عدة نقط للنقاش إذا أردنا أن نتخذ من التجريس السياسي مبدأ ونترك جميع ما قدمته في بداية المقال على كيفية إختيار مرشح الرئاسة ودراستها، حيث أن لو أردنا أن نتخذ من التجريس منهجاً فنتذكر سوياً المثال المشهور "اللي على رأسه بطحة" وأريد إجابة عليها: 1-الدكتور البرادعي صرح قبل خمس سنوات بأن مشكلة مبارك بأنه لا يعرف كثيراً عن الفساد والمشكلة فيمن حوله (وبتلك المقولة يذكرنى مبدأ فيلم طباخ الرئيس. 2-أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير قبل الثورة بسنة وبعدة شهور خرج أعضائها ينتقدون البرادعي بشدة على سفرياته الكثيرة بالخارج وعدم الإهتمام بالجمعية ولا مطالب الشعب (يرجى مراجعة مقالات الدكتور حسن نافعة، الدكتور علاء الأسواني، الإعلامي حمدي قنديل، إستقالة الشاعر عبد الرحمن يوسف من الجمعية من مسببتها هذه النقطة). 3-البرادعي لم يحضر الثورة منذ بدايتها يوم 25 ينايرحيث وصل يوم الجمعة 28 يناير (ولا أجد أحد يتكلم عن هذا الموضوع سوى فتحه لصالح بعض القوى الأخرى التي ترددت أو تأخرت أو حتى نزلت من يوم 25 بشكل غير رسمي). 4- عقب تخلي الرئيس المخلوع عن السلطة أعلن بأنه مهمته إنتهت ولا يريد الترشح للرئاسة ثم غير رأيه وترشح. 5-لم يشارك البرادعي في ثورة الغضب الثانية بالرغم من تصريحاته أنه سيشارك ولكن لم يشارك فيها (وجدنا هجوماً حاداً لكافة القوى السياسة والأحزاب غير المشاركة فيها وكأنها باعت الثورة وليسوا من الثوار، أضاعوا حق المصابين والشهداء واستهانوا بالمحاكمات ولم نجد هذه الإتهامات موجهة للبرادعي الذي لم يشارك أيضاً فيها). 6-عندما تتضمن التعديلات الدستورية جميع النقط التي احتوى عليها بيان الجمعية الوطنية للتغيير التي صاغها البرادعي وحينما تم الإستفتاء عليها بعد الثورة وخرجت النتيجة ب 77 % لنعم للتعديلات، نجد البرادعي أول المنقلبين على النتيجة في أول تحول ديمقراطي مصري وستعد سابقة تاريخ في الانقلاب على الديمقراطية عقب الثورة، ونقض صريح لشرط من شروط الديمقراطية وهو شرط الإستدامة ( Sustainability Condition )والمقصود به هو قبول كافة القوى السياسية لقواعد اللعبة الديمقراطية بغض النظر عن نتائجها وإلا تحولت إلى ديمقراطية غير مستقرة. 7-صورة البرادعي الشهيرة مع صاحب مذابح العرب شارون والتي قام بتعليقها القوى الناصرية في معرض شهداء الثورة في التحرير ونشرت في جريدة البديل. طبعأً بعدما تعرضت لهذه النقاط العديدة ثارت ثائرة محبي الدكتور البرادعي، وأقول لهم وهل محبوالدكتور العوا بلا قلوب لا يتأثرون بما تنشرونه يميناً ويساراً، لم أقصد الإساءة للبرادعي، بينما هو تقرير لواقع قد وقع، وهذا إن ارتضينا لأنفسنا بأن نسير في جو لا أخلاقي يبعبع بالديمقراطية والحرية المستباحة في تشويه وحرق الأشخاص فتأكد بأنك لست الوحيد الماهر بهذه اللعبة فكل أصحاب فكر ماهرون في البحث على جوجل أو النقر على اليوتيوب وأحب أختم قولي بأن الأشخاص يقاسون بمجمل الأعمال لأنك لو قمت بفرز من أمامك فلن تقتنع بأحد بل ستصل لمرحلة الجنون، لأن الكل شابه العيوب، حتى أنت نفسك لست كاملاً، وياليت يتفرغ كل مرشح وكل المشاركين في حملات الترشيح للمرشحين للعمل الجاد لإقناع الناس بالمرشح نفسه دون الإنتقاص من وزن المرشحين الآخرين، بل والعمل على تطوير البرامج التي مازالت لم تعرض بعد على الشعب لكي يتقبلها الشعب ويقتنع بها ويعطي صوته لصاحب البرنامج الأفضل.